”جن“.. وأسئلة لجدل بالقضایا الاجتماعیة والثقافیة! - ماجد توبة
الغد- قد لا یكون مستغربا الجدل الواسع في الشارع الأردني وعبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي
تناول موضوع مسلسل ”جن“، وتشكل رأي عام معارض لھ من منطلقات اجتماعیة وثقافیة، على
اعتبار أن السمة الغالبة على المجتمع الأردني ھي المحافظة، رغم الكثیر من التشویھ والتناقضات
الاجتماعیة والثقافیة التي یمر بھا ھذا المجتمع، وتخرجھ حتى من تحت ھذا التصنیف المحافظ إلى
تصنیف ربما لا تجده بكتب علم الاجتماع والسیاسة!
ویبقى من باب حق النقد وحریة الرأي الھجوم على فكرة المسلسل وعدم مناسبتھا للمجتمع الأردني بأنساقھ الاجتماعیة والثقافیة بھذه المرحلة التاریخیة؛ لكن الملاحظ عند التدقیق في الحملة الواسعة بھذه القضیة، والتي تبرز بوضوح وكموضوع قابل للدراسة والتقییم عبر تداعیاتھا والتعلیقات حولھا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ھو أن النقد والاعتراض على فكرة المسلسل وعلى قصتھ وحبكتھ، تجاوزت ھذه القضیة الجوھریة إلى ما ھو أبعد لیختلط الحابل بالنابل، ولتدخلنا بدوامة لا متناھیة من الخلاف ولتكشف جبلا من التناقضات والزیف في الوعي.
في الآراء المضادة للمنتقدین للمسلسل المذكور، أو حتى لبعض المنتقدین للمسلسل لكن مع تحفظھم على نزعھ من سیاق سلسلة من الأزمات الاختلالات والاجتماعیة والثقافیة التي نعانیھا، یمكن تلمس اتساع حجم الوعي الزائف وصمت المجتمع والعدید من نخبھ على العدید من الازمات الاجتماعیة والثقافیة التي قد لا تقل خطورة عما طرحھ مسلسل ”جن“، وربما كان تأثیرھا على
المجتمع وقیمھ ومصالحھ العامة اكثر بكثیر، لكنھا نظام الفزعة والانقیاد احیانا لتحشید البعض من
النشطاء ممن یركزون لأسبابھم الخاصة على قضایا وازمات وترك ازمات وأوجھ قصور اخرى ربما تكون بتأثیراتھا وتداعیاتھا اكبر واخطر بكثیر على المجتمع.
خذ مثلا قضیة التحرش وانتشارھا باتساع في شوارعنا واسواقنا رغم أن المجتمع محافظ ویفترض
بھ السمو الاخلاقي والاجتماعي بحسب السردیات المطروحة بخطاباتنا وحواراتنا. ھذه الكارثة
الاجتماعیة؛ التحرش بالفتیات وحتى بالطفلات منھن، ظاھرة تنخر بقوة بالمجتمع، بل وتجد تواطؤا
واسعا من الناس عبر رفض الاعتراف بھا او التقلیل الزائف من انتشارھا خوفا على صورة المجتمع ”الفاضل“ المتوھمة، أو وھو الأدھى، عندما یذھب البعض، وھو بعض كثیر، إلى تحمیل الفتاة الضحیة مسؤولیة التحرش بدعوى لباسھا او خروجھا إلى السوق مبتسمة او الاختلاط بالجامعات والاسواق وغیرھا من حجج واھیة ومضللة، تسھم بالمحصلة بمفاقمة الظاھرة البذیئة التي تنتھك حرمات وخصوصیات وحقوق الفتیات والمجتمع كلھ.
عدم احترام الممتلكات العامة باعتبارھا مشاعا قابلا للاعتداء والتخریب أو السطو، ورفض الالتزام
بالقانون إن كان بالإمكان التھرب من مسؤولیة ذلك لأسباب اجتماعیة أو عشائریة، وانتشار ظاھرة
مصادرة حق الأنثى بالمیراث رغم مخالفتھ الشرع، وانتشار ظواھر العنف الاسري وضد الأطفال
والعنف المجتمعي والطلابي.. كل ھذه الظواھر الاجتماعیة والثقافیة السلبیة وغیرھا ما تزال تنخر
أیضا بالمجتمع ومصلحتھ العامة دون أن تقابل بفزعات وحملات قویة وواسعة كما حصل مع الحملة على مسلسل ”جن“، والذي قد تكون بعض الانتقادات والتحفظات علیھ محقة ووازنة.
الراھن؛ إن أي نقاش وجدل عام في أي قضیة؛ اجتماعیة سیاسیة ثقافیة فكریة وغیرھا، أمر مطلوب
ومحمود وطبیعي، لكن المشكلة أحیانا كثیرة ھي في انزلاق النقاش والجدل لمنزلقات خطرة وغیر
منتجة لصالح المجتمع، ھذا من جھة، ومن جھة أخرى، إن احتدام الجدل بقضایا وظواھر منتقاة
دون غیرھا من قضایا وظواھر قد تكون اخطر واكثر إلحاحا وانتشارا یعكس حجما مترسخا من التناقضات والوعي الزائف بالمجتمع، ما لا یصب بالمحصلة في مصلحة ھذا المجتمع وتقدمھ على
الصعیدین الاجتماعي والثقافي.