الغد-آلاء مظهر
في وقت يحقق فيه الأردن تقدماً متواصلاً للعام الثالث على التوالي في مؤشر المعرفة العالمي لعام 2025، تبرز على الساحة تساؤلات جوهرية حول كيفية البناء على هذا الإنجاز؟
وفي هذا النطاق، يرى خبراء في التربية عبر تصريحات منفصلة لـ"الغد"، أن ما أحرزه الاردن من تقدم في مؤشر المعرفة العالمي، يشكل إنجازا مهمًا يعكس التزاما استراتيجيا حقيقيا، فالتقدم المتواصل على مدى ثلاثة أعوام متتالية، يدل على أن هناك استراتيجية وطنية، تسعى لإرساء منظومة المعرفة في المملكة.
ولفتوا إلى أهمية تبني استراتيجيات تعتمد على تحسين الأبعاد الرئيسة التي يجري قياسها في التقرير، وذلك بتحسين منظومة التعليم والتدريب، لتواكب التطورات العلمية والتكنولوجية، والتركيز على التعليم المهني والتقني، والمهارات التي يتطلبها الاقتصاد المعرفي.
وأوضحوا أن البناء على هذا الإنجاز، يكون عبر تخطيط شامل، وإدراج المؤشر ونتائجه ضمن الخطط التربوية والتعليمية الاستراتيجية، باعتباره أولوية وطنية، مشيرين إلى أن النتائج التي تحققت في المؤشر، تمنح انطباعًا واضحًا بأن رؤية التحديث الاقتصادي بما تحمله من أهداف وخطط، تسير في الاتجاه الصحيح، لا سيما بشأن بناء منظومة معرفية متكاملة وتطويرها، وتوظيفها في الحياة العامة.
وكان الأردن حقق تقدما جديدًا للعام الثالث على التوالي في مؤشر المعرفة العالمي 2025، ليصل إلى المرتبة 73 من بين 195 دولة، مقارنة بالمرتبة 88 من أصل 141 العام الماضي، والمرتبة 97 من أصل 133 دولة في سابقه.
وبحسب التقرير السنوي لعام 2025 لسير العمل في البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي 2023– 2025، والمتضمن تنفيذ خطط عمل لتحسين ترتيب الأردن في عدة مؤشرات دولية، اعتمدت الحكومة خطة عمل، تسعى لتحسين مرتبة الأردن في التقرير من قبل لجنة التحديث الاقتصادي وفي إطار الجهات الوطنية المعنية بهذا المؤشر.
ويعكس هذا التقدم، الالتزام الراسخ بتطوير منظومة المعرفة محليا، وتعزيز تنافسيته في المؤشرات الدولية ضمن جهود تحقيق أهداف ومستهدفات رؤية التحديث، الهادفة لتعزيز الاقتصاد المعرفي، القائم على الإبداع والتكنولوجيا.
دعامة لإرساء التحديث والتنمية
الخبير التربوي د. محمد أبوغزلة، قال إن تقرير المؤشر الذي يصدر سنوياً عن مبادرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، يعتبر أداة مرجعية دولية لقياس وتقييم مستوى المعرفة في دول العالم، عبر منظومة متكاملة من المؤشرات القطاعية والفرعية، لافتا إلى أنه لا يكتفي برصد البيانات، بل يقدم رؤى قائمة على الأدلة لتوجيه السياسات وصياغة مسارات العمل.
وأضاف أبوغزلة، أن المؤشر يكتسب أهمية خاصة للأردن، إذ يشكل دعامة أساسية لجهودها بإرساء مسار التحديث والتنمية القائمة على المعرفة، بما يتماشى مع رؤية التحديث 2033 وعبر منهجية شمولية، تغطي التعليم بمختلف مراحله، والبحث والابتكار، والاقتصاد، والتكنولوجيا، بالإضافة للبيئة التمكينية، كما يوفر إطاراً موضوعيا، يمكن عبره تقييم أداء الأردن في المجالات المعرفية ومقارنته بدول أخرى.
