عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-May-2025

التعليم النشط.. هل أصبح ضرورة لتحسين جودة المخرجات؟

 الغد-آلاء مظهر

 في ظل عصر يتسم بالابتكار والتفاعل المستمر، يبرز التعليم النشط كأحد أهم الأساليب الحديثة التي تضع الطالب في قلب العملية التعليمية، حيث يتجاوز حدود التلقين التقليدي ليعتمد على المشاركة الفاعلة، والتطبيق العملي، والتواصل والعمل الجماعي. 
 
 
وفيما يرتكز هذا النهج على التفاعل والتجريب والاستنتاج، ما يساعد في تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداع وحل المشكلات عبر أساليب مثل التعلم التعاوني، والمناقشات التفاعلية، والأنشطة التطبيقية، رأى خبراء تربويون أن التوسع في تبني التعلم النشط في العملية التعليمية يمثل خطوة أساسية نحو تطويرها، وتحسين مهارات التفكير العليا لدى الطلبة اعتمادا على مواقف تعليمية وأنشطة مختلفة تنطلق من استعداداتهم وقدراتهم مرتبطة بحياتهم واهتماماتهم واحتياجاتهم.
وبينوا في أحاديث منفصلة لـ"الغد"، أن التعلم النشط يعد من الاتجاهات التربوية الحديثة التي تسهم بشكل فعّال في تطوير العملية التعليمية وتحسين جودتها، حيث يقوم على إشراك الطالب في جميع مراحل التعلم وجعله محورا رئيسا في بناء معرفته بدلا من أن يكون مجرد متلقٍ سلبي للمعلومات.
وأوضحوا أن التعلّم النشط لا يحسن التحصيل الدراسي فقط، بل يسهم في بناء شخصية الطالب، وتعزيز ثقته بنفسه، وتنمية مهاراته الحياتية.
استحقاقات لا غنى عنها
وفي هذا السياق، رأى الخبير التربوي د.محمد أبوغزلة أن التطورات المتسارعة، لاسيما في ميادين التعليم والمعرفة والتكنولوجيا، فرضت استحقاقات لا بد من الاستجابة لها، إذ لم يعد التعلم التقليدي القائم على التلقين كافيا لتلبية احتياجات المتعلمين وتحفيز مهارات التفكير العليا لديهم، أو تمكينهم من المهارات التي يتطلبها المستقبل، الأمر الذي يتطلب إحداث نقلة نوعية في طرق وإستراتيجيات التعلم، وفي أدوار المعلمين والطلبة، بحيث يتحول المعلم من ناقل للمعلومة إلى ميسر لعملية التعلم.
إلى جانب أن يصبح المتعلم هو محور التعلم النشط الذي يتحمل مسؤولية تعلمه في اكتساب المعرفة، والتفاعل معها والموجه لها في أثناء تفاعله مع المحتوى وتطبيق أنشطتها العملية مع الزملاء، وذلك لجعل التعلم أكثر متعة وفعالية، لتحقيق الأهداف التعليمية والتربوية التي يسعى إليها النظام التعليمي.
وأكد أهمية أن يركز المعلم في تدريسه على استخدام الإستراتيجيات والأساليب التدريسية والأنشطة التي تهتم بإدارة التعلم النشط لطلبته، من خلال إشراكهم بشكل مباشر وفعال في عملية التعلم، بدءا من عملية التخطيط للتدريس، وتصميم الأنشطة العملية المتنوعة التي تقوم على المناقشة والحوار، وحل المشكلات، وتنمية مهارات التفكير المختلفة  وتنفيذها بأساليب متعددة، كالعصف الذهني، والألعاب، والعمل التعاوني والجماعي.
وأوضح أبو غزلة أن توظيف المعلم لإستراتيجيات وأساليب التعلم النشط مع طلبته، من شأنه أن يعمل على تحويل البيئة الصفية أو التعليمية إلى بيئة تفاعلية تحفز وتشجع تنمية مهارات التفكير، والابتكار، والمشاركة الفعالة، وتنمية مهارات الاتصال لديهم، وتعزز من دور الطلبة كمحور أساس في العملية التعليمية، كما تحسن تعلمهم نتيجة مشاركتهم الفعالة فيها.  
