عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Sep-2025

العقلية الاستعمارية*إسماعيل الشريف

 الدستور

الولايات المتحدة لا تملك الحق ولا القدرة على تحديد من يجب أن يقود الفلسطينيين. وافتراض إدارة جورج بوش الابن امتلاك ذلك الحق قاد مباشرة إلى سيطرة حماس على غزة عام 2007. فكيف «لإسرائيل» أن تدّعي حقاً كهذا وهي المحتل؟- من مقالة لمات دوس ونانسي أوكايل في «فورين أفيرز» بتاريخ 27 تشرين الثاني 2023.
 
بدلًا من أن يكون خلف القضبان بعد أن تسبّب في مقتل أكثر من مليون إنسان في العراق، يعود بلير الى الواجهة ليجلس إلى جانب الرئيس الأمريكي وثُلّة من مجرمي الحرب وتجارها، ليتباحثوا في شؤون غزة. حتى الصحف البريطانية سخرت من استعانة البيت الأبيض برئيس وزرائهم السابق، وعلّقت مبرّرة استدعاءه بقولها : «حضر بلير لان الشيطان  كان مشغولًا!»
 
إنها حقًا مفارقة شائنة ؛ رجلٌ ساهم في تدمير منطقة بأكملها، وحمل من الألقاب ما يليق بجرائمه، حتى سُمّي «جزّار بغداد»، يعود اليوم متخفّيًا في ثوب الناسك ليعرض مخططات لإعمارها! غير أنّ أرواح أطفال العراق ما زالت تطارده، وعودته لا تُحيي الأمل بقدر ما تُعيد فتح جروح لم تلتئم بعد.
 
في الحقيقة، إن استدعاء «أحد فرسان المعبد» إلى البيت الأبيض ليس سوى اعتراف ضمني بأن الولايات المتحدة تفقد دورها السياسي في المنطقة، مكتفية باستعراض عضلاتها، مستغلة الأزمات ومفضِّلة إدارتها لاهدافها. فهي تستحضر شخصية متهمة بجرائم حرب، لا تملك من الخبرة سوى إشعال الحرائق، لا إطفاءها.
 
إن هذا المشهد ليس سوى إعادة إنتاج لفكرة استعمارية مقيتة وفاشلة، ترى في الشرق الأوسط مجرد رقعة شطرنج لشعوبٍ «سُمر البشرة» متخلّفة، قدَرُها الخضوع، ولا تستحق العدالة والإنصاف والكرامة.
 
يجلس بلير وترامب وصهاينة ومطوّرو عقارات ليتحدّثوا في اليوم التالي لمأساة غزة، فيما يغيب عن الطاولة الطرف الأصيل .
 
في القرارات المتعلقة بفلسطين، يُستبعد الفلسطينيون بمختلف توجهاتهم وأيديولوجياتهم، كما يُستبعد أي صوت عربي مسؤول. فإقصاء الفلسطينيين والعرب عن اجتماعات تقرير مصيرهم ليس أمرًا طارئًا، بل مسار طويل ممتد منذ عام 1917، حين تولّت القوى الإمبريالية الغربية اتخاذ القرارات نيابة عنهم، ففرضت من يحكم فلسطين، وقتلت وطردت وسجنت واغتالت قياداتهم الشعبية، ثم نصّبت بدائل مدجّنة. وهذه بعض المحطات الدالة:
 
- 1937 : نفَت سلطات الانتداب البريطاني ثلاثة من أعضاء اللجنة العربية العليا – مسيحيين ومسلمين – إلى جزر السيشل، فيما فر الآخرون إلى اللجوء لدول مجاورة.
 
- 1975:  وقّع هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي، اتفاقية سيناء الثانية السرّية مع الصهاينة، تعهّدت فيها واشنطن ألّا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية قبل أن تعترف المنظمة بالكيان.
 
- 1967-1978: جرى اغتيال 1156 من القيادات الفلسطينية، ولم يكن أحد منهم منخرطًا في أي مقاومة مسلّحة ضد الاحتلال.
 
- 1979: أنشأ الصهاينة روابط القرى لتكون قوة مضادة لرؤساء البلديات المؤيدين لمنظمة التحرير الفلسطينية.
 
- 1980: حاولت سلطات الاحتلال اغتيال ثلاثة من رؤساء البلديات الفلسطينيين.
 
- 1991:رضخ جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، لشرط شامير، فحُرم الوفد الفلسطيني من المشاركة المباشرة في مؤتمر مدريد للسلام.
 
- 2014: كرّس نتن ياهو الانقسام الفلسطيني، فشنّ عدوانه على غزة بعد أن اتفقت حماس والسلطة الفلسطينية على تشكيل حكومة تكنوقراط لم يكن لأيّ من أعضائها انتماء لحماس.
 
- 2023: عُقد في عهد الرئيس بايدن اجتماع مع الصهاينة للبحث في «اليوم التالي» للحرب، بما في ذلك مسألة الحكم، دون أي حضور فلسطيني.
 
وأثبت التاريخ أن هذا النهج لم ولن يجدي نفعًا، فالقضية الفلسطينية لن تحل إلا بحق تقرير المصير والتحرر من الهيمنة الصهيونية. وعلى واشنطن أن تدرك أنها لم تعد وسيطًا نزيهًا، بل غدت جزءًا أصيلًا من المشكلة؛ فاذا ارادت تحقيق السلام كما تدعي عليها التنحي جانبًا وتترك لغيرها أن يقوم بهذا الدور.
 
يزعم الكيان أنّ مقاتلي حماس قد أُنهكوا، وأنها فقدت دعم الغزيّين. فلنختبر ذلك عبر صناديق الاقتراع، تحت رقابة دولية وعربية، يشارك فيها جميع الفلسطينيين، ومن يفُز يكُن هو صاحب الحق في الحكم.
 
لقد ولّت الأيام التي كان مجرمو الحرب يقرّرون فيها مصير الشعب الفلسطيني. آن الأوان أن يقرّر الفلسطينيون بأنفسهم مستقبلهم، فذلك هو الضامن الوحيد للسلام، فلا حل آخر.