الدستور -
ليس صحيحا أن النعامة تدفن رأسها في الرمل لما تستشعر خطرا داهما. والحقيقة أنها ضعيفة السمع بسبب صغر أذنيها. ولهذا فحين تريد أن تستكشف الأعداء من حولها؛ تضع رأسها على الرمل؛ لتلتقط اهتزازات تحركاتهم عبر الأرض. ولربما أن أحدهم رآها على هذه الهيئة فظن أنها تدفن رأسها، فأشاع عنها هذه السمعة الخطيرة، حتى غدت مثلا دارجا على ألسن الناس: مسكينة.
النعامة عظيمة أحياناً. وتسمى الجمل الطائر، كونها تتمتع بصفات صورية وشكلية مقاربة لسفينة الصحراء، لكنها تتفوق عليه بامتلاكها مرارة كبيرة، مما يجعل إفرازاتها تطحن الحجارة والصوان، وحتى الجمر. وإن كان الجمل صبورا فهي تبدو دائما عديمة الصبر، نزقة متفلتة كزنبرك مضغوط.
وهي تجعل بيضها أثلاثاً: ثلثاً للحضن والتفقيس، وثلثاً تأكله خلال فترة الرقود عليه، وثلثاً تكسره فيتعفن ويدوّد، فيكون منه غذاء الأفراخ عندما تفقس، ومع هذه التوزيعة الذكية، فإن لها من الحمق ما يملأ عشرات الأكياس. فمن حمقها مع بيضها، أنها تخرج من عشها، فتجد بيضاً آخر، في عش آخر، فتحضنه ظانة أنه بيضها.
ولأن ريشها أنعم هفهفات النسيم، وبيضها شهي، ولحمها أشهى، فهي هدف للصيادين الذين يصطادونها بطريقتين: فإما أن يوقدوا لها ناراً كبيرة، وما أن تشاهدها حتى تندهش، وتتمسمر كالصنم، فيأتيها الصياد ويقبض عليها وهي مشدوهة. والطريقة الأخرى بشرائط سوداء يعمد الصياد إلى ربطها على أعواد، في مرابضها ومراتعها، حتى إذا أستأنس بها، فإن الصياد يرتدي لباساً أسود، ويدهمها ويقبض عليها من عنقها الضعيف.
مبكرا اشتعلت مواسم الانتخابات لدينا. فنحن ننظر إلى أي انتخابات بأنها هدف وليست وسيلة أو أداة للإدارة والحكم الديمقراطي. ولهذا ما أن ننتهي منها حتى نبدأ للتخطيط لدورتها القادمة. وحتى الناس الساخطون على ما افرزوه في انتخاباتهم السابقة، فإنهم سيعودون لذات طريقتهم ويختارونهم من جديد.
صيادو الانتخابات يختلفون عن صيادي النعام. فهم لا يوقعون الناس بشرائطهم السوداء، أو بنيرانهم الوقادة، بل كثيراً ما يوقعونهم باللافتات البيضاء والملونة المثقلة بالشعارات الرنانة الطنانة، متناسين أن بعض لافتاتهم ما هي إلا أكفان لطروحات ممجوجة، أكل عليها الدهر وشرب وملها الناس.
ويبقى الأمر أن غباء النعام قد يكون أهون من البعض ممن يسقطون في وهم الشعارات والشرائط السوداء والملونة. فمتى سيدرك هؤلاء أنهم لا يطاردون نعاما في فلاة؟ متى نتعلم؟. نحن نتألم لا نتعلم. هذا محزن جداً.