الغد-عزيزة علي
صدر للشاعر خالد حازم نسيبة ديوان شعري بعنوان "هام قلبي"، يقدم تجربة شعرية ملتزمة تمزج بين العاطفة والفكر، وبين الاعتبار الوطني والبعد الإنساني.
يتجاوز الديوان الحدود التقليدية للشعر، جامعا بين الغرض الديني والوطني والإنساني، ليؤسس خطابا شعريا يواكب القضايا الكبرى للأمة. ويبرز الديوان لغة صادقة وبسيطة، قادرة على نقل مشاعر الفقد والفخر، وتحويل الرثاء إلى منصة للاحتفاء بالقيم الأخلاقية والفكرية، مع إبراز رموز الماضي وربطها بالحاضر، من القدس التاريخية إلى الشخصيات الوطنية والدولية، مرورا بقضايا الإنسان العربي المعاصر.
ويتميز الديوان بمرونة شكله الشعري، ما يتيح للشاعر التعبير عن موقفه النقدي والفكري من دون التقيد الصارم بالوزن والقافية، فيشكل بذلك نموذجا متكاملا للشعر الملتزم الذي يجمع بين الجمال الفني والرسالة الإنسانية.
يشير أستاذ الفقه وأصوله في الجامعة الأردنية، الدكتور عبدالله إبراهيم زيد الكيلاني، إلى أن هذا الديوان يعد عملا شعريا واسع الأفق يتجاوز الحدود التقليدية للغرض الشعري، جامعا بين الشعر الديني والوطني والإنساني، ومؤسسا خطابا ملتزما تجاه القضايا الكبرى. وتتجلى قوته في أصالة رؤيته الفكرية واعتماده شكلا شعريا مرنا يقوم على التكثيف والمباشرة.
ويرى الكيلاني أن الشاعر يوظف رموزا وشخصيات دينية وتاريخية، فيربط الماضي بالحاضر عبر استلهام نماذج مثل: عيسى عليه السلام، الإمام علي، عثمان بن مظعون، المدينة المنورة، الأمير عثمان مؤسس الدولة العثمانية، المتنبي وكافور الإخشيدي. كما يعبر عن موضوعات وجدانية كالحب.
ويشير إلى أن القدس هي مركز الديوان ورمزه الأهم، حيث تُصور بوصفها درة ووقفا إسلاميا يحتضن الجميع. كما تبرز في الديوان قضايا الإنسان العربي في مشاهد الدمار والمعاناة، مع إشارات خاصة لفلسطين وغزة.
الشاعر يحتفي بالأردن في قصائد وطنية صادقة، متجاوزا الإطار المحلي إلى رموز عالمية، مثل جون كينيدي بوصفه نموذجا للحرية. إضافة إلى ذلك، يوظف الشاعر مواد أدبية متنوعة، مثل صورة "دزدمونا" الشكسبيرية.
يتناول الديوان الصورة الأدبية والنقد الفني، حيث تعتمد الصور على التكثيف والتجسيد لخدمة رسالة الشاعر المباشرة والملزمة، مثل: "الإسراء والمعراج: رمزية الثبات والتسامح". وتعد هذه الأبيات أقرب إلى الشعر القومي الديني، وتتسم بالجزالة والفخامة في المعاني.
كما يقدم الديوان قراءة نقدية لقصيدتي حازم نسيبة وجون كينيدي، فتعد قصيدة "ذكرى مولد ابن القدس البار حازم نسيبة" من النصوص الوجدانية الملتزمة، حيث تتشابك العاطفة الأبوية الصادقة مع المجد الوطني والالتزام الأخلاقي. يوظف الشاعر ذكرى المولد كمنصة للاحتفاء بالإرث الفكري والسلوكي للراحل.
المضمون والدلالات (الرحلة من الفرد إلى الرمز): "تنتقل القصيدة من الفضيلة الشخصية إلى الخدمة العامة، ومن الإرث الفلسطيني إلى الالتزام الأردني، لترسخ صورة الأب كنموذج للبطولة الراقية.
الارتقاء والخلود (التحدي للغياب): يفتتح الشاعر بتمجيد الأب بوصفه متسلقا لربى المجد، وقمة في الإحسان والإنسانية: "تسلقت رُبى المجد أبتاه / فكنت قمة في الإحسان والإنسانية".
الهوية المزدوجة للأب والعمق الفكري: يرسخ الشاعر الأب كـ"ابن القدس البار" و"أردني لا يرضى للأردن العظيم أي دنية"، مشيرا إلى تفكير الراحل العميق وإخلاصه في السياسة والخدمة العامة: "بفكر مبهر نظرت إلى الماضي والحاضر"، و"إرشاد المسؤول في التدبير".