وبين أن أهمية المؤشر، تكمن في دعمه للتخطيط الاستراتيجي، إذ يتيح لصانعي السياسات والجهات الحكومية تحديد نقاط القوة والضعف في المنظومة المعرفية الوطنية، ورصد التقدم المحقق في محاور التعليم والبنية التحتية التكنولوجية، وتوجيه الاستثمارات والبرامج الوطنية، بما يعزز تنافسية الاقتصاد.
ويعد التقرير، بحسب أبو غزلة بمؤشراته القطاعية والفرعية المتعلقة بالقطاعات التي يستهدفها، بخاصة مؤشرات قطاع التعليم، أداة حيوية لتطوير التعليم على مستوياته، ما يساعد بتوجيه السياسات التعليمية، وبيئاتها، وتحسين المناهج الدراسية بتركيزها على المهارات، وتنويع التخصصات، وأساليب التدريس وتوظيف وسائل التكنولوجيا، وذلك في ظل انتشار وسائل وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتدريب المعلمين واستراتيجيات وأساليب وأدوات التقييم وغيرها.
كما يسهم التقرير، بتعزيز مدخلات التعليم الجامعي، عبر قياس أداء الجامعات العالمية وتوجيهها نحو تبني استراتيجيات تعليمية مبتكرة، وتطوير برامج دراسات أكاديمية، تتوافق مع احتياجات سوق العمل، كما تمكن نتائجه، الجامعات من ترسيخ برامجها التعليمية، باستخدام التقنيات ومنهجيات التعليم الحديثين، وفقه.
وأكد أبو غزلة، أن الاردن حقق قفزة في ترتيب الدول المشاركة بالمؤشر؛ فحلّ في التصنيف العام في المرتبة (73) من أصل (195) دولة، بعد أن كان في المرتبة (88) من أصل (141) دولة في عام (2024). وكان مؤشر المعرفة الكلي (44)، أما في مؤشراته الـ5 الفرعية، فحقق الأردن في مؤشر التعليم قبل الجامعي (56.3)، وكان المؤشر العالمي (55)، وفي مؤشر التعليم التقني المهني والتعليم العالي حقق (40.5)، والمؤشر العالمي (44). وفي مؤشر البحث والتطوير والابتكار (21.3)، والمؤشر العالمي (19)، وفي مؤشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (36)، والمؤشر العالمي (37). وفي مؤشر الاقتصاد (39.5)، والمؤشر العالمي (41)، وفي مؤشر البيئة والمجتمع والحوكمة (53.8)، والمؤشر العالمي (50)، وقد جاءت الإمارات في المرتبة الأولى عربيًا من بين (22) دولة عربية مشاركة في جميع هذه المؤشرات، تلتها السعودية، ثم قطر والبحرين، والأردن الخامس عربيًا من بين (22) دولة عربية مشاركة بما فيها جيبوتي.
الكرة في مرمى صناع القرار
ورأى انه وفي ضوء هذه الشمولية للنتائج والمقارنات، تصبح الكرة في مرمى صناع القرار في الدولة وفي وزارة التربية والتعليم بخاصة، لتحديد الفجوات، وصياغة سياسات مستندة على الأدلة، ترتقي بالإنتاجية والتنافسية عبر المقارنات الدولية التي يوفرها المؤشر، ليعطي الصورة الكلية عن موقع الدولة ضمن المشهد العالمي للمعرفة، ولمؤشر التعليم قبل الجامعي، ورصد الاتجاهات التنموية في خطة الرؤية الاقتصادية والخطط المنبثقة عنها لتطوير التعليم، وبناء مجتمع أكثر ابتكارا واستدامة وكفاءة بتوظيف رأس المال البشري والمعرفي.
وأشار إلى أن الأردن مصنف وفق هذا التقرير، ضمن مجموعة مؤشر التنمية البشرية المرتفعة، وبالتالي يجب وضع خريطة طريق للتقدم في صياغة استراتيجيات التفكير الاستباقي لدعم المعرفة وتعزيزها في التعليم وغيرها من المجالات، باعتبارها عنصرا رئيسا في بناء اقتصاد معرفي قوي مع ضمان التنمية المستدامة.
وأكد أبو غزلة، أهمية السعي للبناء على هذا التحسن، بتحليل الأسباب والتحديات التي أشار إليها التقرير، ومنها وجود سياسات وممارسات تشجع على التجارة الإلكترونية وليس فرض ضرائب عليها، وإلى نسب البطالة بين الشباب الحاصل على تعليم متقدم، وعن نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة مقارنة بالذكور.
