عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Dec-2019

“اعتقال”.. أنظمة ديكتاتورية تغتال الحريات الفردية

 

إسراء الردايدة
 
القاهرة-الغد-  عن الوحشية التي يحملها بعض البشر في نفوسهم والشر الكامن بدواخلهم، والذي يتحول لهجوم غير مبرر لاستخدام العنف وسلاح بيد السلطات الديكاتورية القمعية التي تعذب مواطنيها، في زنزانات مغلقة، مشاهد قدمها المخرج الروماني أندريه كون في فيلمه “اعتقال”، الذي عرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ41 الأخيرة.
فيلم المخرج كون كان قد فاز في “القاهرة السينمائي 41” بجائزة فتحي فرج جائزة لجنة التحكيم الخاصة، المقدمة من لجنة تحكيم أسبوع النقاد الدولي، وشهد المهرجان عرضه الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان قد شارك في عضوية لجنة تحكيم مسابقة أسبوع النقاد الدولي؛ الأيرلندية جيسيكا كيانج الناقدة السينمائية بمجلة فارايتي، والمخرجة المصرية نادين خان، والناقد الأردني ناجح حسن. وتدور أحداثه في آب (أغسطس) 1983، ولأسباب مجهولة، يتم القبض على المهندس “دينو” ولعب دوره الممثل الكسندرو بابادوبول، بينما كان يقضي وقتا ممتعا على أحد الشواطئ الرومانية بصحبة زوجته وولديه، ثم يتم إيداعه في زنزانة واحدة مع “فالي” وقام بدوره الممثل ايليان بوستنيكونن، ليتضح فيما بعد أنه ليس مجرد زميل مسجون.
“اعتقال”، وخلال مدة ساعتين و7 دقائق، يقدم أشكالا من الإساءات اللفظية والجسدية التي يمكن التنبؤ بها.
العنف المفرط
مخرج الفيلم اندريه كون أراد من فيلمه أن يظهر كيف تعايش البعض مع هذا الوضع يوما بعد آخر في تلك الفترة، وهو فيلمه الروائي الأول الطويل، ولكنه الثاني الذي تناول فيه ما دار من أحداث في أحلك الفترات في تاريخ رومانيا فترة الشيوعية في الثمانينيات.
ويربط فيلمه بالمراهقة التي عاشها؛ حيث اعتاد الاستماع لموسيقى الروك، والتي كانت ممنوعة آنذاك، وتقبل فيها الإساءات من النظام الشيوعي، متخذا على عاتقه مسؤولية ما حدث خاصة في السكوت عن كم العنف والأشرار الذين ما يزالون موجودين.
ويعتبر المخرج كون، أن مكانه أو دوره ليس للتفكير في صناعة الفنون كاملة، خاصة فيما يتعلق بوجود تحفظات معينة على الماضي في السينما الرومانية، مبينا أنه يتحمل مسؤولية شخصية في تقبل الإساءة في ذلك الوقت بدون إبداء أي ردة فعل، وهدفه هو طرد القصة من ذهنه.
وفي حين أن قصة الفيلم وهمية، لكنه أراد التطرق لحالات الاضطهاد السياسي، وانتقل تدريجيا لمواضيع ذات صلة، مثل الحياة اليومية في السجون الشيوعية، في ظل غياب معلومات كافية عن تلك الفترة. وأراد أن يظهر بشكل أكثر، كيف كان من الممكن التعايش مع هذا “الجنون” يوما بعد آخر.
وعن مشاهد العنف الكثيرة الصعبة، أراد منه أن يبدو حقيقيا، ولم يكن هو الغاية في البداية، لكنه أراد أن يخرج من عباءة العاطفة التي تجعل من قصته تقليدية، فالعنف هنا بات مبررا من خلال طريق الدم والإساءات الجسدية التي تستخدم غالبا في مثل تلك المواقف ليحقق غايته رافضا أن يكون مؤيدا للعنف المفرط.
فيلم غير تقليدي
يستخدم كون، في غالبية مشاهد فيلمه، لقطات متوسطة الطول الى حد كبير بدون موسيقى، فيما تكشف المشاهد اللاحقة كيف للأحداث أن تجري خاصة مع مشاهد الترويع والتعذيب، من قبل فالي الذي يستخدم طرقا بسيطة تميل للسادية والانحراف. ومن ثم يتبعه بأسلوب الاستجواب التقليدي من خلال أسئلة لا نهاية لها، ويعاود الضرب المتكرر والهجوم حتى تنهار الضحية، وهو المهندس دينو ليعترف بخطاياه.
اعتياد الأنشطة غير القانونية التي يقوم بها دينو كانت جزءا مما أراد أن يظهره كون، وهو أن النظام كان مليئا بالمعتدين، فمثلا من الجانب النفسي هناك من يمارس التعذيب وهو فالي، وقد عانى من طفولة سيئة وأب مارس العنف والإساءة ضده، فيما سلوك المهندس يعبر عن تربية سليمة خاصة في هدوئه ورفضه هذه المعاملة، وكيف تنشأ بين الجلاد وضحيته علاقة غريبة تصل لحد المساومة على أمور بسيطة، كي يتجنب العذاب الجسدي والابتزاز الغريب، للهروب من الضرب الدامي.
هذه العلاقة تظهر كيف للتهوين أن ينعكس لاحقا على الأجيال التالية من خلال علاقة الجلاد وضحيته، والتي عكسها على التطور في المجتمع الروماني الذي قلل من شأن الشيوعية في الأربعينيات لتهيمن عليه، وتصبح مقبولة تماما في السنوات اللاحقة. “اعتقال”، يكشف أبشع الممارسات اللاإنسانية، وما يحدث خلف جدران السجون، من بربرية ووحشية مجردة فقط لفكرة رفض الفكر الآخر.