خدمة العلم.. ليست مسؤولية الجيش وحده*فهد الخيطان
الغد
بعد أكثر من ثلاثين سنة على تجميد العمل بقانون خدمة العلم، ها نحن نعود إليه وإن كان بحلة جديدة، تراعي المتغيرات الاجتماعية، وتنسجم مع متطلبات المرحلة، وما تبدى من مؤشرات مقلقة ظهرت في سلوك وحياة الأجيال الشابة.
طيلة السنوات التي مضت، كانت مؤسسات الدولة والنخب الكلاسيكية، تعاين بقلق، مظاهر التشظي والميوعة لدى الأجيال الشابة، وتراجع منظومة القيم الوطنية، وغلبة الهويات الفرعية على الهوية الوطنية، ناهيك عن غياب الجدية والحس بالمسؤولية، والاتكالية العالية على أرباب الأسر. والانفلات العام في السلوك الشخصي.
لا شك أن التطور الحاصل في حياتنا قد جلب معه سلوكيات سيئة. الحداثة التكنولوجية، والرفاهية الاجتماعية، والانفتاح على عالم كبير بسرعة فاقت قدرة مجتمعاتنا على مواكبتها. وقد ساهمت كل هذه المتغيرات في تعزيز العزلة الفردية على حساب العلاقة المجتمعية، وتقويض قيم الولاء الوطني لصالح النزعة الشخصية.
واللافت أن العقود التي شهدت تجميد العمل بخدمة العلم، والانحدار العام في القيم الوطنية، هى ذاتها عقود التحول الديمقراطي وعودة الحياة البرلمانية والحزبية. لكن، الأهم، أنها هى ذاتها المرحلة التي تراجعت فيها قدرة المؤسسات الأردنية، وتأثرت البلاد برمتها بموجات من التحول الديمغرافي عصفت بتركيبته ولوائح سلوكياته.
ولسنوات قليلة مضت كان النقاش مستمرا في مؤسسات صناعة القرار، حول مقترح العودة لخدمة العلم، بشكل وهوية جديدتين، في مسعى لمعالجة الاختلالات في شخصية الشباب الأردني، وإعادة الاعتبار لمنظومة القيم الوطنية والأخلاقية.
ثمة تغيير في طبيعة الأهداف المرجوة من العودة لخدمة العلم، عما كانت عليه في الماضي، لكن ما لم يتغير هو العودة مرة أخرى للمؤسسة العسكرية" الجيش العربي" ليتولى من جديد مهمة تصويب مسار الجيل الجديد، بوصفة أعرق مدرسة أردنية لا للعسكرية فحسب، بل للتربية أيضا.
لا شك أن ذلك مبعث فخر لكل الأردنيين، لكنه في ذات الوقت يطرح سؤلا موجعا، لماذا لم تتمكن مؤسساتنا التعليمية والشبابية والإدارية من القيام بدورها في بناء جيل جاد ومسؤول من الفتية والشباب، بدل اللجوء من جديد لمؤسسة الجيش لتنقذ هذه الأجيال من الضياع الوطني؟
والسؤال" الاتهام" يمكن أن يوجه أيضا للإعلام وللأحزاب السياسية، والقيادات العشائرية، ولسواها من الحلقات الوسيطة بين الأجيال في مجتمعنا.
ستعود المؤسسة العسكرية لتتولى المهمة كعادتها، بكفاءة واقتدار، وسنرى الفارق في شخصية المكلفين عندما يكملون برامج التدريب الممتدة لثلاثة أشهر في معسكرات خو وشويعر، فنحن من الجيل الذي حظي بتجربة خدمة العلم لسنتين كاملتين، ونعلم ما زرعته فينا أشهر التدريب في خو من قيم شخصية.
لكن ، وحتى تبقى منافع التدريب في خو مزروعة في حياة شبابنا، وسلوكهم، يتعين على المؤسسات الأخرى في المجتمع أن تظهر نفس الحرص على تطبيق هذه القيم. وعلى وزاراتنا المعنية وخاصة التربية والتعليم والتعليم العالي والشباب، أن تراجع أجندة عملها، لتحمل كتفا مع القوات المسلحة في بناء شخصية الأردني المنتمي.
كل خطوة نخطوها على طريق تحقيق العدالة الوطنية والاجتماعية، والمساواة في الفرص، وسيادة القانون على الجميع دون تمييز، وخدمة الناس بتفان وإخلاص، فإننا بذلك نساهم في جعل خدمة العلم برنامجا وطنيا ممتدا على مدار السنين.