وأضاف أبو غزلة، إنه بالنظر لهذه الأسباب أو التحديات التي تؤثر على تحقيق نتائج متقدمة، فنحن بجاحة لمزيد من التحليل للنتائج، ووضع حلول لها، ومراجعة السياسات والخطط التحسينية، بالتعاون مع كل الوزارات والمنظمات الدولية التي تجمع مثل هذه البيانات.
كما يمكن للأردن، وفقه، تحسين نتائج المؤشرات الرئيسة والفرعية للقطاعات التي تضمنها تقرير المعرفة، والبناء على ما جرى من تحسن، عن طريق تبني عدة إستراتيجيات، تعتمد على تحسين الأبعاد الرئيسة التي يجري قياسها في التقرير، كالتعليم والبحث والتطوير والتكنولوجيا والأداء الاقتصادي والابتكار، والبيئة التمكينية والمجتمع والحوكمة، وتحسين منظومة التعليم والتدريب في مراحل التعليم العام والعالي.
ولفت أبو غزلة، لضرورة التركيز على التعليم المهني والتقني عن طريق مشروع "بيتك"، لإعداد الشباب لدخول سوق العمل، وتعزيز ما يتطلبه الاقتصاد المعرفي من مهارات، وتطوير البنية التحتية الرقمية، لتيسير الوصول للإنترنت عالي السرعة، واستخدام التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي، وتطوير منصات التعلم الرقمي لزيادة الوصول للتعليم، وتطوير التعلم الذاتي والبحث العلمي والابتكار، وزيادة الإنفاق والاستثمار والتعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية، واحتضان الجامعات للشركات الناشئة والمبدعين والباحثين في الخارج، وتشجيع عودة العقول الأردنية المهاجرة، واستثمارها للمساهمة بالتنمية، والتعاون مع القطاع الخاص لتوفير التمويل، لدعم المشاريع الابتكارية، كتحسين خدمات البنية التحتية التمكينية، والتركيز على مشاريع الاستدامة، ما يساعد على تحسين الاقتصاد وجودة الحياة ودعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
تطوير التعليم والبحث والابتكار
بدوره، قال الخبير التربوي فيصل تايه، إن ما احرزه الاردن في مؤشر المعرفة العالمي، إنجاز يعكس التزاما استراتيجيا حقيقيا، فالتقدم المتواصل طوال ثلاثة أعوام متتالية، يدل على وجود استراتيجية وطنية، تسعى لإرساء منظومة المعرفة في المملكة. مضيفا أن ما قامت به الحكومة عبر لجنة التحديث، هو خطة عمل تنفيذية لمعالجة مؤشرات المعرفة، ويظهر رغبة حقيقية بتطوير التعليم والبحث والابتكار، وليس مجرد تحسين ترتيب إحصائي، لافتا إلى أن ذلك يعكس فهمًا عميقا بأن المعرفة والتعليم، ليسا مجرد وجه من وجوه التنمية، بل يشكلان المحور المركزي لبنية الاقتصاد المعرفي الذي تسعى رؤية التحديث لتحقيقه.
وأوضح تايه أن هذا التقدم يشير أيضا لتحسن محتمل بجودة التعليم قبل الجامعي أو الجامعي أو المهني، فالجهود التي بذلت في هذا الجانب، لم تقتصر على توسيع الوصول للتعليم، بل امتدت للتركيز على جودة المناهج، وتدريب المعلمين، وتطوير البنية التحتية التعليمية، كما أن الاهتمام المتزايد بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بهذا المؤشر، يدل على أن الأردن يولي أهمية كبيرة للتعليم الرقمي، وهو عنصر أساسي لإعداد جيل قادر على مواكبة متطلبات الاقتصاد المعرفي.
وأشار إلى أن التقدم في مؤشرات البحث والتطوير، يمكنه أن يعكس زيادة في براءات الاختراع والمشاريع البحثية، وتعزيز الربط بين الجامعات والصناعة، كما يشير إلى أن الجامعات ومراكز البحث بدأت تستثمر بشكل أكبر في التميز البحثي، وهو ما يجب دعمه ومتابعته لضمان استدامته. لافتا إلى أن التقدم في المؤشر لا يقتصر على المعرفة الأكاديمية فقط، بل يمتد إلى القدرة على تحويلها إلى قيمة اقتصادية بالابتكار وريادة الأعمال والتكنولوجيا.
