الدستور
ومن نكدِ الدنيا على الحرِّ أن يرى عدواً له ما من صداقته بُدّ - المتنبي.
تُستَخدم عبارة «يا حليله» في اللهجات العربية المحلية، سواء الأردنية أو الفلسطينية أو الخليجية، للتعبير عن الشفقة واستشعار الضعف. واليوم يتردّد هذا التعبير على الألسن حين يُذكر اسم سمير حليلة، الذي بدأ يُطرح على نطاق واسع كمرشَّح محتمل لحكم غزة بعد انتهاء الإبادة، مستندًا إلى حالة اليأس الفلسطيني التي خلّفها القتل العبثي والتجويع. غير أنّ تداول اسمه يحمل دلالة واضحة: عجز الصهاينة عن إقناع العشائر، ومعارضي حماس، والدول العربية بتولّي هذه المهمة، بعد أن قرّروا، ومعهم الأمريكيون، تجاوز كلٍّ من السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا، وحركة حماس التي يُجمع العالم على رفض أي دور لها في حكم غزة.
من جانبها، أعلنت حركة حماس منذ زمن بعيد أنها لن تكون طرفًا في أي إدارة مستقبلية للقطاع، فيما تصرّ السلطة الفلسطينية على أن من حقها الطبيعي إدارة غزة باعتبارها السلطة الشرعية المعترف بها عربيًا ودوليًا. ولهذا أدانت ترشيح سمير حليلة، واعتبرته أمرًا مخزيًا يستهدف في جوهره فصل غزة عن الضفة الغربية، انسجامًا مع المخططات الصهيونية. كما جدّدت دعوتها إلى تشكيل لجنة تكنوقراط برئاستها لإدارة القطاع، بما يتماشى مع الخطة العربية التي أقرّتها جامعة الدول العربية هذا العام.
يظهر سمير حليلة، رجل الأعمال والمستشار الاقتصادي السابق للسلطة الفلسطينية والمقيم في الضفة الغربية، في مقابلات متكررة يروّج فيها لترشيحه، مشيرًا إلى أنّ إدارة بايدن قد أبدت تأييدها له، وبالمقدار نفسه تحظى خطوته بدعم إدارة ترامب التي تتماهى سياساتها مع سياسات الكيان في طمس الطموحات الوطنية الفلسطينية. ويؤكّد في هذه المقابلات أنّه سيقبل المنصب إذا كان مقرونًا بوقف دائم لإطلاق النار، والتوافق على الحدود والمناطق العازلة، إلى جانب توفير تمويل لإعادة إعمار غزة.
ويُذكر أنّ أول من طرح اسمه كان ضابط الموساد السابق آري مناشي، رئيس شركة ديكنز وماديسون للعلاقات العامة التي تعمل أيضًا كجماعة ضغط. ويقبع مناشي حاليًا في السجن بتهمة التهرّب الضريبي، غير أنه لعب دورًا في الترويج لترشيح حليلة داخل الإدارات الأمريكية، مستندًا إلى سجلٍّ حافل من العملاء يضم قادة ميليشيات، وجنرالات متمرّدين، وأثرياء حرب، وثوّارًا.
ويواجه حليلة منافسة من مرشحين آخرين لإدارة القطاع بعد الحرب، أبرزهم محمد دحلان، المنحدر من غزة، وناصر القدوة، وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق وابن شقيقة الراحل ياسر عرفات. ويتمتّع كلاهما باتصالات مع حركة حماس، فضلًا عن علاقات جيدة مع الكيان والولايات المتحدة.
وفيما يتعلّق بخطط التهجير، برز مؤخرًا دور دولة جنوب السودان الفقيرة والضعيفة؛ إذ زار وزير خارجيتها سماية كومبا الكيان الشهر الماضي، والتقى مجرم الحرب نتن ياهو وعددًا من المستوطنين في الضفة الغربية. وفي المقابل، قامت نائبة وزير الخارجية الصهيونية شارن هاسكل بزيارة إلى جنوب السودان، وقدّمت حكومة الاحتلال مساعدات سخية لها. هذا الغزل لا يحمل سوى دلالة واحدة: انخراط جنوب السودان في مخطّط التهجير، في محاولة لكسب ودّ إدارة ترامب، بعد أن أعلنت دول رفضها مثل إندونيسيا، وأوغندا، والصومال، وليبيا، وإثيوبيا استقبال الفلسطينيين.
ويبدو دور جنوب السودان اليوم كخيار بديل، بعد أن منحت فرنسا وكندا والولايات المتحدة بعض الغزيين تأشيرات إلى أراضيها، غير أنّ هؤلاء تعرّضوا لمضايقات متكرّرة من الصهاينة والمتطرّفين هناك، ثم من السلطات نفسها، بسبب تأييدهم لقضيتهم ومشاركتهم في المظاهرات، ونشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي الذي اعتُبر «معاداة للسامية». وبناءً على ذلك، قررت تلك الدول تقييد منح التأشيرات للفلسطينيين.
فهل سنرى السيد سمير حاكماً لغزة، وتصبح جنوب السودان وجهة الفلسطينيين القادمة؟
يا حليلة غزة!