عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-May-2020

في رمضان.. ذوو إعاقة يتقاسمون مع عائلاتهم الحب والمسؤولية

 

ربى الرياحي
 
عمان – الغد-  رمضان بطبيعته شهر التقارب والمحبة والإحسان، فيه تسكن النفوس وتتوحد المشاعر. وكونه جاء هذا العام بظروف استثنائية وصعبة سببتها جائحة كورونا وما تبعها من فرض الحجر المنزلي تخفيفا للأضرار التي قد تحدث، فإن الأجواء أيضا اختلفت ولم يؤثر على تمتين علاقة أفراد الأسرة الواحدة، وخاصة تلك الأسر التي تضم بين أفرادها شخصا من ذوي الإعاقة.
الآباء، وبالرغم من ضغوطاتهم النفسية والاقتصادية إلا أنهم استطاعوا أن يكونوا عونا وسندا لهؤلاء الأبناء وعرفوا كيف يحتوونهم بمحبة عمقتها تلك المدة الطويلة التي قضوها معا في البيوت. بالإضافة إلى أن هذه الأسر نجحت في تمكين أبنائها من ذوي الإعاقة من أن يكونوا أشخاصا مسؤولين يعتمدون على أنفسهم وأيضا يتعاونون داخل البيت بمهام تتناسب وقدراتهم..
مريم أكرم فتاة كفيفة أنهت دراستها الجامعية الصيف الماضي. تقول إن رمضان هذا العام يحمل ملامح جديدة لم نعتد عليها من قبل لكنها هي شخصيا تشعر بالسعادة كثيرا، وذلك لأن والدتها بدأت تعتمد عليها في الكثير من المهام المنزلية وخاصة الطبخ. مريم تجد أن الحجر المنزلي قربها جدا من والدتها وسمح لوالدتها بالتعرف على إمكاناتها الكبيرة والتي تنم عن وعي ومسؤولية.
وتبين أنها استغلت أزمة كورونا والحجر المنزلي في تعلم فنون الطبخ حتى باتت والدتها اليوم تعتمد عليها بشكل كبير، وكان لذلك أثر واضح على نفسيتها، وأيضا أصبحت أكثر ثقة بنفسها وبأنها قادرة على المساعدة لكونها تكره الاتكالية، وترغب في أن تعامل معاملة سوية بعيدة عن إعاقتها البصرية التي لا تعتبرها أبدا عائقا في طريق تعلمها للأشياء.
هي، ولأنها شخصية إيجابية ومتفائلة تسعى لأن تكون مميزة في كل شيء، وهذا تماما ما تقوم به أسرتها وتحديدا والدتها التي تقدم لها الدعم دائما وتمنحها الفرص لتكون جزءا مهما وفعالا في البيت.
أما أم أسامة فهي الأخرى تحرص دائما على إشراك ابنتها التي تفتقد القدرة على المشي منذ الولادة في الأمور المنزلية، كما أنها أيضا تستمع لرأيها في أغلب القرارات التي تخص العائلة. تقول إن تربيتها لأبنائها قائمة على الحب والتعاون والمساعدة، وهذا يظهر أثره جليا في شهر رمضان المبارك لما لأجوائه من روحانيات خاصة.
وتضيف ان جلوسها الطويل هذه الفترة مع أبنائها بسبب أزمة كورونا أعطاها فرصة للتواصل معهم وتحديدا ابنتها رانيا التي لم تمنعها إعاقتها من أن تخوض الكثير من التجارب، واكتساب مهارات جديدة، مبينة أنها وبحكم معرفتها الجيدة لابنتها قادرة على تقدير الأمور التي تحب القيام بها وتتواءم مع وضعها الخاص، لهذا السبب توكل إليها مهمة تقطيع الخضراوات وغسل الأطباق مع مراعاة عمرها الصغير الذي لم يتجاوز الخمسة عشر عاما.
تقول إن ابنتها شعلة حماس تعمد دائما إلى تحدي نفسها وهذا بالطبع نتيجة للتقبل الكبير الذي تحظى به وسط عائلتها الصغيرة ومبادلتهم لها الحب والثقة بقدراتها، وبأنها أهل لتحمل المسؤولية حتى وإن كانت صغيرة.
ويرى الأخصائي الاجتماعي والأسري مفيد سرحان أن رمضان شهر خير وبركة، وفيه يتشارك أفراد الأسرة في إعداد وجبة الإفطار وفي الجلوس معا لفترات طويلة، وهناك بعض الأسر من بين أفرادها شخص من ذوي الإعاقة ومنهم من لا تمنعه إعاقته من الصيام وآخرون لا يستطيعون الصيام. وفي كل الأحوال فإن من واجب الأسرة إشراكهم ببعض التحضيرات لإشعارهم بمسؤوليتهم كالآخرين وأنهم جزء من الأسرة.
ويضيف أن هذه المشاركة تشعرهم بالفرح ومحبة الأسرة على أن يكون ذلك بما يتناسب مع قدراتهم، كما أن المشاركة تنمي من قدراتهم الجسمية والذهنية وتزيد من ثقتهم بأنفسهم ومن، لافتا إلى أن إشراك ذوي الإعاقة في الصلاة وكل طقوس رمضان يحسن من نفسيتهم. ولا شك أن ظرف الحجر ترك أثرا سلبيا على الأسر عموما، وأسر ذوي الإعاقة كان تأثرهم أكبر نظرا لتأثرهم بنفسية هؤلاء الأبناء، فهذه الأسر مسؤوليتها أكبر في هذه الظروف حتى تخفف من معاناة أبنائها.
ويلفت إلى أن ما يزيد من معاناة هذه الأسر أحيانا، قلة الإمكانيات المادية للأسرة أو توقف عمل رب الأسرة في هذه الظروف، وهنا مسؤولية الأقارب والمجتمع بتفقد هذه الأسر ومساعدتها للتخفيف من معاناتها. كما أن مسؤولية المؤسسات المتخصصة برعاية ذوي الإعاقة أن تساعد هذه الأسر على تقديم برامج مساعدة للأسرة وبما يتناسب مع طبيعة الإعاقة وأن يتواصل ذوو الاختصاص مع هؤلاء الأشخاص من خلال وسائل التواصل. كذلك أن تقوم الأسر بتسهيل تواصل أبنائها مع أقرانهم لأن في ذلك تسلية لهم وتخفيفا عنهم، خصوصا مع عدم الذهاب إلى المدارس، والمراكز التي كانت تشغل جزءا من وقتهم، ومن المهم انتباه الأسرة وذوي الاختصاص لعدم ترك هذه الفترة آثار سلبية على النفسية مما سيفاقم من معاناة الجميع.
ويذهب الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة إلى أن الشخص من ذوي الإعاقة، يجب منحه الفرصة ليؤدي دوره الاجتماعي والأسري على أكمل وجه وضمن قدراته، وذلك من خلال إعطائه مساحة من الحركة والحرية، واحترام رغبته في أن يكون كغيره يقوم بالكثير من المهام الموكلة إليه.
ويشير إلى أن تجاهل أو إهمال رغبات الأبناء من ذوي الإعاقة، يتسبب لهم بأضرار نفسية كبيرة ترافقهم مدى الحياة، مبينا أن معاملتهم بمساواة وإعطاءهم الحق في التصرف والمشاركة والمساهمة مع أفراد الأسرة أمران يساعدانهم على كسب الثقة والإحساس بذاتهم ووجودهم وأنهم قادرون على تحمل المسؤولية والتفاعل مع محيطهم ومبادلة الحب معهم.