عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Jun-2020

مربع أولويات التحول الرقمي (1-2) - م. بلال خالد الحفناوي

الراي - تعززت أهميّة التحوّل الرقمي على نحو لافتٍ خلال الأشهر القليلة الماضية بفعلِ جائحة كورونا، وتجلى ذلك حين اتّبع العالم كلّه استراتيجيات التباعد الاجتماعي، مع محاولة إنجاز معظم الأعمال وأداء المهمات على اختلاف طبيعتها ومجالاتها من المنزل، مما فرض تبنّي منهجيات التحوّل الرقمي التي بدا واضحًا أنها لم تعد خيارًا بقدر ما أصبحت به ضرورة ملحّة ينبغي تعزيز حضورها في مختلف المجالات مع العمل على تبنّي أفضل الأساليب الناجعة فيها، ليس في ظلّ جائحة كورونا فحسب، بل بعد انتهاء الجائحة أيضًا نظرًا لما يحمله التحوّل الرقمي من أهميّة وما يقدّم من قيم مضافةٍ لتسهيل وتسريع إنجاز الأعمال ورفع مستوى جودتها وتوفير تجربة أفضل للعميل في مختلف القطاعات.

وإذا كانت التحولات الرقمية تمسّ مختلف القطاعات والأعمال والمؤسسات، فإنّها في المقابل تختلف في مستوى أولويتها وأهميتها، حيث يبرز في هذا السياق الحديث عن التحولات الرقمية الكبرى، أي التحولات ذات الأولوية التي يمكن اختصارها بمربّع مكوّن من أربع زوايا رئيسية يحمل كلّ منها أهمية قصوى وهي: "التعليم والعمل والصحة والمعاملات».
فخلال فترة الجائحة مرت العملية التعليمية، التي تمثّل الزاوية الأولى للمربّع، بالكثير من التحديات المهمة، وتمثّلت أهم تلك التحديات بعدم وجود منصات متكاملة ومخصصة للتعليم عن بعد بسبب غياب الممارسة الفعلية لهذا النمط من التعليم مسبقًا، فضلًا عن عدم وجود استثمار حقيقي وممنهج لهذا المجال مما أدى لاستخدام مجموعة حلول مجتزأة وغير متخصصة تكوّن في مجملها حلا هجينًا من حيث استخدام عدة منصات اجتماعات عامة (team, Zoom (..,ووسائل التواصل الاجتماعي (WhatsApp, Facebook(.., والبريد الإلكتروني للتواصل مع الطلاب، بالإضافة إلى استخدام منصّة اليوتيوب وغيرها لتسجيل الحصص الدراسية على شكل فيديوهات وبثّها ليقوم الطلاب بمشاهدتها بوصفها بديلا عن العملية التعليمية التقليدية التي أُوقفت بفعل الجائحة.
ولعلّ أبرز ما يمكن ملاحظته على تجربة التعليم عن بعد هذه هو أنّ العملية التدريسية فيها جاءت غير سلسة، مما زاد الضغوطات الملقاة على الطالب وذويه بشكل كبير جدًا على النحو الذي اضطرهم لبذل جهد مضاعف من أجل اللحاق بركب الدروس اليومية، وكان الحل الأنجع هو وجود منصة متكاملة تمثل مدرسة أو جامعة افتراضية (Virtual School (بحيث تشمل غرفا صفية افتراضية (room class Virtual (يتوفر فيها مساحة مخصصة لكل طالب (Space Work (وتشتمل على المهمات المطلوبة منه وواجباته التي أتمها والمواضيع قيد الدراسة وكافة الأعمال اليومية التي يقوم بها الطلاب، بالاضافة إلى وسيلة مخصصة للدروس التفاعلية بين الطلبة ومعلميهم من ضمن المنصة وطريقة للتواصل المباشر بينهم.
وتكمن الأولوية هنا بتطوير منصات تعليمية احترافية للوصول إلى مدارس وجامعات رقمية متكاملة لضمان أفضل مستوى من التعليم الحديث بحيث ننتقل من التعليم التقليدي إلى تعليم مختلط (learning Blended (يتم فيه استخدام التقنية مما يقلل الكثير من تكاليف التعليم على الطالب، ويؤدي إلى زيادة عدد الطلبة المستفيدين من المحتوى الرقمي ذي الجودة العالية. وعلى الصعيد التنظيمي يتوجب تطوير السياسات التعليمية لتتواءم مع التطورات التقنية في التعليم، واعتماد هذا النوع من التعليم ضمن ضوابط واضحة ومحددة مسبقًا لكل مرحلة سواء أكان التعليم مدرسيًا أم جامعيًا، كما يتوجب عمل حوكمة للمنصات والتعليم الإلكتروني على النحو الذي يضمن جودة وكفاءة التعليم، وعدالة ومصداقية التقييم للطلبة، وهذه الأولوية هامة لرفع سوية التعليم وتغيير الأنماط السائدة.
أما فيما يتعلّق بالزاوية الثانية للمربع وهي العمل عن بعد، فقد برزت خلال فترة كورونا كثير من التحديات في قطاعات الأعمال لكثير من الشركات، إذ اضطرت الشركات للعمل عن بعد ولو بأقل الإمكانيات للحفاظ على سير أعمالها على الرغم من أن الكثير منها لا تمتلك أنظمة إلكترونية أو آليات أو خطوات معروفة مسبقا للعمل والتواصل عن بعد بين الموظفين، حيث كانت هذه الشركات تعتمد في عملها قبل الجائحة على تواجد الفريق في نفس المكان لإتمام الكثير من الأعمال على نحو تقليدي غير رقمي. وفي ظلّ الجائحة فقد وجدت تلك الشركات والمؤسسات أنفسها مضطرة إلى تغيير الأولويات وآليات العمل وتطوير القدرات الرقمية لموظفيها وتغيير أسلوب العمل التقليدي وبناء بيئة عمل افتراضية بشكل عاجل، حيث وقع جزء من حلول هذه التحديات على عاتق الشركات وجزء منها على عاتق الموظفين. وتكمن الفرصة هنا للمؤسسات والشركات المختلفة في بناء هيكلة جديدة لها (office Virtual (يكون فيها التركيز على تحقيق الأهداف والإنجاز دون أن يتطلّب ذلك من الموظف العمل بوقت محدد في مكان محدد، مما سيساعد على تقليل النفقات الرأسمالية والتي تشمل إنشاء العديد من الفروع، وتقليل التكاليف التشغليلة، وجدير بالملاحظة هنا أنّ هنالك كثيرًا من الشركات بدأت فعلياً خلال العقد الماضي بهذا النوع من العمل الذي أثبت كفاءته وفاعليته ضمن أطر معينة وحوكمة واضحة وبعد الالتزام بالخطط الواضحة لتحقيق الأهداف المنشودة.