عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Jun-2022

لماذا انسحب التيار الصدري من العملية السياسية العراقية؟

 الغد-مهند فارس – (معهد واشنطن) 23/6/2022

 
قد تؤدي حالة الجمود السياسي التي يشهدها العراق مؤخرا إلى انهيار كامل لمؤسساته السياسية، وربما يدفع ذلك المجتمع الدولي إلى التدخل إذا أخفق الفاعلون السياسيون المحليون.
 
* *
تصاعدت وتيرة الأزمة السياسية المستمرة في العراق. فعلى الرغم من مرور أكثر من ثمانية أشهر على إغلاق صناديق الانتخابات التشريعية في البلاد، ما يزال الصراع السياسي في أوجه نتيجة فشل الكتل السياسية في تشكيل حكومة. ونتيجة لذلك، أدخلت حالة الانسداد السياسي المستمرة البلاد في أزمات عدة، كان آخرها استقالة جميع النواب التابعين للكتلة الصدرية الفائزة بالأغلبية النيابية. ومن الجدير ملاحظة أن تلك الاستقالة تمت بناءً على توجيهات زعيم الكتلة، رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، التي وجهها إلى رئيس كتلته في البرلمان حسين العذاري، واستجاب إليها جميع أعضاء التيار الصدري البالغ عددهم 73 نائباً. واستنادا إلى قانون الانتخابات العراقي للعام 2020، فإن مقاعد النواب المستقيلين ستؤول الى بدائلهم الذين تحددهم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بحسب عدد أصواتهم ضمن دوائرهم الانتخابية.
ومع ذلك، أثارت تلك الاستقالات الكثير من الجدل القانوني؛ حيث يرى الباحث القانوني علي جابر التميمي، أنه على الرغم من موافقة البرلمان على طلبات الاستقالة، إلا أنها تظل ناقصة الأركان، حيث لم يليها إصدار أي أمر نيابي يوثق هذه الاستقالات، كما لم يتم مفاتحة مفوضية الانتخابات بخصوص تحديد النواب البدلاء، وفق المادة 15 من قانون الانتخابات رقم 9 للعام 2020، واستدعائهم من أجل أداء اليمين الدستوري.
عبر الصدر عن دوافعه الكامنة خلف هذا القرار عبر حساب صالح محمد العراقي، المعروف بـ”وزير القائد”. وقد نشر في 12 حزيران (يونيو) تغريدة بخط يد مقتدى الصدر، تشرح أن قراره ينبع من رغبته في تخليص الشعب من المصير المجهول الناتج عن استمرار حالة الصراع السياسي. كما ذكر الصدر خلال لقائه أعضاء الكتلة الصدرية في النجف أن قراره بالانسحاب من العملية السياسية جاء “لكي لا أشترك مع الفاسدين بأي صورة من الصور…”. وأضاف: “أريد أن أخبركم، في الانتخابات المقبلة لن أشارك بوجود الفاسدين، وهذا عهد بيني وبين الله وبيني وبينكم ومع شعبي”. وعلى الرغم مما يدعيه هذا البيان، فإن هناك احتمالات أخرى قد تكون الدافع الحقيقي وراء قرار الصدر المفاجئ بالانسحاب من العملية السياسية.
إن انسحاب الصدريين من العملية السياسة قد يكون نابعا من رغبتهم في إبراز وجودهم السياسي، وتأكيد فشل السياسيين في تشكيل حكومة قوية بعيداً عن تيارهم، ودفعهم في ما بعد إلى مطالبة الصدر بالعودة الى الواجهة السياسية. ويستند هذا الرأي إلى ما تؤكده المصادر من أن انسحاب نواب التيار الصدري ولد خلافات حادة داخل الإطار التنسيقي الشيعي -تحديداً بين زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، وزعيم تحالف الفتح، هادي العامري. ويرى المالكي ضرورة تقبل قرار الصدر والمضي قدما نحو تشكيل الحكومة، في حين يعتقد العامري بوجوب ثني الصدر عن قراره وإعادته الى العملية السياسية من خلال إرسال وفد للتفاوض معه في الحنانة، حيث مقر إقامة مقتدى الصدر في محافظة النجف.
