عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Jan-2020

الطريقة الأميركية - ايهود أولمرت

 

معاريف
 
لقد كانت إزالة قاسم سليماني في عملية دقيقة وناجعة للقوات الأميركية الخاصة خطوة جديرة بالثناء. فقد فوجئت إيران ودهشت من الدقة، من الاستخبارات المفصلة ومن التنفيذ الكامل. ويحتمل أن تكون اخيفت. فعلى مدى السنوات الأخيرة بدأنا نعتاد على فجوة معينة، آخذة في الاتساع، بين الخطاب الحازم والمهدد للرئيس دونالد ترامب وبين تحققه بالفعل. هكذا مثلا، الاتصالات الأميركية الأولى مع كوريا الشمالية كانت مهددة واعطت الانطباع بانه في غضون وقت قصير سيطير الرئيس كيم يونغ أون ويعيده إلى حجوم أكثر تواضعا من حجوم الدكتاتور التي تبناها لنفسه.
عمليا، منذ بداية الطريق أصبح كيم يونغ أون موضع تقدير، شبه اعجاب، لدى الرئيس الأميركي. وفضلا عن اللقاءات المتواترة بينهما، بدا انه لا يوجد أي شيء ملح حقا لواشنطن، وان الكوريين الشماليين يواصلون ظاهرا الانشغال بتطوير قدرة نووية تشكل تهديدا كامنا حقيقيا على الاستقرار في هذا الجزء من العالم.
يحتمل جدا أن يكون ضبط النفس الأميركي أكثر ذكاء بكثير من خطابية الرئيس. فكوريا الشمالية هي جهة استفزازية. يوجد مبرر كامل لمعالجة سلوكها بحزم ومثابرة. ولكن رغم تصريحات كيم فان التجارب على الصواريخ المختلفة كل بضعة أشهر والمعلومات الاستخبارية التي تشير إلى تواصل المحاولات لتطوير قدرة نووية حقيقية لا تشكل تهديدا يقض مضاجع كوريا الجنوبية، وبالتأكيد ليس مضاجع الولايات المتحدة. اقول ذلك دون أن اتجاهل حتى ولا للحظة قصيرة حقيقة أن كوريا الشمالية ساعدت سوريا على بناء مفاعل نووي، قرب بيتنا. نحن دمرنا المفاعل بلا تردد. كشفنا دور بوينغ يانغ في بنائه – ولقنا قيادتها العدوانية درسا غير لطيف.
ومع ذلك، اعتقد أن ترامب يتصرف بحكمة حين لا يضيق الفجوة بين تهديداته على كوريا الشمالية وبين السلوك الذي من شأنه أن ينتهي باحتكاك عنيف. من عدد كبير من الاتصالات التي لي مع شخصيات في كوريا الجنوبية، فانهم هم ايضا يعتقدون بانه توجد مساحة واسعة بين الوقفة النووية وبين تحقق التهديد، الذي سيتسبب بهزة ارضية في الشرق الاقصى. برأي زعماء في كوريا الجنوبية، بمن في ذلك الرئيس الحالي وغير قليل من قادة الاقتصاد المزدهر هناك، يحتمل أن تكون مسيرة حساسة ومنهاجية من التعاون الاقتصادي مع كوريا الشمالية هي الاساس للتغيير في منظومة العلاقات. ربما. وربما كان هذا أملا عابثا. يصعب علي أن احكم على ذلك بشكل قاطع، ولكن تجربة الحياة تفيد بان الشك ليس خطيئة وضبط النفس ليس ضعفا بالضرورة.
ان تصفية سليماني – بخلاف الوضع في شرق آسيا – كانت في وقتها، وآثارها من المتوقع، بتقديري، أن تكون ايجابية. يبدو لي ان ترامب فاجأ نفسه. واضح تماما ان الخطوة اعدت قبل ايام من تنفيذها، ومن شبه المؤكد قبل الهجوم العنيف ضد مبنى السفارة الأميركية في بغداد. لقد كان الرد الأميركي السريع والفتاك تذكيرا مهما لكل الجهات في المنطقة بان قوتها ما تزال في متنها. من يعتقد أنه يمكن ان يستغل ضبط النفس الأميركي وقرار الرئيس سحب التواجد العسكري في الشرق الاوسط، واستنتج من ذلك ان أميركا فقدت قدرتها على العمل بشكل عنيف ايضا وبلا كثير من الاقوال – كان متسرعا. متهورا وغير مسؤول. سليماني، الذي نجح في الاثقال على قيادتنا وادخال قوات عسكرية إيرانية إلى سورية تشكل تهديدا على إسرائيل، فقد المقاييس الصحيحة. وقد عوقب، وإيران عوقبت، ونحن كسبنا. أحد الاعداء الأكثر ذكاء، عنفا وخطرا علينا – اختفى من الساحة. ليس لسليماني بديل في اوساط القيادة الحالية في إيران، وبالتأكيد ليس في المستقبل القريب.
والآن آمل ألا تنجر إسرائيل، ومثل سليماني تفقد المقاييس الصحيحة. فصراعنا ضد إيران يجب أن يستمر. التواجد الإيراني في سورية لا يطاق. من الواجب صده والتسبب بتقليصه وفي نهاية المطاف الغائه. ولكني لا أوصي باتخاذ خطوات متهورة ومغرورة من شأنها أن تعطي إيران التي اهينت بتصفية سليماني، ان ترد بشكل يؤدي إلى احتكاك عنيف مع إسرائيل.
الآن على نحو خاص، ثمة مجال للحذر من عملية إسرائيلية غير محسوبة. فنتنياهو – كما ثبت عدة مرات في الأشهر الاخيرة – على حافة الهوة التي يوجد فيها، من شأنه ان يستخدم التواجد الإيراني في سورية، والذي سمح به بقصوراته وبغرور مجرم كي يؤدي إلى انفجار عنيف بينها وبيننا. لدى إسرائيل مبرر للعمل على دحر الإيرانيين من سورية – ولكن ليس قبل بضعة اسابيع من الانتخابات. رئيس حكومة تصريف أعمال ، يتصرف كمجرم فار، دون أن يكون له اسناد من أغلبية برلمانية، لا يمكنه بأي شكل من الاشكال أن يجر إسرائيل إلى مواجهة عنيفة، حتى لو لم يكن في نهاية العملية مفر منها.
لإسرائيل يوجد عدد لا بأس به من طرق العمل كي تنفر الإيرانيين من مواصلة تواجدهم في سورية. توجد لدينا قوات خاصة ومتطورة، وسائل جد ناجعة وتجربة جمة – تتيح لنا العمل بشكل يؤدي بالتدريج إلى اضعاف التهديد الإيراني تجاهنا من سورية.
شيء واحد نوصي بعدم عمله: لا مجال ولا داعي للتبجح، للمبالغة في التصريحات وتهديد إيران علنا في الساحة العامة وفي المداولات الدولية. لا يوجد اي سبب لجر إيران الى جلبة عنيفة تلوح في لحظة معينة كمحتمة. قلت هذا في الماضي، اعود واقوله: في نهاية المطاف يجب العمل بعقل، بجسارة، بقوة. العمل وليس التهديد. الضرب – وليس الحديث.
*رئيس الوزراء السابق