عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2025

شكري الماضي يقدم خريطة فكرية واسعة في "الفكر الفلسفي اللساني"

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب لأستاذ نظرية الأدب والنقد المعاصر في الجامعة الأردنية، البروفسور الدكتور شكري عزيز الماضي، بعنوان "الفكر الفلسفي اللساني المعاصر (الألسنية البنيوية/ الألسنية والحوارية الاجتماعية)".
 
 
يضع الدكتور شكري عزيز الماضي القارئ أمام خريطة فكرية واسعة، تتقاطع فيها الرؤى اللسانية مع الفلسفة، وتتداخل المناهج حتى تكاد تكشف جوهر اللغة وطبائعها العميقة. إنه سفرٌ إلى قلب الأسئلة الأولى: كيف نفهم اللغة؟ وما الذي يجعلها أداة للتفكير، ومرآة للثقافة، وجسراً يصل الإنسان بالعالم؟
الكتاب جاء في ثلاثة فصول إضافة إلى تمهيد يتناول إضاءات حول الفكر الفلسفي اللساني المعاصر. ويتناول الفصل الأول أهمية الحقل اللغوي وأسئلته، فيما يوضح الفصل الثاني الألسنية البنيوية عند فرديناند دي سوسير، أمّا الفصل الثالث فيتناول الألسنية الحوارية الاجتماعية لدى ميخائيل باختين.
ويشير الماضي في مقدمة كتابه إلى أنّ عمله يختص بمناهج البحث في اللغة، ولذلك جاء عنوانه: "الفكر الفلسفي اللساني المعاصر". ويتوقف، بتفصيل، عند اتجاهين رئيسيين من اتجاهات هذا الفكر، هما: الألسنية البنيوية كما عند فرديناند دي سوسير، والألسنية الحوارية الاجتماعية كما لدى "ميخائيل باختين"، ويقدّم عرضاً مركزاً ومكثفاً لمحاور الاتجاهات الأخرى، ومفاهيم ومقولات فلاسفتها وعلمائها.
ويؤكد المؤلف أن الهدف من الكتاب هو تحقيق جملة من الأغراض المهمّة، من أبرزها: أولاً: بيان إمكانية النهوض بـ "البحث اللغوي العربي المعاصر"، الذي يعاني من أزمة حادّة تتمثل في "التبعية الاتباع معاً": تبعية زمانية للماضي، وتبعية مكانية للغرب. وينتج عن هاتين التبعيّتين معاً موقفان متناقضان؛ أولهما الانبهار بكل جديد وافد من الغرب بغضّ النظر عن قيمته أو ضرورته، و"الانبهار يعني انعدام الرؤية".
ايضا؛ التمسك بالتراث وإنجازات السلف ورفض الجديد تحت شعار "بِضاعتُنا رُدَّت إلينا"، وهي مقولة تُطرح بدعوى حماية الذات، وتصبح في الوقت نفسه، متّكأ يخفي العجز الراهن. وهذه المواقف لا تشخّص الأزمة بل تُكرّسها، بدلاً من ضبطها وتجاوزها.
ثانياً: بيان ماهية المنهج ومكوناته، وتأكيد أهميته وضرورته، لا بوصفه "طريقة"، أو "طريقا"، أو "خطة"، للوصول إلى الحقيقة، فذلك مفهوم عام ومجرّد، بل باعتباره رؤية جديدة متكاملة للظاهرة المدروسة/اللغة، رؤية تتألف من مجموعة من المفاهيم والتصورات والخبرات المتجانسة منطقياً، والأدوات والآليات والخطوات الإجرائية، وما تفرضه هذه الرؤية من مصطلحات جديدة تستند بالضرورة إلى أسس فلسفية.
ثالثاً: التأكيد على أهمية المناهج والنظريات الغربية وضرورة مواكبتها والإفادة منها، لا تبنّيها، ينبغي إبراز نسبيتها ومرونتها وقابليتها للمساءلة والشك والنقد، فحقائقها احتمالية.