قد يكون قرار الصدر أيضا مجرد مناورة سياسية تمت بالاتفاق مع حلفائه، لا سيما وأنه من غير الممكن استدعاء النواب البدلاء حالياً، أو تحديدهم، أو إصدار أي قرار نيابي، نظراً إلى دخول البرلمان في عطلته التشريعية التي ستستمر حتى بداية شهر تموز (يوليو) المقبل. كما أن الموافقة السريعة لحليف الصدر الأبرز ورئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، على قرار استقالة أعضاء التيار الصدري، تبرر الادعاء بأن هناك اتفاقاً مسبقاً بين الصدر وحلفائه. أضف إلى ذلك ردة الفعل الباردة التي أبداها باقي حلفائه في تحالف “إنقاذ وطن” على قرار الصدر، إذ أصدروا جميعاً تغريدات متشابهة عبروا فيها عن احترامهم للقرار، وهو ما يبدو واضحاً في تغريدتي رئيس “تحالف السيادة”، خميس الخنجر، وزعيم “الحزب الوطني الكردستاني”، مسعود برزاني. وليس هذا النوع من المناورات جديدا على تيار الصدر، حيث أعلن التيار في العام الماضي الامتناع عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة التي عقدت في تشرين الأول (أكتوبر)، إلا أنه في ما بعد تراجع عن القرار وشارك في العملية الانتخابية.
وهناك احتمال آخر يفسر الدافع الرئيسي وراء قرار الصدر، هو أن يكون انسحاب الصدريين من العملية السياسية ناتجاً عن إدراكهم فشلها المحتوم، ورغبة الصدر في حماية تياره من هذه الوصمة المحيقة والاستعداد لاحتمال حل البرلمان وبدء انتخابات برلمانية جديدة. وعلى الرغم من أن احتمالية حل البرلمان كانت مستبعدة، بالنظر إلى رفض الإطار التنسيقي المجازفة بهذا الأمر بعد خسارته خلال الانتخابات الأخيرة، فإنها عادت إلى الواجهة بعد انسحاب الصدر، ونجاحه في تعبئة وتأجيج الشارع.
وفي الحقيقة، كانت للصدر سوابق سياسية في تعبئة الشارع العراقي، حيث قاد تظاهرات شعبية ضد حكومة حيدر العبادي في العام 2016 واقتحم أنصاره المنطقة الخضراء. كما أنه أسهم بشكل كبير في الاحتجاجات الشعبية خلال العام 2019، بغض النظر عن طبيعة وكيفية مساهمته.
مع كل هذه الاحتمالات، من الصعب التنبؤ بخطوة الصدر القادمة نظراً إلى تناقضاته الكثيرة السابقة، إضافة الى خطواته السياسية المفاجئة التي تزيد من صعوبة توقع خطوته التالية. لكن الشيء الثابت هو أن انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية لن يصب في مصلحة الإطار التنسيقي. وقد أدرك الإطار بدوره ذلك، حيث تبدو محاولاته للتساهل مع باقي الكتل ومثل إعلان لرغبته في تشكيل حكومة مكونة من المستقلين.
ومع ذلك، فإن ماضي الإطار التنسيقي السابق المليء بالتناقضات يعطل قدرته على حشد الدعم الشعبي والسياسي لطموحه بتشكيل الحكومة. وفي ظل هذا الوضع، فإن احتمال تطور حالة الانسداد السياسي إلى انهيار مؤسساتي شامل سيضع الدولة على منحدر زلق قد يكون الخروج منه صعباً، وربما يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل المباشر من أجل حل الأزمة بعد أن فشل السياسيون في حلها داخلياً.
*مهند فارس: كاتب وصحفي عراقي وأحد المساهمين في “منتدى فكرة” التابع للمعهد.