وأضاف، إن تطبيق التعلم النشط يتيح للمعلم فرصة تقويم فهم الطلبة بشكل مستمر وتكييف أساليبه التدريسية بما يتناسب مع احتياجاتهم، ما يسهم في تعزيز الفهم لديهم وتوظيفه في مواقف التعلم، وفي المواقف الحياتية، فضلا على أنه يحملهم المسؤولية تجاه تعلمهم، ويزيد من دافعيتهم للتعلم، وهذا بدوره يسهم في تحسين الأداء الأكاديمي والاجتماعي والشخصي للطلبة، وبالتالي في بناء جيل يمتلك المهارات والمعارف التي تؤهله للتفاعل الإيجابي مع المجتمع ومتطلبات الحياة. 
وبين أهمية استمرار الوزارة في التوسع بتبني وتطبيق التعلم النشط في مدارسها، من خلال وضع سياسات تعليمية تشجع على الانتقال من التعليم التقليدي إلى التفاعلي القائم على الطالب كمحور أساس للتعلم، وتوفير التدريب والتأهيل المستمرين للمعلمين في إستراتيجيات التعلم النشط، والعمل مع المركز الوطني لتطوير المناهج على تطوير المناهج الدراسية بما يتماشى مع هذا النهج التعليمي.
إلى جانب توفير الموارد والأدوات التعليمية اللازمة لتنفيذ الأنشطة في المدارس بفعالية، مع أهمية تطوير بيئات تعليمية مرنة ومحفزة، إضافة إلى تكثيف المتابعة لعملية التطبيق والتقييم لضمان تطبيقه بالشكل السليم، ما يساعد في ترسيخ ثقافة التعليم النشط وتحقيق أهدافه في بناء جيل قادر على التفكير والإبداع والمشاركة الفاعلة في المجتمع، وفق أبو غزلة.
ضمانات النجاح
ولضمان نجاح هذا النوع من التعليم، بحسب أبو غزلة، لا بد أن يكون هناك تعاون بين الطالب والمعلم، والإدارة المدرسية، وعلى الطالب بصفته محورا للعملية التعليمية في هذا التعلم، أن يكون مشاركا فعالا في البيئة التعليمية، بدءا من مرحلة تخطيط الدروس وتنفيذها، مرورا بتحديد الأهداف التعليمية وإجراءات تحقيقها، كما عليه دور في البحث عن المعلومة من مصادر متعددة، وأن يكون مبادرا ومتفاعلا، ويسأل ويناقش ويعمل مع زملائه على تنفيذ أنشطة تعاونية تعزز من فهمهم ومهاراتهم.
وأضاف: "كما على المعلم السعي لحضور البرامج التدريبية التي تمكنه من امتلاك مهارات التعلم النشط وإستراتيجياته المختلفة، والقيام بتخطيط وتصميم وتنفيذ أنشطة تفاعلية تناسب أهداف المحتوى التعليمي بالتعاون مع الطلبة؛ لتعزيز دافعيتهم، كما يمكن للمعلم القيام بأدوار مختلفة تنعكس على ممارسته التدريسية ليتحول دوره من ناقل للمعلومة إلى ميسر وموجه لها، مع التركيز على الأنشطة التعليمية المحفزة، والمركزة على المتعلم، والتي تلبي احتياجاته ونمطه التعليمي.
بالإضافة إلى التعاون مع الإدارة المدرسية والزملاء المعلمين لتهيئة بيئة تعليمية تفاعلية تحفز وتشجع على التفكير والإبداع، إضافة إلى دوره في تقويم أداء الطلبة بطرق وأساليب وأدوات مرنة ومتنوعة تتناسب وطبيعة الأنشطة التعليمية التي يقدمها، وتعكس مدى تفاعل الطلبة، والفهم العميق للمحتوى التعليمي، مثل أساليب وأدوات الملاحظة والتقييم العملي وتقييم الأقران، مع أهمية تقديمه للتغذية الراجعة لتحسين أداء الطلبة، تبعا له.
واعتبر أبوغزلة أن التوسع في تبني التعلم النشط في العملية التعليمية، يمثل خطوة أساسية نحو تطويرها، وتحسين مهارات التفكير العليا لدى الطلبة، اعتمادا على مواقف تعليمية وأنشطة مختلفة تنطلق من استعداداته وقدراته، وترتبط بحياته واهتماماته واحتياجاته، وتستلزم التفاعل مع بيئته ومحيطه، من خلال البحث والتجريب والعمل والتعلم الذاتي أو الجماعي لاكتساب مهارات الحصول على المعلومات، وتكوين الاتجاهات والقيم وربطها بالمواقف الحياتية، وهذا ما يتطلبه القرن الـ21 وسوق العمل، وتتطلبها الحياة نفسها.
