عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Mar-2019

المناورة الکبرى - یوسي ملمان
معاریف
في الجیش الإسرائیلي یستعدون للحرب في غزة. إذا لم تنشب في نھایة الأسبوع مع المسیرات
على الجدار، فإن ھذا سیحصل أغلب الظن بعد الانتخابات ویوم الاستقلال، مع حلول الصیف.
كل الخطط جاھزة عملیا. ھذه ستكون حربا شاملة مع توغل بري لقوات كبیرة ومناورة بریة للمدرعات، حاملات الجنود المدرعة وسلاح المشاة. عملیات سریة لوحدات خاصة واحباطات مركزة، إلى جانب ھجمات مكثفة من الجو وقصف من البحر.
أما غایة الدخول البري فسیكون احتلال القطاع. الوصول من الحدود وحتى البحر المتوسط، مسیرة نحو عشرة كیلو مترات لا یفترض أن تستغرق أكثر من أربع ساعات. واطلاق القوات البریة نحو المعركة المستقبلیة لن یكون فقط لاغراض عسكریة عملیاتیة اضطراریة. في ھذا سیحاول الجیش الإسرائیلي، بقیادة رئیس الاركان الجدید أفیف كوخافي، ان یصد أیضا الانتقاد من قبیل ذاك الذي وجھھ مراقب جھاز الأمن اللواء اسحق بریك في أن الجیش البري لیس جاھزا للحرب ویخاف من المعركة.
عندما سیحتل القطاع، سیبدأ القتال من حي إلى حي ومن بیت إلى بیت. اما ھدف الحرب فسیتعین على القیادة السیاسیة أن تقرره، وأولا وقبل كل شيء – ھل ھو اسقاط حكم حماس.
حتى لو نجح ھذا، وثمة حول ذلك شك لا بأس بھ، فإن افكار حماس لن تھزم. من سیحل محل حكمھا؟ السلطة الفلسطینیة؟ مشكوك جدا أن تحمل على حراب الجیش كي تعود وتحكم القطاع.
نظام عربي – دولي؟ احتمال طفیف. مصر غیر معنیة بأخذ المسؤولیة عن القطاع. رئیس الوزراء بنیامین نتنیاھو روى في محادثات مغلقة بانھ في لقاءاتھ مع زعماء في العالم العربي طرح علیھم فكرة ان یأخذوا تحت رعایتھم ادارة القطاع. اما ھم فلم یرغبوا في السماع عن ذلك.
في ھذه الظروف ستضطر إسرائیل إلى العودة لتحكم القطاع، وتقیم فیھ حكما عسكریا، وتحرص على اطعام ملیونین من الفلسطینیین وتلبیة احتیاجاتھم: التعلیم، الصحة، الوقود، الغذاء وغیره. وكل ذلك في فترة كفت فیھا ادارة ترامب عن تمویل الوكالة. ناھیك عن الضغط من الیمین لاقامة المستوطنات مرة اخرى في القطاع. واذا احتل الجیش غزة وانسحب منھا بعد زمن ما، فانھ لن یبقي فیھا الا أرضا محروقة وأرضا خصبة لتصبح مثابة الصومال، بلاد تسیطر علیھا عصابات ومنظمات ارھابیة مثل القاعدة وداعش.
كل واحد من ھذه الخیارات اسوأ من سابقھ، ولكن سیناریو الحرب بعد اشھر قلیلة لیس قدرا
محتوما. یمكن منعھ. وھو سیمنع اذا ما عملت الحكومة التي ستقوم بعد الانتخابات على اتصالات مع السلطة الفلسطینیة تحت مظلة مؤتمر اقلیمي برعایة الدول العربیة والقوى العظمى – وفي أزرق أبیض یتحدثون عن ذلك.
اما احتمالات ان تنشب فستزداد اذا ما انتخب نتنیاھو لولایة خامسة وشكل ائتلافا یمینیا مرة اخرى. لیس لانھ یدق طبول الحرب بل العكس. نتنیاھو ھو زعیم حذر لا یسارع إلى القتال. بل بسبب الضغط الجماھیري المتعاظم الذي یتعرض لھ، بسبب العجز الذي یبدیھ ھو وحكومتھ لمعالجة مشكلة غزة.
في 30 اذار قبل سنة، بدأت المظاھرات على الجدار وتواصلت باطلاق الطائرات الورقیة الحارقة والبالونات المتفجرة والقاء العبوات الناسفة ونار القناصة والكمائن ضد قوات الجیش الإسرائیلي وبین الحین والاخر اطلاق الصواریخ نحو اراضي إسرائیل. والیوم (الجمعة) یمكن احیاء سنة بالضبط على ما حصل على حدود غزة. ھذه حرب استنزاف بكل معنى الكلمة. حتى نشوبھا كان للسكان في غلاف غزة ھدوء ثلاث سنوات ونصف. ولكن حكومة نتنیاھو ضیعتھا، حین امتنعت عن محاولة الوصول إلى تسویة.
