عذرا ترامب.. لكن هذا ليس اتفاق سلام
الغد
إيهود أولمرت – (الإندبندنت) 2025/10/16
ما من زعيم عالمي آخر كان بإمكانه قيادة تسلسل أحداث كهذه لإنهاء الحرب في غزة. ولكن ما الذي سيحدث عندما تتوقف خطابات الرئيس الأميركي المليئة بالتباهي؟ ليس ما سُمي باتفاق سلام سوى هدنة فرضها ترامب بالقوة بعد أن أذل نتنياهو وأجبره على التراجع، فيما تحوّل مؤتمر شرم الشيخ إلى استعراضٍ شخصي يهدد بأن تظل الوعود بالسلام مجرد عرضٍ سياسي زائل.
إن اتفاقًا يُحتفى به في مهرجان استثنائي ومؤثر داخل الكنيست الإسرائيلي ليس اتفاق سلام. إنه اتفاق لإنهاء حرب غزة وإعادة الرهائن (الأحياء منهم والأموات) والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين وانسحاب إسرائيلي تدريجي من قطاع غزة. كما يتضمن إنشاء قوة أمنية مشتركة من جنود فلسطينيين ومصريين وأردنيين -وربما إماراتيين وسعوديين أيضاً- تتولى فرض السيطرة العسكرية على القطاع، ومنع أي محاولة من حركة "حماس" لإعادة بناء قدراتها العسكرية.
كما ينص الاتفاق كذلك على تشكيل لجنة من التكنوقراط لإدارة الحكم في غزة، بدلاً من "حماس"ن تحت إشراف دولي تشارك فيه تركيا وقطر ومصر ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ورئيس الولايات المتحدة نفسه.
إنه ترتيب مدهش بدا غير متوقع حتى قبل أسابيع قليلة فقط. وقد وافقت الحكومة الإسرائيلية على التخلي عن المواقف المتصلبة التي كان يمثلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ولم تمحَ "حماس" تماماً، لكنها تلقت ضربة قاسية للغاية. كما دُمر قطاع غزة بالكامل تقريباً، حيث لم تعد غالبية مباني هذا الشريط الصغير من الأرض قائمة، ومن المرجح أن كثيراً من الغزيين ما يزالون مدفونين تحت أنقاضها.
فوق ذلك، يقدر عدد القتلى بأكثر من 67 ألفاً، يشكل أولئك الذين لم يكن لهم أي نشاط إرهابي نسبة كبيرة منهم. وكان هؤلاء ضحايا شبه حتميين للحملة العسكرية الإسرائيلية التي بدأت بعد هجوم "حماس" الوحشي على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) في العام 2023.
ومن جانبها، دفنت إسرائيل أكثر من ألفي قتيل من المدنيين والجنود، قتل أكثر من نصفهم في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) وحده، وسقط آخرون كثيرون خلال الحملة العسكرية التي استمرت قرابة عامين. وقد أعيد جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء، فيما سيعاد القتلى حتماً خلال الأيام المقبلة.
هذا هو ملخص الأحداث الأخيرة. ولولا أن دونالد ترامب قرر إرغام نتنياهو على الاعتذار لرئيس وزراء قطر، وأملى عليه نصاً مذلاً، ووضع إلى جانبه مندوباً قطرياً يتولى تدقيق كل كلمة يقولها، لربما كنا ما نزال في أتون الحرب حتى الآن.
لم يكن في مقدور أي زعيم آخر أن يحقق هذا التسلسل من الأحداث سوى ترامب. وقد وأسهمت الجهود التي بذلها إيمانويل ماكرون وكير ستارمر ورئيس وزراء كندا مارك كارني، وكثيرون غيرهم من المجتمع الدولي في تهيئة الظروف لإنهاء الحرب، وهم يستحقون الشكر والتقدير، غير أن زعيماً واحداً فقط أحدث فرقاً دراماتيكياً.
