عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Feb-2019

ضرب الطفل علی وجهه.. شعور بـ“الإهانة“ سیرافقه العمر برمته!
مجد جابر
 
عمان-الغد-  ما یزال الكثیر من الآباء یجدون بالضرب وسیلة لتقویم سلوك الأبناء وحثھم على الانضباط والتعلم عند ارتكاب الأخطاء، غیر آبھین لخطورة ھذا الأمر على الطفل، وشعوره مع الوقت بـ“الانكسار والإھانة“.
ضعف الشخصیة والقدرة على التعاطي مع الآخرین، وتدني احترام الذات، ذلك وأكثر یسببھ الضرب بشكل عام، ویأتي الضرب على الوجھ، لیكون الأسوأ وأحد أشكال الإھانة وانتھاك الكرامة التي قد یتلقاھا الطفل، فالوجھ لھ خصوصیة وھویة تحدد كل شخص عن غیره.
اختصاصیون اعتبروا أن الضرب بكل أشكالھ ھو أمر مرفوض وخاطئ، ولا یمكن اعتباره أسلوبا بالتربیة على الإطلاق، والضرب على الوجھ ھو الأكثر خطورة لأنھ یترك اثارا نفسیة كبیرة على الشخصیة، یصعب معالجتھا مع الوقت أو حتى نسیانھا، الى جانب العواقب الجسدیة على الطفل والتي تصل الى عاھات مستدیمة.
وأظھرت دراسة میدانیة حول العنف ضد الأطفال في الأردن أجرتھا منظمة الیونیسف العام 2007 شملت 5489 طفلا ممثلة لمناطق المملكة كافة، وھي آخر دراسة مسحیة حتى الان؛ أن 52 % من أطفال الأردن أفصحوا عن تعرضھم للعقاب الجسدي في المنزل وأن 34 % من الأطفال وصفوا ھذا العقاب بأنھ شدید.
وبینت الدراسة أن العقاب تجاوز 6 مرات شھریا لدى 44 % من الأطفال الذین تعرضوا للعقاب الجسدي، وكان یتصف بالاستمراریة؛ أي أكثر من 15 مرة شھریا، لدى 25 % من ھؤلاء الأطفال.
وتراوحت أشكال العقاب الجسدي الذي تعرض لھ الأطفال في الأردن من أشكال وصفت أنھا طفیفة كالصفع والقرص وشد الشعر والدفع ولي الساعد أو الساق، ولي الآذان أو الإجبار على البقاء في أوضاع قسریة، وبعضھم وصفھا أنھا شدیدة كاستعمال العصا والحبال والأسلاك والعض والحرق بأدوات ساخنة والسمط بالماء الحار وفي بعض الأحیان كان تتصف بالتعذیب من مثل الجلد المتكرر بالسوط والركوع أو استخدام مواد وبھارات حارة.
وبینت الدراسة أیضا أن من وجھة نظر الأطفال كانت أسباب تعرضھم للعقاب الجسدي أمورا تتعلق بأدائھم المدرسي في 56 % من الحالات وإلى التصرفات المزعجة وغیر المقبولة في 53 % من الحالات وإلى ارتكاب الأخطاء وانعدام الانضباط والسلوك السیئ في 52 % من الحالات.
وفي ذلك، یذھب الخبیر في حقوق الطفل والوقایة من العنف ومستشار الطب الشرعي الدكتور ھاني جھشان، إلى أن كل أشكال الضرب التأدیبي للأطفال لھا عواقب سلبیة جسدیة ونفسیة ولم
یثبت علمیا بالأبحاث المسندة أي فائدة لھا بتعدیل سلوك الأطفال أو تربیتھم.
وبالتالي، فإن عرض عواقب الصفع على الوجھ لا یعني بأي حال من الأحوال أن الضرب على المناطق الأخرى من الجسم مقبول أو ذو فائدة، إلا أن أخطره على الوجھ.
