حارات منسية.. كرم وجود بلا فشخرة
الراي - خالد قوقزة - في حاراتنا المنسية وبزمان جدّي وجدّك كان كل بيت قدامه زير او خابية (جرّة) مي تحت شجرة الزيتون ومربوط بجدعها كوز ألمنيوم، يشرب منها عابر السبيل وكل مرّاق طريق، وجرن كل يوم يتعبى ميه نقية تشرب منه الطيور البَرّية. وبزمان ابني وابنك صارت المي تتعبى بقزايز وتنباع وتنشرى وصار اللي بده شُربِة مي يُبُل ريقه ينقال إله هاي التُكّانة قدامك.
بحاراتنا المنسية كانت ام العيلة تعجِن من طحينات الدار من قمحات بلديات إمزكيات على البيدر، وبكل عجّنِة تزيد العيار عن حاجة إهل الدار، وتحسُب حساب كل محتاج او مشتهي اذا سأل عن رغيف خبز يوخذ بدل الواحد طَرْحَه، وأم العيال بعد ما تخبز خبزاتها بطابون الحارة وهي راجعة للدار كل مين يشم الريحة تقوله عليك جيرة االله خذ لك إكماجة او مهيده وتقوله االله يريتها هنيّة مريّة. وبزمن ابني وأبنك خبزنا مش من قمحنا، ومخبوز جاهز بفرن ما نعرف قرعة ابو اللي عجنه واللي خَبَزُه، وأذا الجار سأل جاره عن رغيف خبز يرد عليه واالله ما فيه اللي يكفي العيلة، هظاك المخبز بعده فاتح.
بزمن جدّي وجدّك كان اللي يمُر من جنب كرُم عنب ويشتهيله خُصلَة يترتِح فيه صاحب الكرم ويفوّته للكرم، يصبّر قدامه العنب ويظل يسُف من الصُبّار لما يوثّب، وبعد ما يخلّص يعبي شليل مزنُوكه عنب لأولاده، ويحلّفه باالله أنه كل ما مرّ من جنب الكرُم يوخذ عازته. بزمن أبني وإبنك لما صاحب الكَرُم يشوف واحد مارّ من جنب كرمُه يقوم يتقزّى عنه خوف يشوفه وينحرِج منه وينجبر يطعمه خُصلة.
وبزمان جدّي وجدّك كل أهل الحارات شبعانه ورويانه وكل شيء موجود واالله طارح بيه البركة، ونادر ما تشوف جيعان او عيلة نامت بلا عشا، لأنه الناس كانت تعرف ان الطبخة اللي تفوح ريحتها وشمها جار طفران وما أكل منها راحت بركتها وزالت. وبزمن ابني وابنك الجيعان بنام بلا عشا وبصحى جيعان والكل مش داري فيه وإن شبِع تلاقي نص القرية يحسدوه على شبعه ويقولوا كيف ومن وين دبّر حاله؟!. زمن جدّي وجدّك ولى وعليه الرحمة. وزمن ابني وأبنك أجى ومنه العوض وعليه العوض.