عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-May-2025

كيف غير العديد من الغربيين مواقفهم تجاه حرب الإبادة على غزة؟

 الغد

 عواصم ـــــ الكثير من الخجل، أو ربما العار والخزي، كما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هو الذي شجع عددا من الدول الغربية على تصعيد حدة النقد تجاه ما يقوم به الاحتلال في غزة. تلا هذه التصريحات وعود غائمة لإعادة قراءة الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية القائمة بين عدد من الدول الأوروبية وبين إسرائيل.
 
 
إذ وعلى مدار أكثر من 20 شهرا، أسال جيش الاحتلال الكثير من الدماء، عشرات الآلاف من الشهداء، غالبيتهم من الأطفال والنساء، ومئات الآلاف من الجرحى والمصابين والمكلومين، ومجاعة تزداد، وقصف يومي ينهال على رؤوس ساكني القطاع بأطنان من الحمم والقذائف والرصاص الذي لا يميز بين ضحاياه.
 
ورغم الدعم المُطلق من الدول الغربية لحكومة نتنياهو للقضاء على فصائل المقاومة في القطاع المحاصر، فإن الصور التي باتت تخرج يوميا وعلى مدار الساعة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل باتت تضع كثيرا من الضغط والحرج على الحكومات الغربية أمام شعوبها أولا، ثم ازداد هذا الحرج ليأخذ بُعدا فيه صبغة من الإهانة بعد أن أظهر نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- للجميع أنه لا يقيم وزنا ولا قيمة لأية قوانين دولية ولا أعراف دبلوماسية، وأن أهدافه الشخصية وتحالفه مع التيار الصهيوني الأصولي (بجناحيه سموتريتش وبن غفير) أهم له من آراء حلفائه ونظرائه من زعماء الدول.
رصاصة في وجه الدبلوماسية
في جنين، كما في غزة، وعلى المدنيين أو الدبلوماسيين، لا يختلف الأمر كثيرا عندما يتعلق الأمر بالنيران الإسرائيلية التي لا تفرق بين هدف وآخر، ففي يوم 21 الشهر الحالي، زار وفد يضم دبلوماسيين أوروبيين وعربا مخيم جنين شمالي الضفة الغربية. وأثناء الزيارة، تقدم جنديان إسرائيليان تجاه الوفد الذي كان يضم 25 سفيرا وقنصلا وممثلين عن الاتحاد الأوروبي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وأطلقا النار على الجميع، مما زرع حالة من الفوضى والذعر في صفوف هذا الوفد، حيث أظهرت اللقطات المصورة للحادثة هرولة الجميع نحو سياراتهم هربا من نيران الاحتلال.
لم يكن الجنود الإسرائيليون بحاجة لمبرر سوى انحراف بسيط عن المسار المقرر للوفد لإطلاق النيران بحسب رواية جيش الاحتلال، حيث أصدر الجيش بيانا يقول فيه إن الجنود الذين كانوا في المنطقة أطلقوا طلقات تحذيرية للوفد والمرافقين له، وأنه "يأسف للإزعاج الذي تسبب فيه الحادث".
تبريرات الاحتلال للحادثة لم تقنع أحدا، وبدأت ردود الفعل الرسمية تتقاطر مباشرة بعد الحدث، من قبل كافة الدول المشاركة في الجولة الدبلوماسية وبينها فرنسا وإيطاليا وتركيا وإسبانيا والبرتغال.
لم يأت هذا الحدث منفردا، فقد سبق لعدد من الدبلوماسيين العاملين في القدس أن اشتكوا من انتهاكات لحقوقهم الدبلوماسية من قبيل عمليات تفتيش عنيفة بل ومهينة أحيانا على الحواجز في الضفة الغربية، بل وتصويب السلاح تجاههم.
جدار الحلفاء المتصدع
لم تكن الرصاصات التي خرجت من أسلحة جنود الاحتلال تجاه الوفد الدبلوماسي إلا شرارا يتطاير من نيران كانت قد اتقدت بالفعل بين إسرائيل وحلفائها الغربيين المخلصين كما وصفوا أنفسهم أكثر من مرة في أوقات سابقة.
وفي 19 الشهر الحالي أصدرت كل من فرنسا وبريطانيا وكندا بيانا بشأن الوضع في غزة وفي الضفة الغربية، قالت فيه هذه البلدان إنها تعارض بشدة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، واصفة المعاناة الإنسانية في القطاع بأنها "لا تطاق" .
وطالب البيان الحكومة الإسرائيلية بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في غزة والسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية بالتعاون مع الأمم المتحدة.
