الغد
دمشق- في تطور لافت، اعتمد مجلس الأمن الدولي قبل يومين قرارا أميركيا برفع أسماء الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة العقوبات الدولية، استنادا إلى قراراته 1267 و1989 و2253، مما ينهي حظر السفر والتجميد المالي وحظر الأسلحة المفروض عليهما منذ عامي 2013 و2014.
وحظي القرار بتأييد 9 أصوات دون أي فيتو، وذلك قبل أيام قليلة من زيارة الشرع المتوقعة إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس دونالد ترامب. ويأتي في سياق جهود أميركية مكثفة لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024.
كما يتوافق مع سلسلة خطوات سابقة، مثل رفع معظم العقوبات الأميركية في أيار (مايو) الماضي، وإيقاف تنفيذ قانون قيصر لمدة 180 يوما في حزيران (يونيو) 2025، مع دعم إدارة ترامب لإلغائه نهائيا من خلال قانون الدفاع الوطني.
صفحة جديدة
وقال الباحث السياسي والمحاضر في كلية الإعلام بجامعة دمشق أحمد الكناني، إن قرار تصنيف مناطق شمال سورية كحاضنة للإرهاب، الذي فرضه المجتمع الدولي تحت ضغط روسي وصيني خلال السنوات الماضية، كان المسار الأول في العملية الانتقالية الدولية.
وأوضح أن هذا التصنيف علق سورية إقليميا ودوليا، وأدى إلى توجيه واضح يحدد الأفعال الإرهابية، لكنه كان يُطبق على كل معارض للنظام السابق، مما أسفر عن محاسبات وتهجير وسجن على خلفيات سياسية بحتة.
وضعت التحديثات الجديدة، وفق الكناني، تعريفات دقيقة لمصطلح الإرهاب مما أعاد الحقوق للسوريين في الشمال بعد وصمهم بهذه الصفة لسنوات طويلة. ولا يقتصر رفع اسم دمشق من قائمة الدول الراعية للإرهاب على إزالة اسم الرئيس فحسب، بل يشمل الدولة بأكملها مما يفتح أبواب إعادة الإعمار والاستثمار.
ويصف التقارب السوري الأميركي بعملية إعادة تموضع لسورية ضمن المعسكر الغربي، مدعومة باتفاقيات ومعاهدات تعزز قوتها. ويضيف أن دمشق حققت توازنا مع دول عدة، مستفيدة من زيارات الشرع إلى روسيا والدور الأميركي، إلى جانب موقعها الجيوسياسي الإستراتيجي.
ويعتبر أنه خلال 11 شهرا فقط من سقوط نظام الأسد، بنت دمشق شبكة علاقات قوية عربيا وإقليميا. لكنه يقر بوجود "ثمن تدفعه سورية مقابل هذا التموضع، يتمثل في ضغوط أميركية للتطبيع مع إسرائيل، الذي كان شرطا رئيسيا لرفع العقوبات". وأن الشرع نجح في إبعاد سورية عن هذا المسار خلال الأشهر الماضية، نظرا لعدم توفر الظروف الأمنية والسياسية المناسبة.
ويخلص الكناني إلى أن البلاد حققت توازنا بين مصالحها الوطنية وسيادتها من جهة، والضغوط الدولية من جهة أخرى، لكن ملف العلاقات مع تل أبيب يتطلب مسارات معقدة تفرضها القوى الكبرى.
خطوة تاريخية
من جانبها، أكدت عزة عبد الحق، عضو استشاري في التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار، أن رفع دمشق وحكومتها من قائمة الإرهاب يمثل خطوة تاريخية تشبه "فتح باب حديد مقفل منذ 20 عاما"، مشيدة بجهود الحكومة داخليا ودوليا، معتبرة القرار دليلا على نجاحها.
داخليا، سيسهم الرفع وفق المستشارة في عودة اللاجئين والشباب للعمل والإنتاج، وإقامة المشاريع، مما يعيد الأمل والطموح. كما يعزز الشعور بالفخر بعد سنوات من الاتهامات التي خلطت بين النظام السابق والشعب "المناضل". ولن تكون هناك تهمة دولية لأي سوري مما يعزز المواطنة والتآخي. كما يسقط حجج "الانفصاليين" الذين كانوا يتذرعون بتهم الإرهاب، "فالعالم يمد يد العون ويعترف بشرعية دمشق، مما يجعل الجنوب والشمال يدركان أن الحكومة ليست وحيدة".
