«على قيد الحلم».. تجسد الاضطهاد بالمجتمعات العربية .. «قاعة الانتظار 1» قرار جماعي بالانتحار .. «الجنة تفتح أبوابها متأخرة» حلم ضائع بمرارة الاحتلال
عمان-الدستور- حسام عطية - شهد رواد المسرح العربي في دورته الـ «12» من خلال ثلاثة مسارح هي المركز الثقافي الملكي، مركز الحسين الثقافي / رأس العين، مسرح الشمس/ العبدلي، مجموعة عروض مسرحية نالت اعجاب الحضور، فيما يعتبر مهرجان المسرح العربي الذي تأسس بالإمارات في 2009 من طرف الهيئة العربية للمسرح، أحد أهم مهرجانات الفن الرابع في البلدان العربية حيث يمنح منذ 2011 «جائزة القاسمي» لأحسن عرض مسرحي.
»على قيد الحلم»
وعلى خشبة مسرح الحسين الثقافي في رأس العين كان الجمهور على موعد مع العرض الكويتي « على قيد الحلم» لفرقة مسرح الشباب جسد مسرحيون شبان الاضطهاد في مجتمعاتنا حتى في الأحلام. هذا العرض واحد من عروض قدمتها فرق مسرحية تقتصر على هواة وممثلين شباب أظهروا قدراتهم الإبداعية أمام الجمهور، وتعد مسرحية «على قيد الحلم» عملا يجمع الكاتبة تغريد الداود بالمخرج يوسف البغلي على خشبة المسرح، ورغم ذلك يضج بتناغمية العلاقة بين فكر المؤلفة والرؤية الإخراجية الرائعة التي وضعها المخرج، إذ تدور أحداث النص جميعها في حلم الشاب الحالم الذي يجسد شخصيته الفنان حمد أشكناني، ونجده في هذا الحلم يعيش رغباته التي لم يتمكن من تحقيقها في الواقع، فهرب إلى أحلامه ليجد المتنفس لها من خلال قصة الحب والشغف التي يعيشها مع فتاة أحلامه التي لا تناسبه في المستوى الاجتماعي والمادي (الفنانة الشابة أريج الخطيب) في أول مشاركة لها وهي طالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية، فيما يصارع الحالم في هذا الحلم مخاوفه، لكي يصل للحظة التي يصرخ فيها بأنه إنسان مهم، وله الحق في أن يكون مع من يريد، وهنا يفاجأ بظهور حرس رقابة وتفتيش الأحلام يلقون القبض عليه بتهمة تجاوز الحد المسموح بالحلم، وتتوالى الأحداث الساخرة بأسلوب الكوميديا السوداء، فأبرزت قدرات الفنانين الشباب خالد السجاري وحسين المهنا وآية الغمري الذين قدموا أكثر من كراكتر في هذا الحلم.
«قاعة الانتظار 1»
وكان شهد رواد مسرح الشمس في العبدلي العرض المسرحي المغربي «قاعة الانتظار 1» والتي تتناول شهادات من الواقع المعيش تعبر بأسلوب فني على مآس انسانية طالها النسيان بعدما كانت حديث الساعة خلال السنوات الأخيرة قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، مسرحية قاعة الانتظار عبارة عن لحظة بوح لشخصيات بعثت على الركح من جديد كانوا أبطالا لقصص حقيقة سمعنا بها وقرأنا عنها في العديد من المقالات الصحفية، حيث كان القاسم المشترك بين تلك القصص هو قرار الانتحار كمحاولة للتحرر من ألم الأحاسيس الجارحة للوجدان الإنساني كالخيانة، التمييز، الظلم ونظرة مجتمع يقدس التقاليد و المادة على حساب المبادئ والقيم، في قاعة الانتظار 1 لحظة بوح مصحوبة بالعديد من الأسئلة التي تبقى أجوبتها معلقة إنها صرخة بنبرة صوت شارد حائر على من سيلقي لومه، أيلوم المجتمع الذي هو من صنيعه أو يلوم القدر أو سيظل المعني باللوم مبنيا للمجهول، تنقسم المسرحية إلى أربع مونولوغات حيث تحكي كل شخصية قصتها وتسلط الضوء على كل التفاصيل الصغيرة الكبيرة ويكون السرد تصاعديا في الأحداث؛ الأمر الذي يثير فضول الجمهور ويزيد من وثيرة انتباهه وتفاعله لدرجة تمر الستون الدقيقة بشكل سريع دون ترك فرصة للشعور بالملل أو الشرود، زيادة على ذلك فكل مونولوغ يصاحبه مشاهد خارجية تكميلية للحدث الدرامي الشيء الذي يساهم في خلق فرجة مسرحية ذات أبعاد اجتماعية و نفسية.
