عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Nov-2019

مطحنة “الصناع”.. تفاصيل عتيقة تفوح بعبق الذكريات

 

أحمد الشوابكة
 
مادبا-الغد-  تحمل “مطحنة الصناع” التي تعد من أقدم معالم محافظة مادبا، في شارع الشهيد محمد هويمل الزبن، في حناياها، العديد من حكايات الإرث التراثي التي تروي تاريخ هذه المنطقة بتفاصيلها العتيقة، بوصفها المطحنة الوحيدة التي تقدم خدماتها لأهالي المنطقة، والقرى المحيطة بها.
فما يزال صوت حجر الرحى يعلو من بين حنايا جدران البابور الذي يحرك حجارتها العتيقة، في سيمفونية تراثية يسمع لحنها منذ نحو سبعين عاما.
ورغم اندثار العشرات من أقرانه، إلا أنها ما تزال تعمل، كي تبقي الإرث الإنساني حياً، ولتتحول بعد عشرات السنين من بنائها، إلى موقع أثري تراثي يقصده السياح الأجانب، كما يقصدها الكثير من المزارعين، والقروين.
يقصد المزاعون والقرويون “الصناع” لطحن أو جرش حبوب الذرة والقمح، ليحصلوا على “البرغل” و”الدقيق”، وهما المادتان الرئيسيتان في غذاء سكان القرى المجاورة.
وعند دخول الزائر المطحنة تطالعه رائحة القمح المطحون في هذا المكان عبر آلتين قديمتين فضيتي اللون، ترتفعان إلى 3 أمتار، محاطتين بسلم يتضمن 8 درجات تأخذ زوارها إلى الماضي، بعيدا عن استخدام التكنولوجيا الحديثة.
كما أن النكهة المميزة لخبز دقيق القمح، الذي تنتجه المطحنة، كما يقول بعض الأهالي، تفوق عشرات المرات، طعم رغيف الخبز الاعتيادي، الذي “يفتقد إلى الطعم والفائدة”، مؤكدين أنه لإنتاجه المميز من دقيق الطحين، فإن المطحنة باتت أحد أهم الأماكن السياحية والأثرية التي يقصدها أهالي المنطقة بشكل خاص، ما يشكل نقطة مهمة في الحياة الاجتماعية عبر قرن من الزمن.
كما تروي جدران المطحنة المبنية من الأحجار القديمة، حكايات أجيال تعاقبت على إدارتها، تميزها أروقة وجدران مصنوعة من الأحجار القديمة، من الداخل والخارج، ويزينها باب أزرق كبير يتجاوز ارتفاعه 3 أمتار.
“مطحنة الصناع” التي تم إنشاؤها في العام 1865 وتم استخدامها كـ”خان” قبل أن تتحول إلى مطحنة في العام 1942، يؤكد مديرها أبو عمر أنها ستحافظ على تاريخها، وستبقى صامدة في وجه التقنيات العصرية المتطورة.
ويشير إلى أن المبنى أنشئ في العهد العثماني باستخدام مواد أولية جلبت من مدينة حيفا الفلسطينية، وتم تشغيله في العام 1942 كمطحنة، وهو العام الذي سمي بـ”عام الأرز” بسبب عدم بيع الخبز في تلك الأيام، واعتبار الأرز الأكلة الأساسية لأهالي المنطقة في تلك الأيام.
ويشير أبو عمر إلى أن عمل هذه المطحنة يبدأ منذ السادسة صباحا ويستمر حتى الثانية ظهرا، على مدار الأسبوع، باستثناء يوم الأحد الذي يعد العطلة الرسمية للمطحنة، بالإضافة إلى عملها نصف يوم الجمعة حتى صلاة الظهر.
يقوم أبو عمر، والعامل الوحيد فيها، بوضع القمح الذي يرغب الزبون بطحنه في المكان المخصص، في أعلى الآلة، وينتظر إلى أن يخرج مطحونا من أسفلها حيث يتم تعبئته في أكياس. وتوجد أيضاً ماكينتان لطحن القمح، وهو “الجاروشة” ذات اللون الأزرق التي تعمل بالطريقة ذاتها؛ إذ تنتج قمحاً خشناً يستخدم في مختلف أنواع الطعام، يسمى “الجريشة” أو “العيش”.