ورأى أن التعلم النشط هو التعلم القادر على توفير فرص متساوية للتعلم لكافة الطلبة، ما يسهم بتنمية قدراتهم وتلبية احتياجاتهم الفردية، وتربط مهاراتهم بمتطلبات سوق العمل الحديثة، وبالتالي فإن المهم تبني هذا النوع من التعليم والاستثمار فيه، نظرا لدوره في تمكين الطلبة من امتلاك المهارات المستقبلية.
تبني نماذج فاعلة
بدوره، أكد الدكتور في كلية العلوم التربوية في جامعة مؤتة رائد المواجدة، أنه في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجالات المعرفة والتكنولوجيا، تزداد الحاجة إلى إعادة النظر في أساليب التعليم التقليدية التي تعتمد على التلقين والحفظ، نحو تبنّي نماذج أكثر تفاعلية وفاعلية، تضع المتعلم في قلب العملية التعليمية، من بينها التعلم النشط باعتباره أحد الأساليب الحديثة التي أثبتت قدرتها على تحسين جودة التعليم، وتحقيق تعلّم عميق ومستدام.
وقال المواجدة إن التعليم النشط يعرف بأنه "أي أسلوب تعليمي يشرك الطالب في العملية التعليمية، ويدفعه للتفكير فيما يقوم به من أنشطة داخل الغرفة الصفية." 
وأشار إلى أن تعليم النشط يُحرّك الطالب من موقع المتلقي السلبي إلى مشارك فاعل، يستكشف، يناقش، يطرح الأسئلة، ويصوغ الأفكار، ويصدر الأحكام، لافتا إلى أن التجارب العالمية أثبتت أن التعلّم النشط يسهم بشكل كبير في تحسين نتائج الطلبة الأكاديمية وتنمية مهاراتهم الشخصية.
وأشار إلى الجهود المبذولة من قبل وزارة التربية والتعليم، بتوجيهات ملكية، لتحسين جودة التعليم، ومن بينها إدماج التعليم النشط في خطط التطوير التربوي، وتدريب المعلمين على إستراتيجيات حديثة، مثل التعلم التعاوني، والتعلم بالاكتشاف، مستدركا أنه "ومع ذلك، ما زال التطبيق على أرض الواقع يواجه تحديات عدّة، منها كثافة الصفوف، ونقص الموارد (الأدوات التعليمية)، والحاجة إلى تغيير ثقافة التعليم التي اعتاد فيها الطالب على التلقي السلبي.
ولتعزيز التعلّم النشط في مدارسنا، بين المواجدة أهمية إعادة النظر في البيئة الصفية بما يسمح بالأنشطة التشاركية، وتزويد المعلمين بالدعم المهني المستمر لتصميم دروس تفاعلية تراعي الفروق الفردية، كما يجب إشراك أولياء الأمور في فهم أهمية هذا النمط من التعليم، ليكونوا شركاء فاعلين في دعم أبنائهم.
وبين أن التعلّم النشط لا يحسن فقط من التحصيل الدراسي، بل يسهم في بناء شخصية الطالب، ويعزز ثقته بنفسه، وينمي مهاراته الحياتية. 
اتجاهات تربوية حديثة
من جانبها، رأت الخبيرة التربوية الدكتورة حنان العمري، أن التعلم النشط يعد من الاتجاهات التربوية الحديثة التي تسهم بشكل فعّال في تطوير العملية التعليمية وتحسين جودتها، حيث يقوم على إشراك الطالب في جميع مراحل التعلم وجعله محورا رئيسا في بناء معرفته، بدلا من أن يكون مجرد متلقٍ سلبي للمعلومات.
وأضافت العمري إن هذا النمط من التعلم يهدف إلى تحفيز التفكير وتحقيق الفهم العميق عبر التفاعل مع المحتوى والمعلم والزملاء، الأمر الذي ينعكس بصورة واضحة على قدرة الطالب على التطبيق والتحليل والنقد والابتكار، من خلال هذا التغيير الجوهري في أدوار كل من المعلم والطالب، الذي يتجاوز النمط التقليدي في التعليم إلى بيئة أكثر حيوية وفعالية.      
وبينت أن التعلم النشط يساهم في رفع جودة التعليم، من خلال تفعيل المشاركة للطلبة، وتنوع أساليب التعليم بما يتناسب مع الفروق الفردية وأنماط التعلم المختلفة، كما يسهم في تعزيز قدرات المعلم على التخطيط لأنشطة تعليمية تفاعلية، وتوظيف أدوات التقويم البنائي بشكل مستمر، ما يساعد على تعديل المسار التعليمي وتوفير تغذية راجعة دقيقة وشخصية لكل طالب.
