عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Feb-2019

فـيـتـامـيـن «نـو » - د. صلاح جرّار

 الراي - لفت البروفيسور جون روزموند، عالم نفس العائلة والأستاذ في جامعة براغر Prager الأمريكية، النظر إلى ما يعرف بمرض اشباع الرغبات لدى الأطفال، بحيث يحصل الطفل على كلّ ما يرغب فيه وما يطلبه من والديه سعياً منهم إلى إسعاده.

غير أن البروفيسور روزموند يرى أنّ ما يفعله الآباء في هذه الحالة يلحق ضرراً بالغاً بأبنائهم، لأنّ الطفل كلّما أعطي أكثر طلب أكثر حتى يصبح مدمناً على طلب الأشياء، وعندما يكبر فسوف يعامل أبناءه المعاملة ذاتها، ومعنى ذلك أنّ هذا المرض يصبح وراثياً ينتقل من جيل إلى جيل.
وينبه البروفيسور روزموند على نتيجة خطيرة من جرّاء هذا السلوك الأبويّ الخاطئ، وهي أنّه يؤدّي إلى إضعاف القدرات العقلية لدى الطفل خلال مراحل نموّه، لأنّه يرى نفسه غير مضطرّ لعمل أيّ شيء أو للتضحية من أجل تحقيق أيّ رغبة من رغباته، ويحصل على كلّ شيء مقابل عمل لا شيء، فيبقى عقله بليداً لا إبداع لديه في شيء. وما دام الطفل يحصل على الأشياء بسهولة بالغة فإنّه يفرّط فيها بسهولة أيضاً ولا يعود يهتم بالأشياء التي يمتلكها. ومع ذلك فإنّ هذا لن يحقّق للأطفال السعادة التي يسعى إليها آباؤهم، بل يصبح الأطفال أنانيين ومزاجيين ونكدين وجافين عاطفياً فيشكّلون عبئاً ثقيلاً على آبائهم.
ولذلك، يرى البروفيسور روزموند اتّباع مبدأ الحرمان الحميد للوقاية من مرض إشباع الرغبات، ويطلق على هذا العلاج اسم «فيتامين نو» أي عدم تلبية طلبات الأطفال جميعها، وأن يسمع الأطفال كلمة (لا) أكثر من سماعهم كلمة (نعم) ويقترح أن تكون نسبة (نعم) 25% فقط من طلبات الأطفال، لأنّ هذا الفيتامين ضروري لنموّ الطفل وسلامته العقلية، لأنّ حاجة الطفل إلى تحقيق رغباته تدفعه إلى العمل والتضحية والتفكير والإبداع، ولا بدّ للأطفال أن يتعلّموا أنّ العمل وبذل الجهد هي السبيل الوحيدة للحصول على الأشياء، وهذا يدفعهم إلى اكتساب المهارات المختلفة.
إنّ ما ينطبق على الأطفال وضرورة حرمانهم من بعض ما يطلبون الحصول عليه دون أي جهد أو مقابل، ينسحب أيضاً على الشعوب والجماعات، فالشعوب التي تنال جميع متطلبات الرفاهية دون أن يبذلوا أي جهد، هي في أغلب الأحيان شعوبٌ غير منتجة وليس لديها إبداعٌ، وتعتمد في حياتها على الاستيراد والاستهلاك، وتتسم بالإسراف والتبذير والاهتمام بالمظاهر، ويصاب كثير من أبنائها بالمزاجيّة والنكد والتعالي على الناس والجفاف العاطفي.
ولذلك، فإنني أنصح في التعامل مع تلك الشعوب بما ينصح به البروفيسور روزموند في التعامل مع الأطفال، من اتباع سياسة الحرمان الحميد، وأن يكون ما يعطى لأبناء الشعوب مقابل عملٍ يؤدونه أو جهد يقومون به، وبذلك تنمو قدراتهم ويكتسبون مهارات يستفيدون منها وتنطلق طاقاتهم الإبداعية وتصحّ عقولهم ونفسياتهم.
salahjarrar@hotmail.com