وكانت الآلات في المطحنة تعمل على الديزل حتى العام 1982، قبل أن يجري تحويلها للعمل على الكهرباء، منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا.
وتتضمن المطحنة ميزاناً قديماً يسمى “القبان”، وهو ميزان دقيق، يستطيع أن يكيل مئات الكيلوغرامات من القمح. ومن الأشياء اللافتة في هذه المطحنة وجود حوضين كانا يستخدمان في السابق لوضع القمح الذي يحتاج إلى تنقية، حيث يتم غربلته وتنظيفه.
وتقدم المطحنة الطحين الجاهز لمن يرغب في شرائه، ويبلغ سعر الكيلوغرام 75 قرشا، أما من يريد فقط طحن ما لديه من القمح فيدفع أجرة مقدارها 8 قروش على الكيلوغرام الواحد.
ويقول أبو عمر الذي يعمل في هذه المهنة منذ نحو 15 عاماً، إن الناس في السابق كانوا يشترون بوحدة الوزن التي كانت تعرف في الماضي بـ”الصاع”، الذي يبلغ وزنه 6.25 كيلوغرام، أو يشترون بالكيس الكامل “الشوال” الذي يزن 50 كيلوغراما. أما حالياً فإن الناس يشترون بالكيلوغرام الواحد، بسبب سوء الوضع الاقتصادي الذي يعيشه أهالي المنطقة.
ويتقاضى أبو عمر أجرة يومية تتراوح في هذه الأيام ما بين 6 و8 دنانير، وبحسب الإنتاج الذي يرفع راتبه إذا ارتفع، مبينا أن عمل المطحنة في هذه الفترة خفيف، نتيجة عدم وجود موسم للقمح الذي يحل في منتصف فصل الصيف، ويعرف بـ”الحصيدة”.
واعتبر أن عددا من المهتمين بالشأنين السياحي والأثري في مادبا المحافظة، يعتبرون المطحنة خطوة إيجابية نحو الحفاظ على المباني التراثية.
ويؤكد المهتم بالشأن التراثي والاجتماعي في مادبا الباحث حنا القنصل، أهمية المطحنة، لأنها تحمل في أروقتها العديد من الحكايات، التي يمكن تدوينها عبر الأعوام التي خلت، مشيرا إلى أهمية إدخالها ضمن منظومة المسار التراثي.
ويسرق الثمانيني الحاج أبو محمد الشوق واللهفة لرؤية الآلات القديمة داكنة اللون، والتي ترتفع نحو ثلاثة أمتار تحيطها سلالم مكونة من درجات، وهي قلب المطحنة التي تأخذ من يزورها الى الماضي، مشيرا الى أن جدرانها المبنية من الحجارة القديمة، تروي حكايات أجيال تعاقبت على إدارتها، وكان صاحب المطحنة يأخذ بدل طحنة القمح صاعا، والذي يبلغ وزنه 6.25 كغم.
ويسترجع أبو محمد الماضي، عندما كان يأتي إلى المطحنة أيام الصبا على الدواب في فترة الأربعينيات، وقبل استخدام سيارات الأجرة، في موسم الحصاد، والتي كانت تشكل نقطة مهمة للتواصل مع شرائح المجتمع كافة لتبادل الأحاديث العامة والخاصة، فكانت أجمل الذكريات.
ويشهد الفنان طارق الشوابكة على قيمة هذا المعلم، من خلال استخدامه العديد من المسلسلات الدرامية، مؤكدا أن مدينة مادبا من خلال معالمها، أرض خصبة لصناعة الدراما التلفزيونية والأفلام المصورة، ما يستدعي الحفاظ على هذا الموقع وغيره من المواقع التراثية، معرباً عن أمله، أن تبقى الطاحونة تعمل، وأن يحافظ أصحابها عليها، لأنها جزء من تراثنا وتاريخنا العريق.