عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Nov-2024

الاتفاق مع لبنان إنجاز تكتيكي ومراوحة إستراتيجية

 الغد- هآرتس

 تسفي برئيل
 
لوحة المراهنات الجديدة تبدلت في لحظة. إذا كان يجب على المراهنين حتى التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان الإجابة بشكل صحيح عن سؤال هل سيتم التوقيع على الاتفاق، فإنه منذ أول من أمس سؤال المليون هو متى سيتم خرق هذا الاتفاق. حوالي مليون ونصف نازح لبناني بدأوا في تعبئة "نماذج الرهان" عندما تدفقوا بجموعهم في طريق عودتهم إلى بيوتهم في صور والضاحية الجنوبية وبعلبك. في الحقيقة هم لم يعودوا إلى قراهم في جنوب لبنان، لكن عملية إعادة الإعمار الأولى بدأت.
 
 
في مقابل اللبنانيين، الذين عبروا عن الثقة بالاتفاق، فإنه في إسرائيل توجد ثقة مطلقة بأن الاتفاق سيتم خرقه، إذا لم يكن في الأشهر القريبة المقبلة، فبالتأكيد بعد بضعة أشهر أو سنة. الافتراض الأساسي هو أن حزب الله سيفعل ما في استطاعته لملء صفوفه بالمقاتلين الميدانيين والقيادات، وملء من جديد مخازن السلاح والذخيرة، وبعد ذلك التسرب مرة أخرى إلى جنوب لبنان من أجل تجديد ميزان الردع أمام إسرائيل. هذا الافتراض يوجد له بالطبع ما يستند إليه. فالاتفاق تم التوقيع عليه ظاهريا بين إسرائيل وبين دولة تسمى لبنان، لكن عمليا، هو اتفاق بين دولة ومنظمة. ومن أجل عدم بقاء الاتفاق فقط كصفحة "اكسل" يسجل عليها اختراق الاتفاق وإحصاء النشاطات التي ستبرر الرد العسكري، فإن لبنان يحتاج إلى تغيير في الهيكلية.
المتحدثون بلسان حزب الله يسعون إلى الإثبات أنهم انتصروا في الحرب وتسببوا بأضرار باهظة وقتلى لإسرائيل، وأنهم بذلوا كل الجهود في استخدام وحدة الساحات. أو كما جاء في عنوان صحيفة "الأخبار" الناطقة بلسان حزب الله، "نحن نقف بصمود وانتصار". ولكن حزب الله تنتظره معركة قاسية في الساحة الداخلية في لبنان، التي يجب عليه فيها إعادة بناء مكانته المهددة أمام إسرائيل لاستخدامها كرافعة سياسية، مثلما فعل بعد حرب لبنان الثانية وقبلها بفترة طويلة.
الاتفاق ينص على أن الحكومة اللبنانية تتحمل المسؤولية عن تفكيك البنى التحتية لحزب الله في جنوب نهر الليطاني ومنع تهريب السلاح من سورية وإيران وعن طريق البحر إلى حزب الله. وبعد ذلك العمل على تنفيذ القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح حزب الله وسلاح المليشيات الأخرى. ولكن ذلك يبدو في هذه الأثناء مهمة غير محتملة. فالجيش اللبناني فيه القليل من الجنود، وهو غير مزود للعمل في كل الجبهات المطلوبة منه حسب الاتفاق. قائد الجيش اللبناني، جوزيف عون، أوضح لرئيس الحكومة المؤقتة نجيب ميقاتي ونظرائه الأميركيين والفرنسيين أن نشر القوات على حدود لبنان سيجبره على نقل قوات من الحدود مع سورية من أجل وضعها على الحدود الجنوبية. المعنى هو أن المعابر الحدودية بين سورية ولبنان يمكن أن تكون مكشوفة، على الأقل إلى حين تجنيد وتدريب 6 آلاف جندي من أجل تعزيز صفوف الجيش اللبناني.
لكن في ظل عدم القدرة العملياتية، فإنه من أجل العمل ضد البنى التحتية لحزب الله التي توجد شمال نهر الليطاني، في بعلبك وفي شمال الدولة، الأمر يحتاج إلى تصميم سياسي يستند إلى دعم الجمهور الواسع. هذا من أجل أن تستطيع الحكومة اللبنانية وقف ترميم البنى التحتية العسكرية لحزب الله، وليس فقط في منطقة الجنوب. يجب على الحكومة أن تكون مستعدة لمواجهة مقاتلي حزب الله بشكل مباشر، الذي ليس فقط هو الجسم العسكري الأكبر في الدولة، بل من يمثل أغلبية السكان الشيعة. هذا القرار يحتاج إلى تغيير عميق للبنية السياسية في لبنان، التي هي الآن مصنوعة من رقع عدة، وتنقسم بين الطوائف والأديان وتحكمها نخب مشوبة بالفساد، الذي أفسد أجهزة الدولة. هذه البنية أفشلت تنفيذ القرار 1701، ويمكن أن تعيق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الجديد الذي يستند بشكل ما إلى أسس هذا القرار.
