عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Oct-2018

«نقطة» الفرق بين العرب والغرب*إبراهيم الصياد

 الحياة-لا أقصد – بالطبع - هنا الفرق فقط بين كلمتي العرب والغرب في الرسم الإملائي للكلمتين في اللغة العربية، لكن قصدت معنى آخر هو أن العالم الغربي المتمثل في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، يشعر بنقطة قوة، أو تميز، ما يجعل الدول الكبرى منها تقوم بدور «القبضاي» أو فتوة الحارة كما في حرافيش نجيب محفوظ. في عالم اليوم، توجد دول تستقوي على دول أخرى تراها دونها وربما يرجع البعض ذلك إلى ثلاثة عوامل: الميراث الاستعماري الذي لم يعد له أثر يذكر في العلاقات الدولية الحديثة إلا من باب التذكرة بالتاريخ باستثناء إسرائيل التي ما زالت تمثل حتى يومنا هذا الاستعمار الاستيطاني التوسعي. حالة الضعف العربي بخاصة في الثلاثين سنة الأخيرة. التطورات التي غيّرت من توازن القوى في العالم منذ نهاية الحرب الباردة في أول تسعينات القرن الماضي. إذاً، حدث تحوّل في العلاقات بين العرب والمستعمرين القدامى، وأصبحت هناك أشكال من التعاون وتبادل المنافع أو فلنقل المصالح، ولو دققنا النظر لأمكننا تفسير الحالة العربية من منظور مختلف يجعلنا نرى أن العالم العربي في واقع الأمر يمتلك من نقاط القوة الحقيقية التي قد تميزه عن غيره في كل مناطق العالم بما فيها العالم الغربي. وهذا ربما كان سبباً في دخول العالم العربي في سلسلة من الحلقات الصراعية خلال أكثر من سبعين عاماً، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تقريباً وحتى اليوم، وكان آخرها خطة تفتيت الدول العربية التي بدأت مع ما سمي بثورات الربيع العربي بمساعدة غربية ومن خلال تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة وتوظيف القوى الناعمة وغير الناعمة لإسقاط النظم والحكومات من الداخل أو ما يعرف بـ «التدمير الذاتي»! وساهم في بلورة ذلك تعاظم الأطماع لدى بعض الأطراف الإقليمية، وهو نتيجة طبيعية لما حدث للتضامن العربي من تراجع بعد أن حلَّت القوة الإقليمية محل القوة القومية في المنطقة العربية. إذاً السؤال: ما هي أوجه التميز العربي التي تجعله محطَّ أنظار القوى العظمى؟ يمكن القول إن التميز العربي ليس فقط لما يملكه العرب من موارد بشرية أو طبيعية مثل النفط والغاز، لكن لسببين. الأول، أن العرب يعيشون في موقع وموضع متوسط من العالم يثير شهية عشاق الصراعات، وإلا لماذا تعتبر منطقة الشرق الأوسط حالياً الأكثر سخونة في عالم القرن الحادي والعشرين؟ السبب الآخر أن تاريخ العرب القديم والحديث يؤكد أنهم يمتلكون إرادة تتجلى صلابتها في وقت المحن والأزمات، وأذكر مثالاً من تاريخنا القديم عندما دحر جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز غزو التتار للشرق العربي في معركة عين جالوت في 1260م، وهي إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي. وهناك مثال آخر من تاريخنا الحديث عندما انتصرنا على جيش إسرائيل في حرب 1973، بعد أن سوَّق له الإسرائيليون باعتباره الجيش الذي لا يقهر.

 
 
وهنا تعود بي الذاكرة إلى كتاب قرأته في صدر شبابي بعنوان «ناصر» لأنتوني ناتنغ، وزير الدولة البريطاني في حكومة أنتوني إيدن. هذا الرجل استقال من الحكومة البريطانية احتجاجاً على العدوان الثلاثي على مصر. وكان ناتنغ قبل هذا العدوان الذي وقع في العام ‏1956‏ أحد أهم أفراد الجيل الثاني من رجال السياسة في بريطانيا بعد جيل أنتوني إيدن وهارولد ماكميلان،‏ وهو عمل مع إيدن لسنوات عدة وكان محل ثقته،‏ لذلك حين ازدادت الضغوط على بريطانيا من أجل الجلاء عن مصر عقب ثورة ‏1952‏، اختاره إيدن ليرأس المفاوضات أمام عبدالناصر. وأتمَّ ناتنغ المفاوضات ووقَّع اتفاقية الجلاء مع عبدالناصر في القاهرة في ‏19‏ تشرين الأول (أكتوبر) ‏1954، وخلال ذلك اكتشف تحيز إيدن ضد عبدالناصر. وحين تآمر إيدن للهجوم على مصر‏، بعد تأميم عبدالناصر قناة السويس، لم يستطع ناتنغ مجاراته في ذلك الأمر.
 
وعليه ربما، تعرّض العرب لكبوة عسكرية في حرب السويس كما يطلقون عليها في أدبيات العلوم السياسية والعسكرية، لكن كان هناك انتصار سياسي منقطع النظير تمثَّل في كشف الوجه الحقيقي لأطراف العدوان أمام العالم الحر، وارتفعت أسهم ناصر في مصر والعالم العربي وأفريقيا وآسيا ودول أميركا اللاتينية، وتمكن المصريون من إدارة قناة السويس باقتدار وبناء السد العالي من دون الحاجة إلى التمويل الأميركي وصندوق النقد الدولي. لا شك أن هناك فائدة كبيرة لفكرة إعادة قراءة التاريخ، إذ نجد أنه ربما في كل قراءة جديدة نكتشف أشياء لم ندركها في القراءة السابقة، ما يساعدنا على فهم الحاضر وتوقع معالم المستقبل واستشرافها. أقول ذلك لأنه ما أشبه الليلة بالبارحة، إذ ما زالت قوى في هذا العالم تمارس «البلطجة الدولية» ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف. قوى تعمل على ليّ الحقائق وتطويعها لخدمة مصالحها، وفي المقابل نقول بكل ثقة: تبقى الخيارات كافة متاحة أمام العرب ومن تباهى بنقاط قوته سيتحمل نتائج غروره وتفاخره عندما يخسر أخيراً، وحتماً سيعود يطرق الأبواب مجدداً وإن غداً لناظره قريب!