واعتبرت الدول الموقعة أن رفض الحكومة الإسرائيلية تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية للسكان المدنيين هو أمر غير مقبول، وأنه قد يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، مدينة الخطاب الذي يستخدمه بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية عبر التهديد بالترحيل القسري للمدنيين، وهو ما يشكل انتهاكا للقانون الدولي الإنساني.
وألمح البيان الى أن حكومة الاحتلال استغلت هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) (طوفان الاقصى)، والذي حصلت على إثره على دعم كامل من الدول الغربية للدفاع عن مواطنيها، لتوسيع المستوطنات وقضم المزيد من الأراضي لصالح المستوطنين الجدد، مشيرا البيان أن الدول الغربية لن تقف مكتوفة الأيدي فيما تواصل حكومة بنيامين نتنياهو أفعالا فاضحة" في غزة وفي الضفة.
في آخر البيان، عبرت الدول الموقعة عن رغبتها بتوقف دولة الاحتلال عن كل ذلك، وإلا فإنها ستزيد من خطواتها الرافضة لاستمرار التجاوزات الإسرائيلية، لكن كيف ذلك؟ وما الذي يمكن لهذه الدول القيام به؟
يُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لإسرائيل، حيث تستند العلاقة بين الطرفين على اتفاقية الشراكة الموقعة عام 1995 التي دخلت حيز التنفيذ في العام 2000. تتيح هذه الاتفاقية إمكانية التبادل التجاري الحر في عدة قطاعات، منها الزراعة والصناعة. 
ويضع الاتحاد الأوروبي دولة الاحتلال ضمن ما يعرف بـ"سياسة الجوار الأوروبية"، وهي سياسة تهدف إلى الحفاظ على علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع الدول المجاورة للاتحاد، كما اقتربت الدول الأوروبية مع إسرائيل أكثر فأكثر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في إطار رغبة أوروبا في تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية والبحث عن خيارات أخرى بديلة لاستيراد الطاقة، ومنها إسرائيل.
 بيد أن إصرار جيش الاحتلال ومن ورائه حكومة الاحتلال على عدم الالتزام بأية قوانين دولية ولا أعراف دبلوماسية، ومواصلة حربها الدموية في غزة، أثار إحراجا غاضبا لدى حلفائها، حتى توسعت موجة الامتعاض من إسرائيل، لتشمل دولا أوروبية أكثر، فقد قدمت هولندا، إحدى أقرب أصدقاء إسرائيل، عبر وزير خارجيتها طلب مراجعة الاتفاقية التي تنظم العلاقات التجارية مع إسرائيل بسبب "احتمال" خرقها للمادة الثانية من الاتفاقية المتعلقة باحترام حقوق الإنسان.
اللافت أن هذا الاقتراح لاقى دعما كبيرا من بلجيكا وفنلندا ولوكسمبورغ والبرتغال وسلوفينيا والسويد، إضافة إلى الدانمارك وإستونيا ومالطا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، بجانب فرنسا وإسبانيا، في الوقت الذي تكوّن فيه فريق المعارضة من بلغاريا وكرواتيا وقبرص والتشيك وألمانيا واليونان والمجر وليتوانيا، ثم أخيرا، إيطاليا التي رغم معارضتها للاقتراح الهولندي، فإن وزيرتها الأولى جورجا ميلوني كانت قد قالت في كلمة لها أمام برلمان بلادها إن الوضع الإنساني في غزة "لا يمكن تبريره، وعلى إسرائيل احترام القانون الدولي الإنساني".
وفي تعقيبها على هذا الاقتراح قالت "كايا كالاس" مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إن هناك أغلبية قوية تؤيد مراجعة المادة الثانية من اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.
هل ينظر كيان الاحتلال إلى المرآة؟
لم يعتد بنيامين نتنياهو أن يُقال له لا، لا داخليا ولا خارجيا، فالرجل يعد نفسه المُخلّص للغرب لأنه يقف في مواجهة جبهة "الإرهاب" التي تهدد العالم بأسره، بيد أن الغربيين أنفسهم يعلمون أن "بيبي" يستغل جميع الأزمات والحروب لصالحه، إما لتحقيق مكاسب سياسية أو من أجل تخفيف خسائره والهرب من المحاكمات القضائية التي تلاحقه، وهو الذي فاحت منه روائح الفساد داخل الكيان وخارجه.-(وكالات)