عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Nov-2025

قسوة تحريك البيادق*جمال الكشكي

 الغد

الباحث الإسرائيلي شالوم ليبنر، المتخصص في الشؤون الأمنية للشرق الأوسط، وزميل معهد سكوكروفت للأمن في أميركا، والقريب من دوائر رؤساء الوزراء الإسرائيليين على مدى ثلاثة عقود. كتب مقالا جارحا في مجلة "ناشونال إنترست الأميركية" عن علاقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووصفها بالتابع والمتبوع، وأن ترامب يتحكم ويسيطر على القرار الإسرائيلي، ويمنع نتنياهو من التصرف، وأن نتنياهو في حالة حجر سياسي، وليس حرا في ضم الضفة الغربية أو استئناف الحرب في غزة.
 
 
يشير ليبنر إلى استقالة رون ديرمر الآن، وزير الشؤون الإستراتيجية الأمنية، وعقل نتنياهو، وإقالة تساحي هنجبي، مستشار الأمن القومي من قبل، ورئيس ديوانه الذي سوف يذهب بعيدا إلى لندن، ليبقى نتنياهو في عزلته النهائية، ولا يستطيع اتخاذ قرار، ويخشى أن تنفذ إدارة ترامب الفصل الثاني من اتفاق وقف إطلاق النار عبر شرعية الأمم المتحدة، وبذلك تعيد الشرعية الدولية إلى ملف القضية الفلسطينية، تلك الشرعية التي ستفضي حتما إلى دولة فلسطينية.
بعض ما تسرب حول هذا الأمر يتسق مع تحليل ليبنر، ويؤكد انفتاح أميركا على مسار يفضي إلى دولة فلسطينية بعد إصلاح السلطة، ويقال إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلعب دورا بارزا في المرونة الأميركية.
وإذا كان ليبنر، المتخصص في الشأن الأمني الشرق الأوسطي والقريب من دوائر النفوذ في واشنطن وتل أبيب، يصف الأمر بتغيير حاد للحرس الملكي في قصر باكينجهام بلندن، فهو تعبير مجازي عن قسوة تحريك البيادق على رقعة الشطرنج.
وأعتقد أن ترامب تغير في الاتجاه المعاكس، بعد أن تنامى الشعور الغاضب بين أفراد قاعدته الانتخابية، بأن هناك خطأ في العلاقة الأميركية الإسرائيلية، وبدأت الأسئلة تثار حول كيف يمكن لدولة أجنبية صغيرة أن تقود الدولة الأقوى والأعظم، وكيف يسمح الرئيس الأميركي القوى بأن يتم التلاعب به من قبل حاكم أجنبي؟ 
لغة أميركية جديدة كان من غير المسموح استخدامها على مدى عقود طويلة، لكن الدوائر اليمينية اللصيقة بترامب وحركة "ماجا" بدأت تفكر بصوت عال، حتى إن تعبير نتنياهو "اتركوا أميركا لي" فقد مفعوله الحاسم، ولم يعد المفتاح السحري.
وبالعودة إلى مقال ليبنر الخطير، فإنه يشير إلى أن اهتمام ترامب الآن ينصرف إلى ملف التطبيع والاتفاقيات الإبراهيمية، ذات الابعاد الاقتصادية، وليس إلى تحقيق حلم إسرائيل الكبرى عبر لعبة توسيع الحرب. 
وهناك خشية إسرائيلية من تحول استراتيجي أميركي في مسألة الحرب في لبنان، واقتحام الجنوب السوري، أو حتى استئناف الحرب.
في هذا السياق تأتي تصريحات أفيجدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، لتشير إلى نقطة حاسمة، بأن أميركا ساعدتهم في استخدام الفيتو، ولولاها لكان الوضع أسوأ، ثم يتحدث عن اهتزاز صورة إسرائيل بعنف في العالم، مما يؤثر على الوضع الاقتصادي، فالسوق الإسرائيلية صغيرة، وإذا واصلوا الوضع الحالي حسب ليبرمان، سوف ينهار اقتصاد الدولة خلال بضع سنوات نتيجة للضغوط المالية والأمنية.
في مشهد بعيد جدا في الصورة، يبدو الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج يعزف لحنا منفردا، فقد هاجم المستوطنين الذين يعتدون على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويصفه بتجاوز الخط الأحمر، ويطالب بقوات إنفاذ القانون بمنع هذا الأمر فورا، وهو خطاب إسرائيلي نادر.
وفي مشهد آخر، يجيء الاعتداء المستمر على مسيحيين في القدس، ومنعهم من الذهاب إلى كنيسة القيامة، تأكيدا على أن المتطرفين اليهود قد فلت عقالهم، ووصلوا إلى نقطة لا يفوتون فيها الفرصة إلا وكشفوا عن تصورهم العنصري تجاه المختلفين معهم، في العرق والدين، وأعتقد أن رسالة الاعتداء المستمر على المسيحيين واضحة وجلية الآن أمام الرأي العام العالمي الذي استفاق أخيرا.
ثمة ما يتغير في قصر باكينجهام بالفعل، فنتنياهو ينتقل إلى مربع العزلة، وبدأ يدلي بأول اعترافاته بالذنب أثناء محاكمته الطويلة، ويحاول ترامب الآن إنقاذه، كشخص وليس كسياسي، بطلب العفو عنه من الرئيس الإسرائيلي، والحبل على الجرار.
فهل سيبدأ الفلسطينيون بالتقاط الخيط الرفيع، وينهضون كفريق واحد، وقيادة واحدة، استعدادا للفرصة العالمية النادرة؟