أما على صعيد مخرجات التعليم، فأوضحت العمري، أن التعلم النشط يعزز مهارات التفكير العليا لدى الطلبة، ويطوّر لديهم القدرة على التحليل والنقد وحل المشكلات بشكل مستقل أو ضمن مجموعات، وهو بذلك يهيئ الطلبة لاكتساب مهارات القرن الـ21 التي تشمل التفكير الناقد، والإبداع، والتعاون، والاتصال، والقدرة على التكيف.
وأشارت إلى أن هذه المهارات لا تعد مجرد امتداد للمعرفة، بل هي مخرجات جوهرية وضرورية لتأهيل الطلبة للحياة العملية والمهنية المستقبلية، الأمر الذي يجعل التعلم النشط خيارا إستراتيجيا في تطوير أنظمة التعليم المعاصرة.
ولفتت إلى أن أثر التعلم النشط يمتد أيضا إلى تحسين جودة التعليم نفسه من حيث التخطيط والتنفيذ والتقويم، إذ يفرض هذا النمط من التعليم إعادة النظر في أساليب التدريس التقليدية، واعتماد ممارسات أكثر مرونة وتفاعلية، كما يعزز استمرارية التعلم، ويرفع من درجة الاستيعاب والتذكر لدى الطلبة، ويزيد من ارتباط المتعلم بالمعرفة من خلال ربطها بتجارب واقعية ومحفّزة. 
وأوضحت أن التعلم النشط يسهم في تخريج جيل من المتعلمين يمتلكون المعارف والمهارات والاتجاهات اللازمة للنجاح في المستقبل، فالمخرجات لم تعد تقتصر على قياس الحفظ والاستظهار، بل أصبحت تتعلق بمدى قدرة الطالب على التطبيق العملي والتحليل النقدي والتواصل الفعّال والعمل الجماعي واتخاذ القرار في بيئات متنوعة.
ونوهت بأن التعلم النشط يؤدي دورا كبيرا في الاستجابة لمتطلبات سوق العمل المتغير، إذ لم تعد هذه السوق المعاصرة تعتمد فقط على المؤهلات النظرية، بل باتت تركز على المهارات التطبيقية، والقدرة على التكيف والتعلم المستمرين، وبهذا المعنى؛ فإن أساليب التعلم النشط تمثل الجسر الذي يربط التعليم بسوق العمل، حيث تتيح للطلبة فرصا لاكتساب مهارات عملية واتجاهات إيجابية نحو العمل، من خلال العمل التعاوني، وحل المشكلات، وتنفيذ المشاريع، والمحاكاة، والتجريب داخل البيئة الصفية.
وتابعت أن أشكال التعلم النشط تتنوع بما يتيح للمعلم اختيار الوسائل الأكثر ملاءمة لطبيعة المحتوى واحتياجات الطلبة.
ومن بين هذه الأشكال، بحسب العمري، يبرز التعلم التعاوني كأداة فعّالة لتطوير مهارات التواصل والعمل ضمن فريق، كما يشمل التعلم النشط إستراتيجيات على غرار التعلم القائم على المشاريع، الذي يتيح للطلبة الانخراط في مهام حقيقية مرتبطة بالحياة اليومية، والتعلم القائم على حل المشكلات الذي يحفز التفكير النقدي واتخاذ القرار، بالإضافة إلى التعلم بالاكتشاف الذي يعتبر من الأشكال التي تُشجع الطالب على البحث والتجريب والتوصل إلى المعرفة بنفسه، فضلا عن العصف الذهني والمناقشة الجماعية والمحاكاة والألعاب التعليمية، وهي كلها إستراتيجيات تهدف إلى تحفيز الطالب ذهنيا وعاطفيا وتفاعليا.
ولفتت إلى أن التعلم النشط ليس مجرد خيار تربوي بل هو ضرورة تعليمية تفرضها طبيعة العصر ومتطلبات التنمية المستدامة، فهو يحقق تكاملا بين الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية لدى الطالب، ويعزز من جودة ممارسات التعليم والتعلم، ويُسهم في مخرجات تعليمية قابلة للتطبيق في الحياة والعمل، كما يرسخ أنماطا سلوكية إيجابية ويُعزز التكيف النفسي والاجتماعي، ما يجعله أداة فعالة في إعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل بكفاءة واقتدار.