ویشیر جھشان لـ“الغد“ إلى أن ھناك أشكالا للضرر الجسدي الناتج عن الصفع والضرب على الوجھ، بسبب حركة الطفل أو الحالة العصبیة للمسيء، ولیس بالضرورة أن یكون الصفع محصورا في منطقة الخد، فھناك إصابات في المنطقة التي تعرضت للارتطام بید المسيء والتي قد تشتمل على نزف وكسور عظم الأنف أو ثقب في طبلة أذن الطفل.
كذلك، قد یصل الأمر لفقد جزئي أو كلي بالسمع وحدوث عاھة دائمة، أو تمزق في اللثة وكسور
بالأسنان، أو إصابات محجر العین أو كرة العین ذاتھا، وقد یكون مكان ارتطام الید فروة رأس الطفل ویكون ھناك ضرر مباشر للدماغ وخاصة بالمنطقة الصدغیة الجانبیة لرأس الطفل حیث یمر أربعة أعصاب قحفیة.
إلى ذلك، سقوط الطفل وارتطام رأسھ بالأرض أو بالحائط حین تعرضھ للصفع، أو أثناء ھربھ من تكرار الصفع فیرتطم جسمھ وخاصة رأسھ بأثاث المنزل، وما قد یرافق ذلك من عواقب إصابات الرأس.
وقد ثبت بأحد الأبحاث المسندة أن الصفع على وجھ الأطفال بعمر أقل من خمس سنوات یعد من أشكال ”متلازمة الطفل المرتج“ وما یرافقھا من إصابات في الدماغ وأغشیتھ وعواقب عصبیة مباشرة أو غیر مباشرة وأھمھا ظھور الإعاقات العصبیة بعد أشھر أو سنوات على شكل إعاقات سمعیة وبصریة وصعوبات بالتعلم.
وبدراسة مسندة أخرى، وفق جھشان، تبین أن الضرر الناتج عن إصابات الرأس مھما كانت بسیطة ھو شيء تراكمي مع التكرار، وأن الضرر على إصابات الوجھ والرأس لیس مرتبطا بقوة الارتطام، فقد ینتج عن قوة بسیطة كالصفع، وأن أي ضرر في منطقة الرأس والوجھ ھو خطر لھ عواقب سیئة.
الى جانب أن تكرار الصفع یؤدي الى عواقب عصبیة مزمنة ترافق الطفل طوال حیاتھ؛ حیث یؤدي الصفع المتكرر الى نخر للخلایا العصبیة للدماغ، وھذا لا تظھر عواقبھ إلا بعد سنوات عدة.
ویضیف جھشان ”أن العواقب المباشرة عند التعرض للإیذاء الجسدي تشمل عزلة الطفل والخوف وفقدان القدرة على الثقة بالآخرین، وھذا یؤدي إلى عواقب نفسیة مدى الحیاة والتي تشمل الاكتئاب وتدني احترام الذات والفشل في العلاقات الأسریة والمھنیة ومع الأصدقاء“.
والضرب التأدیبي المتكرر مرتبط لاحقا بالمعاناة من اضطرابات الشخصیة والقلق، والاضطرابات العاطفیة، وكبح التطور العاطفي الطبیعي، وانخفاض التحصیل الدراسي.
وصادق الأردن على اتفاقیة حقوق الطفل، وھو ملزم أخلاقیا بتطبیق توصیات دراسة الأمین العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال، إلا أنھ وللأسف ھناك إخفاق في تنفیذ التوصیة المتعلقة بحظر العقوبات الجسدیة ضد الأطفال، فالقانون الأردني ما یزال یبیح الضرب التأدیبي للأطفال بنص المادة 62 من قانون العقوبات وتنفیذ التوصیة یستدعي لیس فقط إلغاء السماح بالضرب التأدیبي الوارد بالمادة 62 عقوبات، بل أیضا بإیجاد المواد القانونیة التي تجرم الضرب التأدیبي للأطفال بوضوح النص.