ونوه أيوب أبو نصر، مخرج مغربي، إنّ مسرحية «قاعة الانتظار 1» كانت في الأصل بحثا لتخرجه في المعهد العالي للفنّ المسرحي والتّنشيط الثّقافي سنة 2018، فـ»كان عملا للتّخرّج، وبعدها صار مشروعا يمكن أن يُلعَب كمسرحية»، وأنّ هذا العمل المسرحي هو أوّل تجربة احترافية له، وقال: «أردت القيام بالمسرح ليكون مكان تواصل من أجل عرض مشاكل إنسانية، وسياسية واجتماعية في بعض الأحيان، لا يمكن الحديث عنها في أمكنة أخرى»، وذكر المخرج أنّ مسرحيّته كتبت بشكل متقطِّع على مدار أربع سنوات، وصنّفها ضمن «مسرح الشهادة» الذي من أُسُسِهِ اللقاء بالشخص، وبما أنّ اثنين من الشّخصيّات الأربع قد توفّيا، فقد كان في ذلك صعوبة وجب معها الالتقاء بعائلاتهم حتى تنتقل الشّهادات إلى «عرض قابل للَّعِب، ثمّ عرض قابل للمشاهدَة».
«الجنة تفتح أبوابها متأخرة»
وكان شهد رواد المركز الثقافي الملكي العرض المسرحي الأردني «الجنة تفتح أبوابها متاخرة» التي تتحدث عن القضية الفلسطينية، كما تصلح لكل واقع نعيشه اليوم، وبالتالي تُسقَط تلك الفكرة عن الألم والحرب، بما أن الحرب استطاعت أن تصل إلى كل البيوت في الوطن العربي وفي العالم ككل، فالمسرحية تحمل نشيد الحرية التي يبحث عنها الأسير الفلسطيني العائد من السجن إلى بيته بحلم ضائع بمرارة الاحتلال، ليجد نفسه خارج إطار كل أحلامه التي كان يسابق بها الزمن، حيث تنكره الزوجة ولا تتعرف عليه، ذلك الأسير الذي فقدته زوجته يوم زفافه ليغيب عنها 20 سنة ثم يعود إليها، ويلتقيان في لحظة وكل منهما يحمل نشيدا بلغة مختلفة، فكان اللقاء بينهما يحمل انكسارات داخلية لشخص قضى 20 عاما بعيدا عن زوجته، النص الأصلي للمسرحية كتبه العراقي فلاح شاكر، وأعاد كتابته وصياغته بلهجة فلسطينية مع الإخراج الدكتور يحيى البشتاوي ليُسقِط الواقع على الأسير الفلسطيني، فيما قام بأداء الأدوار الممثلة أريج دبابنة الزوجة القابضة على جمر الانتظار في أجواء مشحونة، ليصل فجأة الزوج زيد خليل الأسير، لكنه يتفاجأ بإنكار ورفض الزوجة المتعنتة التي لم تكن معه في مواجهة الاحتلال، فتقسو عليه بالعتاب لأنه لم يأخذها معه، فيقوم بملاطفتها لأنه لا يريد أن يصل معها إلى حوار يعمق مرارتها، إنما يحاول أن يهدم مسافة الانتظار التي ولدت الغضب والغربة داخلها والاقتناص معها لحظة فرح، حتى لو كانت قصيرة بحجم الفرح الفلسطيني المحاصر بالاحتلال وتوابعه، كما قاسم التمثيل في المسرحية، ظهور الفنان حيدر كفوف في دور مميز بأسئلته الجارحة عن هذا المصير، نهاية المسرحية كانت غير متوقعة لأن ذلك الشخص عاد ليغادر، وكما بدأت المسرحية بحفل زفاف انتهت بحفل زفاف.