والبحث اللغوي المنهجي بحث علمي، لكنه لا يفضي إلى حقائق نهائية، إذ إن المنهج رؤية قابلة للتعديل والتغيير والإضافة بفعل الزمن والتطور العلمي والثقافي والتحولات الاجتماعية والمعرفية والفلسفية. وشأن المنهج هنا شأن البناء العلمي الكوني الذي يشهد دوماً مثل هذه التغيرات والتعديلات.
رابعاً: يطمح هذا الكتاب إلى إثارة الأسئلة التي تدفع إلى فهم حديث ومعاصر للغة، والوصول إلى مفاهيم وتصورات وحقائق لغوية جديدة من خلال استخلاص الإنجازات البارزة في التراث اللغوي العربي والفاعلة حتى اليوم، وعدّ هذه الإنجازات أساساً يمكن البناء عليه، إضافة إلى مواكبة وتمثّل الرؤى والمفاهيم المعاصرة.
الكتاب تضمّن ملاحظات نقدية لعلماء كبار وفلاسفة ذوي مواقف ورؤى متباينة، وأعقب ذلك بعرض موجز لطريقة استقبال نظرية دي سوسير في الدرس اللغوي الأكاديمي العربي.
وأشار المؤلف إلى أن الكتاب قد يبدو للمتخصصين في الدراسات اللغوية بحثاً يتناول قضايا صعبة، لكنه صاغه بأسلوب واضح ومبسّط، وجعله في متناول الجمهور العريض من المثقفين والمهتمين. كما يبيّن اهتمامه الخاص بقضية المصطلحات، التي تُعد من أعقد قضايا الثقافة العربية المعاصرة.
ويؤكد أنه انطلق من قناعة بأن تجاوز أزمة المنهج التي نواجهها على الأصعدة اللغوية والنقدية والفكرية والعلمية والفلسفية والسياسية لن يتحقق ما لم يشارك المجتمع بكل قواه وشرائحه في التفكير فيها والبحث عن سبل تخطيها.
في التمهيد يوضح المؤلف معنى "الفكر الفلسفي اللساني المعاصر"، يقول هو "حركة علمية عالمية اهتمت بصورة رئيسية بدراسة اللغة والبحث في طبيعتها وماهيتها، وقضاياها وتفاعلاتها "الذاتية والموضوعية، الداخلية والخارجية"، وأبعادها وعلاقاتها. وقد ضمّت هذه الحركة علماء لغة وفلاسفة ومفكرين، وامتلكت – أو جسّدت– رؤية جديدة متكاملة للغة والإنسان والعالم، مكنتها من تقديم نظريات لغوية جديدة ومتنوعة، ودراسات وبحوث لغوية علمية منهجية.
وبفضل هذه الرؤية المتكاملة ومنظورها الفلسفي، أصبح البحث اللغوي بحثاً علمياً مستقلاً لأول مرة على الصعيد العالمي، بعد أن كان يعتمد على المنطق والفلسفة والتاريخ والمقارنة وعلم النفس وعلم الاجتماع. فأصبح علماً قائماً بذاته يوازي العلوم الإنسانية والاجتماعية.
والبحث اللغوي، يمتلك رؤيته ومادته وموضوعه الخاص (اللغة) وقضاياه ومصطلحاته وأهدافه وأسئلته، إضافة إلى منظوره الفلسفي، الذي يعامل اللغة بوصفها كلاً، فالفلسفة تبحث في جواهر الأشياء وتبرز الشروط والمواصفات والقوانين التي تجعلها لغة.
 يتضح مما تقدّم أن الكتاب لا يهدف إلى تقديم عرض تاريخي للفكر الفلسفي اللساني المعاصر، بل يعتمد بصورة رئيسية على تحليل عام لخطوط الكبرى للفكر الفلسفي اللساني المعاصر، من خلال مواقف أعلامه الكبار ومفاهيمهم الجديدة للغة، ومن خلال الوقوف المفصّل عند اتجاهين رئيسيين من اتجاهاته المتنوعة، هما: "الألسنية البنيوية"، "الألسنية الحوارية الاجتماعية"، اللذان يحتلان مكانة بارزة في هذا الفكر الفلسفي اللساني المعاصر من حيث الجِدّة والعمق والحضور العالمي والتأثير.