يستحق ترامب التقدير والامتنان من إسرائيل، خصوصاً لأنه أجبر رئيس وزرائها على القيام بما رفض فعله طوال أكثر من عام. وكان بالإمكان التوصل إلى هذا الاتفاق قبل عام، لكنه لم يصبح واقعاً إلا عندما قرر ترامب ذلك.
ومع ذلك، فهو ليس اتفاق سلام. ولا يمت العنوان الذي اقترحه ترامب لمؤتمر شرم الشيخ، "سلام 2025"، بصلة إلى ما حدث حتى الآن.
السؤال الجوهري الآن هو ما إذا كان هذا التوقف المؤقت للحرب والانسحاب الجزئي لإسرائيل من غزة واستمرار النشاط المحدود لـ"حماس"، ستشكل بمجموعها نقطة انطلاق لتحرك سياسي جريء يمكن أن يغير وجه الشرق الأوسط بأسره، ويحقق سلاماً إسرائيلياً - فلسطينياً قائماً على أساس "حل الدولتين".
دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل على حدود العام 1967، تكون القدس الشرقية عاصمتها، وتدار البلدة القديمة من القدس تحت وصاية [أو رعاية] هيئة خماسية تضم السعودية والأردن وفلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة. دولة فلسطينية منزوعة السلاح بلا جيش خاص، تجاور دولة إسرائيل. أو أن الوضع القائم الذي قاد إلى أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) سيستمر -لا قدر الله- في المستقبل.
دعا الرئيس الأميركي، مدفوعاً بزخم من التأييد الدولي، عشرات القادة إلى مصر. وهؤلاء لن يتخلوا عن فرصة التربيت على كتفه وتوجيه كلمات المديح، على النحو الذي أصبح النموذج المألوف خلال المؤتمرات التي يشارك فيها ترامب. لكن هذه الاحتفالات -بطابعها الكرنفالي المفعم بالبهجة، وما يصاحبها من معانقات وشكر وثناء- وخطابات ترامب الغريبة، كما حدث في الكنيست الإسرائيلي، وحاجته الدائمة إلى السخرية من سابقيه أوباما وبايدن- ليست خطة سياسية حتى الآن.
ما يزال عدد غير قليل من الإسرائيليين يحلمون بضم الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل إلى دولة إسرائيل، وترحيل سكانهما إلى دول عربية مجاورة أو إلى بلدان بعيدة ربما توافق على استقبالهم. وفي المقابل، لا يقل عنهم عدد الفلسطينيين الذين يحلمون بإعادة بناء القدرات العسكرية لـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي" وسائر التنظيمات المسلحة، أملاً في استئناف الصراع العسكري في وقت ما في المستقبل القريب.
هؤلاء من الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، ما يزالون أسرى أوهام مدمرة تغذيها الرغبة في الهدم وليس البناء، وهي لن تجلب السلام.
ما يزال كلا الطرفين يعيش تحت وطأة صدمة دامية امتدت لعامين، وذكريات مؤلمة لعقود من الصراع الدموي. ومع ذلك، لا بديل عن تسوية سلمية تقوم على أساس الدولتين، تعترف كل منهما بحقوق الأخرى المتبادلة. وفي غياب أي زخم سياسي يدفع نحو الأمام، وإذا ما استمر الوضع القائم كما هو، فسنعود للقتال من جديد.
وحده ترامب كان قادراً على إحداث هذه النقطة التحويلية. لكن عليه، إذا ما أراد تحويلها إلى واقع دائم، أن يركز على الجوهر، وأن يتجنب التصريحات المتبجحة والمراهقة السياسية المفعمة بحب الذات، وأن يطلق مبادرة يعلم العالم كله أنها ضرورية: دولتان لشعبين.
إذا لم يفعل، فسوف يتم تذكر المشهد الكرنفالي في الكنيست الإسرائيلي اليوم، على الرغم مما اتسم به من مشاعر مؤثرة، كعرض مسرحي ساخر لا أكثر.
*إيهود أولمرت: هو رئيس وزراء إسرائيل الأسبق (2006 – 2009).