الإخاء المسيحي–الإسلامي في الأردن وفلسطين: نموذج التاريخ والحضارة*علي ابو حبلة
الدستور
يشكّل الملك عبد الله الثاني رمزًا للإخاء الإسلامي–المسيحي في الأردن والمنطقة، مؤكّدًا باستمرار على أهمية التعايش المشترك وحماية المقدسات، من خلال لقاءاته بالقيادات الدينية وتهنئته بالأعياد، فضلاً عن دوره في الحفاظ على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس. هذا الالتزام يعكس التمسك الهاشمي بتعزيز التسامح الديني ومواجهة التطرف، وتجسيد الإسلام الوسطي الذي يدعو إلى الحب والتآخي.
أبرز مظاهر هذا الإخاء تتجلى في التأكيد على مكانة الأردن كنموذج فريد للتعايش بين المسلمين والمسيحيين، والاستمرار في دور الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، واللقاءات الدورية مع القيادات الدينية الفلسطينية والأردنية، والدعوة الواضحة لرفض الفكر المتطرف، وتأكيد صورة الإسلام السمحة.
على المستوى التاريخي الفلسطيني، يُعدّ الوجود المسيحي أحد أعمدة الهوية الوطنية والحضارية، منذ القرون الأولى للميلاد، حيث تركز حضوره في القدس والناصرة وبيت لحم، وساهم بشكل فاعل في بناء النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي، متجاوزًا الانتماء الديني نحو شراكة أصيلة في الأرض والمصير. وقد شكّلت العهدة العمرية الصادرة عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عام 637م نموذجًا متقدمًا لإدارة التعددية الدينية، ضامنةً حماية الكنائس والأديرة والممتلكات، وصون حرية العبادة، ومؤسّسةً لعلاقة تعايش وشراكة مستمرة.
امتدت هذه المسؤولية التاريخية إلى الوصاية الهاشمية الأردنية على المقدسات في القدس، والتي توفر حماية سياسية ودينية وقانونية للوجود المسيحي، وتصون الكنائس والأوقاف من محاولات التهويد والاستيلاء، وتدافع عن حقوق المسيحيين في المحافل الدولية، بما يعزز صمود القدس وأهلها من المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
ساهم المسيحيون الفلسطينيون قبل النكبة في النهضة العربية الحديثة، من خلال التعليم والثقافة والصحافة والاقتصاد، ليكونوا قاعدة فكرية ومهنية ساعدت في بناء مجتمع فلسطيني حضري متماسك. ومع النكبة عام 1948 واحتلال القدس عام 1967، تعرّضوا للتهجير القسري وفقدان الأملاك، ومحاولات إسرائيلية لخلق هوية مسيحية مصطنعة تهدف إلى تفتيت المجتمع الفلسطيني، بينما بقي المسيحيون جزءًا صلبًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، مسهمين في الفكر السياسي والمقاومة، وداعمًا لوحدة الشعب الفلسطيني أمام الاحتلال.
من منظور القانون الدولي، تُعدّ السياسات الإسرائيلية تجاه الوجود المسيحي انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة ونظام المحكمة الجنائية الدولية، بما يشمل التهجير غير المباشر وتغيير الطابع الديني والثقافي للمدينة والاستيلاء على الأملاك، ما يوفر إطارًا قانونيًا لدعم الدبلوماسية الفلسطينية والكنسية في حماية الوجود المسيحي.
إن الإخاء المسيحي–الإسلامي ليس شعارًا بل واقع تاريخي، جسّدته العهدة العمرية، وعززته الوصاية الهاشمية، ويتجلى اليوم في وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة مشروع استعماري واحد يستهدف الجميع. وتتطلب مواجهة محاولات التهويد استراتيجية وطنية متكاملة تشمل حماية الأوقاف، دعم صمود المجتمعات المسيحية، تفعيل الوصاية الهاشمية والدور العربي، تعزيز الدبلوماسية الكنسية، وتكريس خطاب وطني جامع يعكس أصالة الوجود المسيحي ودوره في صون الهوية والحضارة.
يبقى الوجود المسيحي في فلسطين شاهدًا حيًا على عمق التاريخ ووحدة الشعب، وركنًا ثابتًا في معركة الدفاع عن القدس وفلسطين، مؤكدًا أن التعايش المشترك ليس خيارًا بل إرثًا حضاريًا وقوة وطنية.