إعلام اليوم: ركيزة أمن ووعي*د. محمد كامل القرعان
الراي
لم يعد الإعلام خانة جانبية في إدارة الدولة، ولا وظيفة تكميلية يمكن الاستغناء عنها أو تأجيل تطويرها. لقد تحوّل إلى ركيزة أمن ووعي، وإلى خط الدفاع الأول عن الهوية الوطنية وسط فوضى مفتوحة لا تعرف حدودًا، تُنتج روايات مضللة وتعيد تشكيل المزاج العام خلال دقائق معدودة.
فالمعلومة في هذا العصر لم تعد مجرد خبر يمرّ على قارئ أو مشاهد؛ بل أصبحت حدثًا قادرًا على التأثير الفوري، حيث تتحول المعلومة غير الدقيقة إلى موقف، ثم إلى قناعة، ثم إلى سلوك قد يربك المشهد الداخلي ويؤثر في استقرار المجتمع وتماسكه. وهذا ما نراه يوميًا من سرعة انتشار المحتوى المضلل، ومن قدرة المنصات الرقمية على تضخيم الروايات قبل التحقق من صحتها، ما يجعل الفضاء الإعلامي ميدانًا حقيقيًا تُبنى فيه الانطباعات وتُصاغ السياسات الشعبية.
إن هذا النقاش ليس ترفًا فكريًا ولا جهدًا نظريًا معزولًا، بل ضرورة وطنية يجب أن تتحول إلى برنامج عمل شامل يعيد تأهيل المنظومة الإعلامية لتكون على قدر اللحظة. نحن أمام عصر جديد يتطلب أدوات جديدة: بنية إعلامية متمكنة، كوادر مدرّبة، منصات قادرة على إنتاج خطاب وطني رصين، واستراتيجيات تستبق الرواية ولا تكتفي بالرد عليها. فالإعلام القوي لا يُقاس بعدد البيانات أو حجم المحتوى، بل بقدرته على صناعة الوعي وتوجيه النقاش العام وبناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
إن حماية الهوية الوطنية لم تعد مسؤولية ثقافية فقط، بل مسؤولية إعلامية بامتياز. فالدولة التي تملك المؤسسات التي تنتج خطابًا موحدًا وواثقًا، هي الدولة التي تستطيع مواجهة الفوضى المعلوماتية وتحويل التحديات إلى فرص.
وعليه، فإن تطوير الإعلام لم يعد خيارًا، بل جزءًا من أمننا الوطني، واستثمارًا في وعي المجتمع، وخطوة حاسمة نحو بناء مستقبل قائم على الثقة والمعرفة والوضوح. الإعلام اليوم ليس مرآة للواقع فحسب، بل صانع له… ومن يملك الرواية يملك القدرة على حماية الوطن.