أما خارجيا، فتتوقع عبد الحق تدفق أسواق جديدة ومكاتب أميركية واستثمارات ضخمة من الخليج وواشنطن وأوروبا، دون خوف من التعامل الاقتصادي أو السياسي. وتشدد على ضرورة العمل يدا بيد بين الحكومة والشعب، عبر توفير الحريات، وتكافؤ الفرص، والسلم الأهلي، وتطبيق القانون، والحوار المستمر لدعم الشرعية داخليا.
وتربط رفع عقوبات قيصر ببدء الإعمار، مشيرة إلى تردد المستثمرين الأميركيين والأوروبيين بسبب عدم الرفع الكلي من الكونغرس، الذي يحتاج دعما شعبيا أميركيا وتوقيع ترامب. وتضيف أن تحسن العلاقات ورفع التصنيف سيغير الرأي العام، مما يجعل الرفع وشيكا، يليه تدفق استثمارات تشجع التصدير والاستيراد، وتعيد البنية التحتية والاقتصاد إلى السوق العالمية.
وبشأن وجود عسكري أميركي محتمل في قاعدة جوية بدمشق، تراه عبد الحق إيجابيا لمكافحة الإرهاب، وتقليل التوترات، ودفع اتفاقات أمنية تحمي الشعب. وتقول إنه "قد يثير غضب روسيا وإيران"، لكنه يحتاج رضا شعبيا وتنسيقا حكيما لأن الشعب يرغب في حلفاء أقوياء بعيدا عن الدمار السابق، مع خطة إعمار وتبادل خبرات.
في سياق متصل، تحدث تقرير لوكالة رويترز عن تخطيط أميركي لحضور عسكري محدود جنوب دمشق، مع الحفاظ على السيادة السورية، لدعم وساطة أمنية مع إسرائيل، وللدعم اللوجستي والمراقبة والعمليات الإنسانية، بينما نفت الخارجية السورية ذلك في بيان صحفي.
ثمن الرفع
من جانبه، أكد المهندس عصام زهير غريواتي، رجل الأعمال السوري الأميركي ورئيس غرفة تجارة دمشق، أن لا استقرار سياسيا أو اقتصاديا يتحقق مع استمرار العقوبات. وأن سورية الجديدة لا تستحق أي قيود تحد من دخول الشركات والمستثمرين، وفضاء الاستثمار مثالي لإعادة الإعمار، وتحسين الناتج المحلي، وتطوير البنية التحتية، وإدخال التقنيات الحديثة.
وشدد على أن الاقتصاد عانى كثيرا، ويجب معالجة الفقر والبطالة والتضخم عبر استثمارات تمثل "طوق النجاة" حتى تعود الموارد المحلية القادرة على استيعاب اللاجئين وتوفير فرص عمل وسكن. وأضاف أن الأمور مترابطة وتحتاج عملا سياسيا ودبلوماسيا يؤكد العدالة الانتقالية وتوزيعا عادلا للموارد. وأن الانفتاح السوري يؤكد نهجا مختلفا للاستقرار والتنمية.
في المقابل، حذر الباحث السياسي عبد الله الخير من أن رفع اسم الرئيس السوري من قوائم الإرهاب لن يكون مجانيا، بل مقابل تطبيع كامل مع الاحتلال. وأن الغرب يتبع "الثمن مقابل الخطوة"، مما يفتح باب تنازلات إستراتيجية.
وبرأيه، فإن "الثمن الأبرز قد يكون مرتفعات الجولان السوري، مع اتفاقات تكرس سيطرة الإحتلال، وربما تبادل أراض يضعف المطالب السورية. والجنوب هدف آخر عبر تهدئة حدودية تمنع دعم المقاومة الفلسطينية، وتحوله إلى منطقة عازلة".
وفي هذا السياق كان الشرع أكد أكثر من مرة انه لن يوقع اتفاق سلام مع إسرائيل دون انسحاب الاحتلال من
مرتفعات الجولان.-(وكالات)