الدفاع عن الثوابت: يبرز الديوان مكانة الأب كـ"مدافع عن الأردن الأشم وفلسطين الغالية"، مما يجعل حياته مكرسة للقضية والوطن.
الأخلاق الفاضلة والمناقب الاجتماعية: يخصص جزءا مهما للحديث عن السلوك الشخصي والأخلاق الرفيعة للراحل، وهي المناقب التي يستمد منها الشاعر فخره، مثل النقاء اللفظي والأمانة: "فما سمعنا كلمة نابية في نميمة أو غيبة".
الختام الوجداني والخلود: على الرغم من الجرح المؤلم: "ما زال الجرح أبا هيثم مؤلماً"، تختتم القصيدة بتأكيد الخلود الروحي في الفؤاد، متجاوزة قانون الفناء: "ما دامت الدنيا لعظيم أو صعلوك / فأنت أبي العظيم مخلد في الفؤاد والمهج".
البناء الشكلي (الوزن والشكل): رغم الطابع الرثائي والوجداني للقصيدة، إلا أنها تتبنى الشكل العمودي المُهندَس للديوان، حيث تتفاوت أطوال الأسطر وتتنوع القوافي الداخلية مثل: "الإنسانية" و"الحضارة"، بما يخدم تدفق العاطفة والاستذكار من دون التقيد الصارم بأوزان البحور التقليدية.
ديوان "هام قلبي" للشاعر خالد حازم نسيبة هو عمل شعري ملتزم ومتعدد الأبعاد يجمع بين الاعتبار والعاطفة والفكر والوجدان. تتميز اللغة في الديوان بالبساطة والصدق، بعيدا عن التعقيد، وتهدف إلى إيصال عاطفة الفقد ممزوجة بالفخر والتمجيد الواعي.
اللغة والأسلوب في الرثاء: تتميز اللغة في قصيدة الرثاء بالبساطة والصراحة، بعيدا عن التعقيد، وتهدف إلى نقل مشاعر الفقد مع مزجها بالفخر والتمجيد الواعي. يحول الشاعر الفقد إلى مناسبة للاحتفاء بالقيم الوطنية والإنسانية، مؤكدا على الخلود الفكري والمعنوي للأب بدلا من التركيز على ألم الغياب، لتصبح القصيدة رسالة انتصار للإرث الصالح على الفناء.
الخلاصة النقدية للديوان: ديوان "هام قلبي" عمل فني متكامل ومتعدد الأبعاد، يجمع بين أصالة الروح وحداثة الشكل، ما يجعله مرجعا مهما لشعر الالتزام في العصر الحديث.
الملامح الرئيسة للديوان: المحور الفكري: يعتمد الديوان على الاعتبار والموعظة، مستلهما من التاريخ والدين موضوعات تهدف إلى توجيه الأمة وتنبيهها لمسؤولياتها. المضمون: تتنوع القصائد بين النضال السياسي والجهاد الأخلاقي، كما في قصيدة "سيف مغمد" التي تربط الوجود بالإنتاج، ما يخلق مستوى أدبيا رفيعا.
البعد الإنساني والتنويع النقدي: يكشف ديوان "هام قلبي" عن أفق واسع في نقد الذات ونقد الواقع العالمي. يظهر هذا بوضوح في قصيدة "إن بعد العسر يسرا"، التي توظف رمزية التضحية، مثل الوردة الجوري، وتجمع بين النقد الصريح لتخاذل الأمة والإقرار بالعجز، مع التأكيد أن الدعاء يظل السبيل الوحيد للتغيير.
البعد الشكلي والابتكار: أسهم الديوان في إثراء أشكال الشعر العربي المعاصر من خلال ابتكار قالب شعري مرن (الشكل المقطوعي المقتضب)، الذي يدعم الرسالة المباشرة للشاعر ويسمح بالتنقل بين المواقف الفكرية المختلفة من دون التقيد الصارم بالوزن والقافية. يظهر بذلك أن التحرر الشكلي ليس مجرد أسلوب، بل وسيلة لتعزيز الالتزام الموضوعي.
الخلاصة النقدية: يجمع ديوان "هام قلبي" بين الاعتبار والعاطفة، وبين التمجيد للرموز الدينية والوطنية والعالمية، والتذكير بمسؤولية الفرد والجماعة. فهو يقدم شعرا يجمع الفكر والوجدان، ويطرح دعوة للتأمل في قضايا الوجود والالتزام. بفضل صدق العاطفة والنزعة النقدية والريادة الشكلية، لا يقتصر الديوان على كونه نصوصا شعرية، بل يقدم تجربة فكرية وفنية تحفز القارئ على التفكير والتدبر، مع إشباعه فنيا وجماليا.