عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-May-2024

الشرح السريع عبر "الريلز واليوتيوب": ملجأ للطلبة أم "فخ" يضعف التعلم؟

 الغد-تغريد السعايدة

وكأنه في قاعة الدراسة؛ يجلس الطالب قيس العمر في الصف العاشر، مقابل الجهاز اللوحي الخاص به، يستمع لشرح أحد المعلمين، الذي يقدم خبرته في التدريس، أياً كان مدتها، وذلك عبر حسابه الخاص على مواقع التواصل، ليجد أن ذلك يساعده على فهم القواعد التي لم يكن بمقدور معلم الصف لديه أن يقدمها له بطريقة تناسبه.
 
 
وتقول والدة قيس إنه منذ ما يقارب العامين، لم يعد يطلب منها أن تساعده في الشرح، كونه خلال ساعات دراسته في المنزل، يلجأ إلى الدروس عبر "السوشال ميديا"، أو عن طريق اليوتيوب، والتي تتيح له الاستماع إلى القاعدة والشرح أكثر من مرة.
 
وقيس، عادة ما يتفق وأصدقائه على متابعة أحد المعلمين المعروفين في الشرح عبر الحسابات الخاصة بهم، من أجل توحيد الفكرة وتبادل المعلومات بين بعضهم البعض.
في حين تعتقد والدة الطالبة في الصف الرابع "زين" أن وجود مثل هذه الدروس، وبخاصة المجانية منها، قد يساعدها في تدريس ابنتها لبعض المواد التي تتطلب شرحاً للقواعد، كما في العربي، الإنجليزي، والرياضيات، حيث تؤكد أن الكثير من الدروس وطريقة الطرح تختلف إلى حدٍ ما عما كانت تتعلمه هي في سنوات سابقة.
كما تؤكد والدة زين أن الأطفال الآن اختلفت طريقة تلقيهم للمعلومة، ويفضلون بشكل كبير الشرح الذي يمكن تكراره، أو التوقف ما بين الحين والآخر لاستيعاب المعلومة وفهما، وهذا ما تجده مناسبا لها ولابنتها في الدروس عبر المواقع التعليمية، عدا عن أن هناك معلمين يحاولون تبسيط الشرح بطريقة ممتعة ونشرها عبر حساباتهم الشخصية، وقد يكون ذلك فرصة لهم لزيادة المتابعين أو المشاهدات، وهذا أمر تراه "من إيجابيات السوشال ميديا".
ووفق أولياء الأمور فإن الكثير من الطلبة وجدوا ضالتهم في آلاف المقاطع التي تُبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو اليوتيوب، لشرح الدروس، خاصة وأن الغالبية العظمى منهم عاشوا تلك التجربة من خلال التعلم عن بعد إبان فترة الحجر الصحي ومنع التجول خلال انتشار فايروس كورونا وتطبيق نظام التعلم عن بعد لتجنب انتشار العدوى.
هذا الأمر، ساهم في تغيير نمط التعلم لدى الأهل والطلبة في ذات الوقت، حيث اعتاد الأهل على جلوس أبنائهم على الأجهزة المحمولة للاستماع للدروس، وباتوا أكثر قدرة على استيعاب المعلومات من خلال الشرح عن بُعد، وهذا ساهم في زيادة نسبة المعلمين اللذين يقدمون دروساً عبر المواقع والحسابات الخاصة بهم، بالإضافة إلى زيادة مطردة كذلك في عدد الطلاب المتابعين.
كل هذه التغيرات التي حدثت مرتبطة بشكل كبير بتغيير السلوك التعليمي لدى الطلبة من مختلف المراحل الصفية، وهنا يبين الأختصاصي والاستشاري التربوي الدكتور عايش النوايسة أن أدوات وطرق التعلم قد تغيرت في مطلع القرن الحادي والعشرين بتأثير التطور التقني والرقمي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، مما سهل نشر المعرفة وتبادلها بشكل كبير جداً.
