عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jan-2021

بايدن ليس المخلّص وأمريكا للأسوأ*علي ابو حبلة

 الدستور

لم تتجاوز أمريكا و النخب الليبرالية فيها ، والمُتيّمون الكثر بنموذجها الديمقراطي عبر العالم، صدمة اقتحام الكونغرس من قِبَل أنصار دونالد ترامب في الـ السادس  من الشهر الحالي.  حيث  يحاول هؤلاء إقناع أنفسهم أولاً، وبقية شعوب  العالم ثانياً، بأن الديمقراطية «العريقة» ستتغلّب على مصاعبها وستنجح في رأب تصدّعاتها الداخلية، لتعود وتحتلّ موقعها الريادي في قيادة البشرية نحو غدٍ أفضل.
 
تتوالى الدعوات إلى اتّحاد جميع الديمقراطيين في مواجهة «الشعوبية» الترامبيه . هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، على موقع «شبيغل»  يصرح بأن «على كلّ الديموقراطيين في العالم التكاتف. فالمعركة ضدّ أوهام ضَيّقي الأفق وضدّ اللاتسامح وضدّ تقسيم مجتمعاتنا، هي معركتنا المشتركة... أمثال ترامب، الذين أمضوا سنوات يُحرّضون أنصارهم، يتحمّلون مسؤولية هذا الهجوم على قلب الديمقراطية الأميركية. نرى في أنحاء العالم ما يقع عندما يصل الشعبويون إلى السلطة وينشرون  الحقد بمنهجية على المؤسسات الديمقراطية».
 
 ان ظاهرة تفشي «الشعبوييه»، أو ظاهرة  الفاشيين الجدد في امريكا وغيرها من دول العالم ، ،  باتوا يمثلون تهديداً فعلياً للنظام الديموقراطي في المراكز الإمبريالية. لكن اللافت هو إصرار مَن هبّوا للذَّود عن جاذبية الديموقراطية، على رغم مشكلاتها، على تجاهل سرّ «جاذبية» ترامب وأمثاله بالنسبة إلى قطاعات عريضة جدّاً من الناخبين في داخل الديموقراطيات «النموذجية».
 
 النقاش الفعلي يجب أن يتمحور حول الأسباب البنيوية التي أدّت إلى نموّ الظواهر الفاشية والنيوفاشية في قلب هذه الديموقراطيات، إلى درجة إيصال بعض ممثّليها إلى السلطة في العديد منها. هزيمة ترامب الانتخابية لن تعني اندثاراً لهذه الظاهرة التي حملته إلى الرئاسة، والتي باتت معطى بنيوياً في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، سيؤجّج التناقضات السياسية والاجتماعية في داخلها، ارتباطاً بانحسار نفوذها الإمبراطوري على الصعيد الدولي. الديموقراطية في أزمة، وهي أزمة وثيقة الصلة بأزمة الهيمنة الإمبراطورية الأميركية والغربية.
 
المتباكون على «فاجعة الكابيتول» يمتلكون من المرجعيات الفكرية والأدوات النظرية ما يكفي على الأقلّ لإجراء مقارنات تاريخية بين الخلفيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدّت إلى صعود الفاشية والنازية في أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي، وتلك التي تُسبّب نموّاً مطّرداً للنيوفاشية في بلدانهم اليوم،. وُصف أنصار ترامب المتحمّسون بأنهم أعداء للديموقراطية وقيمها الثقافية، وهم بلا ريب كذلك. غير أن هذه الثقافة والقيم، اللتين تتكفّل أجهزة الدعاية الأيديولوجية للدولة الأميركية، من مدارس ووسائل إعلام وصناعة سينمائية، ببثّهما والترويج لهما بين مواطنيها منذ نعومة أظافرهم، لم ترسخا في أذهانهم، بل وانقلبوا عليهما. حَذّر صامويل هانتغتون في آخر كتبه، «من نحن؟»، الصادر سنة 2004، من وقوع صدام ثقافات وحضارات في قلب الولايات المتحدة نتيجة للعولمة، يُشكّل امتداداً بمعنى ما لصراع الحضارات الجاري بنظره منذ بداية التسعينيات على النطاق الدولي، والمقرون بتغييرات ديمغرافية في أميركا تزيد من وزن الكتلة الاجتماعية التي تعود أصولها إلى أميركا اللاتينية، على حساب تلك الأنغلوساكسونية. ستُعزّز هذه التحولات حتماً، من وجهة نظره، التيّارات المنادية بضرورة الدفاع عن الهوية «الأصلية»، الأنغلوساكسونية طبعاً، المُهدَّدة. وبعد أكثر من عقدين على نشر كتابه عن «نهاية التاريخ»، الذي ينضح بالآمال الوردية حول مستقبل الإنسانية في ظلّ «ديموقراطية السوق»، أقرّ فرانسيس فوكوياما في كتابه الصادر في 2014، «الهوية»، بالخطأ الذي ارتكبه عندما أغفل الأبعاد المرتبطة بالمطالبة بالاعتراف بالهوية ، و/أو الدفاع عنها، كأحد أبرز المُحرّكات للفعل السياسي في العالم المعاصر. 74 مليون أميركي انساقوا خلف مقاول «شعبوي» رفع شعار «أميركا أولاً»، وأعلن عزمه على تطويع مسار العولمة أو الانسحاب منه، لأنه لم يعد يخدم مصالح الأميركيين «الحقيقيين». وفي الحقيقة، فإن فشل العولمة في تأبيد الهيمنة الأميركية على العالم، على الرغم من أنها مشروع أميركي في الأصل، وصعود المنافسين الطموحين، هما السبب الرئيس في استمرار التناقضات السياسية والاجتماعية في الديموقراطية الإمبراطورية. وإذا لم ينجح جو بايدن في التصدّي بنجاعة للمنافسين في الخارج، فلن يفلح في رأب شرخ مرشّح للتعاظم في الداخل.