من أجل تأسيس نظام قوي في لبنان يستطيع مواجهة حزب الله وتجسيد سيادة الدولة من ناحية دستورية وسياسية، فإنه من الحيوي التوصل إلى تفاهم حول تعيين رئيس جديد للدولة، الذي من صلاحيته تعيين رئيس حكومة بشكل ثابت، التي تحظى بثقة الجمهور. بعد ذلك يجب الإعلان عن إجراءات الانتخابات للحكومة بموافقة واسعة من الجمهور. لقد مرت سنتين منذ إنهاء الرئيس ميشيل عون ولايته، ولبنان لم ينتخب بعد رئيسا بديلا. في هذه الأثناء لا توجد أي إشارة إلى خطوات سياسية جديدة رغم الحرب، الدمار الكبير ووقف إطلاق النار. إن غياب حكومة مستقرة وقوية كان العامل الأساسي الذي مكن حزب الله من جر لبنان إلى الحرب وإلى أن يكون في "وحدة الساحات"، من أجل هدف بعيد عن قلوب معظم مواطني الدولة.
حكومة مستقرة وقوية هي حيوية أيضا لإعادة إعمار لبنان، لأنه الآن يتوقع حدوث صراع سياسي صاخب حول إعادة الإعمار. هل ستكون الحكومة أم حزب الله الذي سيتعاون مع إيران في إعادة الإعمار، التي عرضت في السابق مساعدات مالية وتم رفضها؟ حسن نصر الله تعهد بالاهتمام بإعادة إعمار كل بيت تم هدمه وكل حقل تم إحراقه. بالنسبة لحزب الله لا توجد هنا فقط مسألة المكانة والوفاء بالعهد، بل أيضا استعراض القوة السياسية. وكي تستطيع حكومة لبنان إحباط طموحات حزب الله، فإنه يجب عليها الآن تجنيد مئات ملايين الدولارات، وبعد ذلك المزيد من المليارات. ولكن مقابل حزب الله الذي تموله إيران لا تضع له حدود فإنه يجب على الحكومة إجراء الإصلاحات قبل الحصول على المنح والقروض التي تتجاوز المساعدات الإنسانية الفورية الضئيلة.
الحكومة الحالية في لبنان عليها دين بمبلغ 45 مليار دولار، 195 % من الناتج الوطني الخام. وهي غير مخولة وغير قادرة على إجراء هذه الإصلاحات. هذا يعني أنه في المنافسة بين الدولة وحزب الله وإيران حول إعادة الإعمار، فإن الدولة يمكن أن تخسر.
هذه ليست فقط مسألة اقتصادية أو سياسية في لبنان. فالمال السياسي الذي سيكسبه حزب الله من المنافسة على مشروع إعادة الإعمار سيضمن ليس فقط استمرار سيطرته على السياسة في لبنان، بل أيضا على استقرار مرساة ايران في لبنان وسورية. "التطبيق الجدي للقرار 1701 يمكن أن يحدث تغييرا كبيرا في دور حزب الله وايران الإقليمي"، كتب الأسبوع الحالي غسان شربيل، محرر صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية. "المغزى من خروج لبنان من "وحدة الساحات"، التي يطمح العراق إلى الانسحاب منها أيضا، لا يعتبر تغييرا بسيطا، بل هو تغيير لا مناص منه كي يتمكن اللبنانييون من الدخول مجددا تحت سقف الدولة والقانون".
شربيل يعبر عن الأمل في أن التغيير السياسي في لبنان الذي يجد الآن الفرصة للتحقق، على الأقل سيقلص مستوى سيطرة طهران في بيروت.
السعودية هي عضوة في مجموعة الخمس دول، الى جانب قطر، مصر الولايات المتحدة وفرنسا، التي ستلتقي في الأسبوع الحالي لمناقشة طريقة للدفع قدما بالتغيير السياسي في لبنان. السعودية ايضا هي الدولة التي يمكنها المشاركة بشكل جوهري في إعادة إعمار لبنان، وبالتالي زيادة احتمالية إبعاد إيران عن الساحة.
من أجل نجاح هذه الخطوات السياسية توجد أهمية كبيرة في ضمان تنفيذ الاتفاق لفترة طويلة. افتراضيا هذه الخطوات يمكن أن تحدث تغييرا استراتيجيا إقليميا واسعا وأكثر أهمية من الحفاظ على الهدوء على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان. ومن دونها اتفاق وقف إطلاق النار يمكن أن يستمر في أن يكون مصدرا للتوتر والاستعداد في انتظار خرقه.