وهذا الأمر، وفق النوايسة انعكس على التحصيل الدراسي لدى الطلبة، حيث أصبحت جميع المواد الدراسية متاحة على الشبكة العنكبوتبة وبطرق شتى، سواء من خلال فيديوهات، صور، نصوص، وأصوات، وغيرها من الطرق التعليمية الرقمية، وهذا خلق طرق تعلم تراعي أنماط تعلم الطلبة الحسية والبصرية والسمعية، ويسهل على أولياء الأمور عمليات مساعدة أبنائهم في عمليات التحصيل المعرفي.
المعلم لمادة الفيزياء للمرحلة المتقدمة في إحدى المدارس الخاصة عز الدين الكلوب، يرى من خلال تجربته في التدريس أن هذه الطريقة بالتعلم عن طريق "مقاطع فيديو قصيرة أو يوتيوب" هي طريقة جيدة وتلائم الطلبة في كثير من الأحيان، رغم أن هناك بعض السلبيات.
ويوضح الكلوب أن التعامل الآن مع الطلبة هم من جيل سريع الإيقاع، ويجدون في المقاطع القصيرة "الريلز"، معلومة في دقيقة واحدة، والشرح عن اليوتوب مناسب كون الطالب بإمكانه مشاهدة الدرس بالوقت الذي يناسبه، ولكن مقابل ذلك، نرى أن المقاطع القصيرة لا تشرح المعلومة بشكل كامل ومفصل، وإنما كفكرة، في حين أن معلم الصف يمكن أن يشرح المعلومة من مختلف الجوانب وبدقة وإسهاب، كما أن بعض مدرسي اليوتيوب قد لا يتوفر لديهم الشرح الصحيح كما يجب، وهذا يؤثر على الطلاب.
عدا عن ذلك، فإن الطالب الذي يشاهد مقاطع الريلز القصيرة، ويجد فيها معلومة علمية جديدة، قد يصاب بـ "التشتت الذهني" كون مقاطع الريلز مختلفة وتتعدد محتوياتها وقد يجد الطالب نفسه منساقا خلف العديد من المقاطع الأخرى، وهنا يشعر بضياع الوقت وقد ينسى المعلومة العلمية التي حصل عليها.
وينوه الكلوب إلى أن الأهل يجب عليهم أن يكونوا على قدر كاف من الوعي في تعامل أبنائهم مع التدريس عن طريق المقاطع المصورة، مهما كان مصدرها، إذ قد يكتشف الأهل أن أبناءهم ابتعدوا كثيراً عن المنحى الملائم للدراسة، وعليهم أن يعوا أن ما يشاهدونه ما هي إلا مكملات للدراسة، حتى لا يصاب الطالب بالتشتت مع غياب حصوله على المعلومة الصحيحة الدقيقة.
وكذلك، يؤكد النوايسة أن أغلب الأسر لجأت إلى توفير جهاز لوحي أو لاب توب لتسهيل تعليم أبنائهم، وهذا شجع المدرسين على إنشاء صفحات تعليمية تقدم محتوى تعليميا منسجما مع ما يتم تلقيه أثناء الحصص الدراسية، بل أصبح هناك تنافس كبير في التنوع في طرق تقديم المحتوى، خاصة أثناء بداية جائحة كورونا التي شكلت تحولا كبيرا في التعليم وأظهرت الحاجة الملحة إلى التعليم الإلكتروني بنوعيه المتزامن وغير المتزامن.
لذا، هذا ما دفع الكثير من أولياء الأمور إلى الوسائل الرقمية لمتابعة تعلم أبنائهم، حيث تطور الأمر إلى الاشتراك في المنصات التعليمية الخاصة، والتي تقدم تعلما يعتمد توظيف التقنية من خلال استخدام الفيديوهات في شرح وتوضيح المواد التعليمية الأمر الذي استمر واتسع بعد الانتهاء من تبعات جائحة كورونا والعودة إلى التعلم الوجاهي بشكل كامل.
ويتحدث الكلوب كذلك إلى أن الطلبة من خلال اعتمادهم على التعلم الرقمي قد يفقدون التواصل البصري والسمعي، إذ إن الشرح بشكل مباشر يساهم في تثبيت المعلومة للطالب، خاصة في حال ربطها المعلم بموقف معين، بينما في الرقمي هي معلومة صامتة ومن طرف واحد لا يوجد فيه تفاعل، وهذا يؤكد على أهمية الاعتماد الأكبر على المعلم، وأن يكون هو المرجع الأول للدراسة، ولا مانع من تعزيزها بـ "تعلم رقمي مناسب بطريقة معتدلة".