مخطط التسویة واضح بما یكفي للجمیع. على إسرائیل أن ترفع الحصار، تسمح بدخول ملیارات الشواكل لاعمار القطاع (المال موجود من الدول المانحة ومن المحافل الدولیة)، توسیع مجال الصید والدفع إلى الامام بمشاریع لزیادة قدرة انتاج الكھرباء، تحسین حقیقي لجودة میاه الشرب، اقامة منشآت مجاري وتطھري للمیاه العادمة ومشاریع توفر عملا وتقلص البطالة التي تصل إلى 50 في المائة. ھناك موضوعان یصعبان الأمر جدا على ھذا المخطط.
الأول ھو رفض السلطة الفلسطینیة المشاركة في العملیة طالما لم تستأنف إسرائیل المفاوضات
معھا. والثاني ھو اصرار إسرائیل على أن یكون الشرط المسبق لكل تسویة أو ترتیب ھو إعادة
اشلاء جثماني الجندیین وإعادة المدنیین الاثنین. حماس مستعدة لصفقة تبادل ولكنھا تضع شرطا
مسبقا لھا – تحریر نحو 50 من رجالھا، من محرري صفقة شالیط ممن اعید اعتقالھم عشیة
الجرف الصامد، وكذا تحریر مئات المخربین من السجون في إسرائیل.
إسرائیل ترفض ذلك، وعن حق. فھذا شرك. لا حراك طالما لا توجد صفقة تبادل للأسرى ولا
صفقة لان الثمن المطلوب عال. وبكسر ھذه الدائرة الشیطانیة یتعین على الحكومة أن تتخذ
قرارا شجاعا فتنظر إلى الجمھور مباشرة إلى العیون وتقول ان حیاة سكان غلاف غزة والھدوء
اھم من اشلاء جثماني الجندیین والمدنیین الاثنین اللذین انتقلا إلى غزة بارادتھما.
ولكن حكومة نتنیاھو لا تفعل اي من ھذه الامور. وبدلا من ذلك فانھا تراوح في المكان منوقف مؤقت للنار وھزیل واحد إلى آخر. في الماضي اعتقدت بان الحدیث یدور عن غیاب السیاسة. ولكن مؤخرا في اعقاب معلومة جدیدة قلیلون جدا انتبھوا لھا، تغیر رأیي.
قبل نحو ثلاثة اسابیع تحدث رئیس الوزراء في كتلة اللیكود. وردا على الانتقاد الذي وجھ لھ بموافقتھ على نقل المال القطري إلى غزه فانھ في واقع الأمر یدفع خاوة لمنظمات الإرھاب، قال
نتنیاھو ان من یعارض الدولة الفلسطینیة یجب أن یؤید ضخ الاموال.
رسمیا، لم یتراجع نتنیاھو علنا عن تأییده لفكرة الدولتین، ولكن في فكره وفي افعالھ، واضح كالشمس انھ یعارض ذلك. یمكن للامر ان یشرح خطواتھ منذ الجرف الصامد وبالتأكید في السنة
الاخیرة. فھو یبذل كل جھد مستطاع لاضعاف السلطة (تجمید نصف ملیار شیكل من أموال ضرائب الشعب الفلسطیني التي تحتجزھا إسرائیل كوصي)، وبالتوازي یضخ الاموال لحماس كي یشتري ھدوءا مؤقتا.
لا یمكن أن یكون لنھج نتنیاھو تفسیر آخر: فھو یعبر عن رغبتھ في شق الشعب الفلسطیني إلى
كیانین جغرافیین – الضفة وغزة – وإلى حكمین – السلطة وحماس. وھدفھ الاعلى ھو سد كل شق، حتى وان كان صغیرا للغایة، یتیح استئناف المفاوضات السیاسیة، وتحطیم فكرة الدولة الفلسطینیة.
ھذه سیاسة واضحة، تستمد الھامھا من ایدیولوجیا وفكر متماسك فیھ رؤیة تاریخیة بعد المدى.
فھي مستعدة لان تضحي بسكان الجنوب (واستنادا إلى نار الصواریخ في الاسابیع الاخیرة غوش دان وشمالھا أیضا) على مذبح فكر تاریخي ایدیولوجي للمدى البعید. اذا ما نشبت قریبا حرب في غزة، فإنھا ستكون حرب خیار زائدة اخرى ونتیجة مباشرة لسیاسة، استراتیجیة وفكر ولیس لغیاب السیاسة.