وأوضح تايه، أن هناك خطوات يمكن تبنيها لتعزيز التقدم وتحويله لنتائج ملموسة، متمثلة بتعزيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص، عبر إقامة برامج بحثية مشتركة، وحاضنات للشركات الناشئة، ومشاريع ابتكارية، مع توفير حوافز ضريبية وتمويلية لتطبيق نتائج البحث، إذ يتطلب الأمر مراجعة وتطوير المناهج التعليمية لدمج مهارات القرن الـ21 كالتفكير النقدي، والتعلم الذاتي، وريادة الأعمال، ومهارات تكنولوجيا المعلومات، وتدريب المعلمين على أساليب حديثة تتضمن التعلم القائم على المشاريع، والرقمي، والتعاوني.
ودعا لتقوية البنية التحتية الرقمية في التعليم، عبر الاستثمار في شبكة الإنترنت عالية السرعة بالمدارس، وتوفير الأدوات الرقمية للطلبة والمعلمين، وتمكينهم من استخدامها، وتطوير نظام الابتكار والبحث العلمي، وتخصيص ميزانيات أكبر للجامعات ومراكز البحث.
واكد تايه على ضرورة متابعة وتقييم الأداء عبر بيانات محلية دقيقة، وتحسين جمع البيانات الوطنية المتعلقة بالتعليم والبحث والابتكار وتكنولوجيا المعلومات، وإنشاء وحدة وطنية مختصة بـ"المعرفة والتنمية" في الأجهزة الحكومية، مسؤولة عن متابعة تنفيذ خطة التحديث المرتبطة بمؤشر المعرفة، وتعزيز الثقافة المعرفية في المجتمع، وإطلاق حملات توعية والتشجيع على القراءة والبحث والابتكار والتعليم مدى الحياة، مع دعم مبادرات مجتمعية ومعرفية كالنوادي العلمية والمجمعات التكنولوجية والمراكز المفتوحة للتعلم، لتعزيز المشاركة الشعبية في الاقتصاد المعرفي.
تحول التعليم نحو اقتصاد معرفي
من جانبه، قال الخبير التربوي عايش النوايسة، إن التقدم الذي حققه الأردن في المؤشر، يُسجَّل للحكومة ووزارة التربية، وقد تحقق هذا التقدم، بربط الأنشطة التعليمية بخطة التحديث الاقتصادي، التي تضمنت مجموعة برامج ومنهجيات تدعم تحول التعليم نحو اقتصاد معرفي، وتعزيز التعلم الرقمي بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية وسوق العمل، وهذا يسهم بهذا التقدم في قطاع التعليم، ما يدل على وجود أنشطة وجهود تكاملية نفذتها الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة التربية.
وأشار إلى أن ربط مؤشر المعرفة بخطة وطنية شاملة، تضم مؤسسات التعليم المدرسي والجامعي، سيُحقق فائدة كبيرة بتعزيز البناء المعرفي والاستثمار به، خصوصًا في ظل التطور التقني والرقمي المتسارع، ما سيُسهم بتحقيق تقدم أكبر في السنوات المقبلة، ويُعزز الثقة برؤية التحديث، مبينا أن النتائج التي تحققت في المؤشر، تمنح انطباعًا واضحًا بأن رؤية التحديث، بما تحمله من أهداف وخطط تسير في الاتجاه الصحيح، بخاصة بشأن بناء منظومة معرفية متكاملة، وتطويرها، وتوظيفها في الحياة العامة.
وأشار النوايسة إلى أن البناء على هذا الإنجاز، يجري عبر تخطيط شامل وإدراج المؤشر ونتائجه ضمن الخطط التربوية والتعليمية الاستراتيجية، باعتباره أولوية وطنية كما يتطلب الأمر، اختيار الأنشطة التي تعزز الاستثمار المستمر في المعرفة، والتغلب على التحديات والصعوبات ومقاومة التغيير.