إن التعدیل الذي أجري مؤخرا بموجب قانون العقوبات المؤقت رقم 2010/12 على المادة 62 عقوبات جاء غامضاً مبھماً وزاد من الجدل العقیم حول كیفیة التعامل مع الضرب التأدیبي؛ فقد ورد بالنص الجدید من القانون ”لا یعد الفعل الذي یجیزه القانون جریمة ویجیز القانون أنواع التأدیب التي یوقعھا الوالدان بأولادھما على نحو لا یسبب إیذاء أو ضرراً لھم ووفق ما یبیحھ العرف العام“.
ویفھم منھ ضمنیا السماح بالضرب التأدیبي وبالتالي تقبلھ كثقافة سائدة في المجتمع، وكان من
ّ الأولویة بمكان إلغاء ھذا النص كاملا كخطوة أولى تمھیدا لإیجاد نص جدید یجرم العقاب الجسدي داخل الأسرة؛ حیث لا یتوقع من أي ”قانون عقوبات“ أن یرشد إلى وسائل تربیة الأطفال لأن ھدفھ حمایة الفرد والأسرة والمجتمع بالردع عن أفعال جرمیة محددة ولیس السماح بھا.
وبحسب آخر دراسات تابعة لدائرة الإحصاءات العامة، یتعرض الأطفال للعنف بشكل كبیر في بیوتھم، 7 أطفال من بین كل 10 في الفئة العمریة ما بین 2 و14 سنة یتعرضون لأحد أنواع العقاب البدني في المنزل من والدیھم أو أحد أفراد أسرتھم، كما یتعرض 9 من أصل 10 أطفال في الأردن للتوبیخ اللفظي في المنزل مثل الشتم والصراخ.
ویذھب الاستشاري الأسري أحمد عبدالله، الى أن الضرب بكل أشكالھ سواء على الوجھ أو غیر الوجھ لا یردع الأطفال، بل بالعكس. ویأتي الضرب على الوجھ لیعكس انتھاك كرامة الطفل، لأن الوجھ ھو مصدر الانفعالات وھو مكان استقبال وإرسال المشاعر.
ویضیف عبدالله ”أن ضرب ھذا المكان ھو بالحقیقة ضرب لكل معنى جمیل في الحیاة“، ولیس مستغربا أبداً أن یكون المضروب على وجھھ الیوم، ھو شخص مكتئب غدا، أو ضحیة للتحرش.
ویعتبر عبدالله أن الأسالیب التربویة تعلِّم الطفل كیف یتصرف بشكل جید، والضرب لا یعلم الطفل بماذا أخطأ أو التصرف بشكل صحیح، لافتاً الى أن من یلجأ الى سلوك الضرب ھو ”مفلس تربویا“.
وفي ذلك، تذھب الاختصاصیة النفسیة سیلینا أبو الراغب، الى أن ھنالك الكثیر من الأسالیب والحلول التي یمكن استخدامھا في التربیة بعیدا كل البعد عن الضرب، لافتة إلى أن الضرب على الوجھ یترك آثارا نفسیة تلازم الطفل طوال حیاتھ ولا یمكنھ نسیانھا، ویتخزن كل شيء بذاكرة الصغار.
وتضیف أبو الراغب ”أن ھذه الأسالیب تولد لدى الطفل مشاعر الكره للأھل، ورفضا للمجتمع وللبیئة، وقد یصبح شخص أنطوائیا ومنعزلا اجتماعیا“.
وتؤكد أبو الراغب أھمیة توعیة الأھل وارشادھم نحو أسالیب التربیة الصحیحة، وعدم اللجوء أبدا إلى الضرب كوسیلة للتربیة، لأن ذلك یزرع بنفوس الأطفال مشاعر سلبیة تؤذیھم مستقبلا، وھو ما لا یدرك الآباء خطورتھ.