عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Apr-2020

الحجْر الإعلامي - مأمون فندي

 

الشرق الاوسط - حسناً فعل الكثير من الدول العربية بتنفيذ الحجْر المنزلي بجدية وصرامة لمنع انتشار الوباء والحفاظ على دولنا من الانهيار، بقي الآن تطبيق الحجْر الإعلامي.
فماذا أعني بالحجر الإعلامي؟
كثير منا شاهد بعض البرامج التلفزيونية التي تستضيف أشباه العلماء للحديث عن الوقاية من فيروس «كورونا» القاتل «كوفيد – 19». وكثير منا شاهد مقاطع تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تروّج لوصفات دواء يشفي من الفيروس. وهنا يحضرني مقطعان، أحدهما لضيف في برنامج الإعلامي المصري محمود سعد، يصف غذاءً مصرياً منقرضاً يُدعى «الشَلَوْلَوْ» وهو عبارة عن ملوخية يابسة مخلوطة بماء بارد وليمون وثوم وملح. قال إن وصفته هذه تمثل المضاد الحيوي الطبيعي لفيروس «كورونا».
رجل آخر أيضاً على قناة مصرية قال إن «الأميركان تحدثوا معي»، وقلت لهم: «عليكم بالفول المصري» الذي يحتوى على كل مضادات «كورونا»، وفيه أيضاً فوق كل هذا هرمون السعادة. ووصف تفاصيل طبخة الفول بالزيت والليمون بشكل شديد التفصيل وهذا ما جعله أكثر إقناعاً من المثال السابق، وذلك لعنايته بالتفاصيل.
في الوقت الذي يضرب فيه العالم المتقدم أخماساً بأسداس لتجريب علاج للفيروس الفتاك، نجد في إعلامنا مَن يروّج للخزعبلات بدلاً من التركيز على الوقاية والالتزام بالحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي كحلول أولية. كل دول العالم تأخذ الأمر بجدية تامة إلا عندنا، فالإعلام يأخذ الأمر باستخفاف، ويعمل في الاتجاه المضاد للسياسات الرسمية للدول.
الأمر شديد الخطورة خصوصاً في دول منظومتها الصحية لا تحتمل أعداداً كبيرة من الإصابات، فكل سياسات الدول المتقدمة في فرنسا وبريطانيا وأميركا تركز على الحجر المنزلي ليس لأنه فقط يقلل من انتشار الفيروس ولكن الهدف الأساسي من هذه السياسة هو مساعدة المنظومة الصحية في تقليل عدد الذين سيحتاجون إلى مشافٍ وعناية طبية في الوقت نفسه. فلو تزايدت أعداد المصابين عن قدرة النظام الصحي فنحن أمام كارثة إنسانية بامتياز.
ومن أجل توصيل هذه الرسالة بوضوح للعامة، نجد هناك تنسيقاً كاملاً بين الأجهزة من مؤتمرات صحافية للزعماء إلى مؤتمرات صحافية للمتخصصين كلها تصب في نقل معلومات سليمة وموثقة فيما يخص عدد الحالات المصابة وعدد الوفيات. ويساهم الإعلام بكثير من الدقة في نقل هذه المعلومات للمواطنين.
بالطبع تحدث المختصون وتبعهم الإعلام في تأكيد فرص نجاح الأدوية التجريبية المختلفة، وطُلب متطوعون لتجريب هذه الأدوية في حدود علاقة قانونية واضحة بين المريض والطبيب المعالج ومراكز أبحاث الدواء، من دون اللجوء للخزعبلات كـ«الشلولو» أو الفول المصري.
أعتقد أنها ضرورة ملحّة لبلداننا أن تضيف الحجر الإعلامي إلى الحجر المنزلي، وبالحجر الإعلامي أقصد منع إعلام الخزعبلات. وليس عيباً أن يتخلى بعض أصحاب «التوك شو» ولمدة ثلاثة أشهر عن الكرسي الوثير وتركه لأطباء أو متخصصين في الأوبئة لإدارة الحوار بشكل علمي. وهذا موجود في إعلام كثير من الدول، فمعظم الصحف العالمية لديها المحرر العلمي للصحيفة science editor، أو على الأقل يكون لدى صاحب «التوك شو» ضيف دائم متخصص في علم الأوبئة أو طبيب. وبهذا يمكن إعلام العامة بما يجب أن يعرفوه.
الإعلام الرسمي أو الخاص غير السوشيال ميديا. المفروض أنهما حارس البوابة «gate keeper»، يفرزان الحقيقة من الوهم. ويجب ألا ينقلا ما هو متداول في السوشيال ميديا لأن كثيراً منه زَبَدٌ يذهب جُفاءً، أما ما ينفع الناس فيجب أن يُعرض في الصحيفة أو التلفاز.
الحديث عن الشلولو أو الفول يكون ضمن حلقات الطهي وليس في حوارات جدية عن علاج الفيروسات القاتلة والمضادات الحيوية. أصحاب هؤلاء الآراء من الأفضل استضافتهم ضمن فقرات ترويحية أو فكاهية لقتل الملل.
الخطر حقيقي، مسألة حياة أو موت حرفياً، فيجب ألا يتم التعامل معه بخفة.
الإعلام هو أمانة توصيل المعلومة الصحيحة قدر المستطاع إلى المواطنين، ومن هنا تأتي المسؤولية الأخلاقية للإعلاميين.
أعرف أن أزمة التلفزيون هو ملء الهواء بأي شيء، وقد يكون هذا مقبولاً في زمن غير زمن الأوبئة القاتلة، لكن الآن وفي ظل وباء منفلت يجب وقفه، لا بد من حجر إعلامي يضاهي الحجر المنزلي وفي الاتجاه نفسه. كونوا بأمان في هذه الظروف الصعبة.