عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Aug-2020

الجدار الساخن - الون بن دافيد

 

معاريف
 
أصداء الانفجار الهائل في بيروت التي سمعت حتى في قبرص، سارعت لان تتبدد، وعندما تفرق الدخان اتضحت مرة أخرى الحقيقة البائسة للبنان: ليس في هذه الدولة أي قوة يمكنها أن تتحدى حزب الله. فقد كان، وهو وسيبقى من يمسك الخيوط، يتوج الحكومات والرؤساء والقوة السياسية والعسكرية الأقوى في الدولة. وبصفته هذه قرر تحويل الحدود الشمالية إلى خط مواجهة نشط، وعلينا أن نستوعب بان السنوات الاربع عشرة من الهدوء الرائع التي كانت لنا في الشمال وصلت على ما يبدو إلى نهايتها.
كان في إسرائيل من اخطأ في التفكير بان أثر الانفجار سيؤدي إلى لجم حزب الله بل وربما سيهز كرسي نصرالله. عمليا – حصل العكس. حزب الله رأى وسمع غضب المتظاهرين في شوارع بيروت ولم يتأثر. وحتى على الشرفة في بلفور يتأثرون أكثر لمشهد الاحتجاج. وعندها جاء القرار البائس للمحكمة الدولية عن اغتيال الحريري والذي بعد 11 سنة من العمل وملايين الدولارات التي استثمرت في التحقيق لم تنجح في إدانة المسؤولين عن العملية التي قتل فيها 21 شخصا. يمكن لحزب الله ان يتنفس الصعداء.
حزب الله على علم جيد بضعف المحور الإيراني – الشيعي الذي يوجد في نقطة درك اسفل: الضرر الشديد الذي الحقته العقوبات بالاقتصاد الإيراني يشعر به في حسابه البنكي؛ بؤس قوة القدس التي لا تنجح في الانتعاش من تصفية سليماني يراه في سورية؛ وأمام ناظري يخرج الآن إلى النور المحور السُني – الإسرائيلي، الذي يبنى ضد إيران. على هذه الخلفية يشعر انه الوحيد الذي يمكنه أن يقود الآن علم “المقاومة” لإسرائيل. يرى نصرالله ضعف زعماء المحور، ويفهم بانه يتبقى الراشد الوحيد بينهم. السؤال هو إذا كان ايضا الراشد المسؤول.
إن مقتل نشيط لبناني في غارة في المطار في دمشق في شهر تموز (يونيو) وفر له فرصة للعودة إلى استراتيجيته المحببة: سياسة المعادلة. وإذ يكون ملتزما بوعده للثأر لموت النشيط بقتل جندي إسرائيلي – حاول مرتين حتى الآن وفشل. ومع أن المحاولتين – في هار دوف قبل شهر وقرب منيره هذا الاسبوع كانت محسوبة وتستهدف المس بجندي واحد، ورغم ذلك يعرف نصرالله انه لو نجح رجاله في قتل جندي لما تلخص الرد الإسرائيلي بهجوم على مواقع من الصفيح. وقد كان مستعدا لان يأخذ المخاطرة.
كان ينبغي لمحاولة العملية هذا الأسبوع ان تنتهي ايضا بتصفية خلية القناصة التي اطلقت النار من ضواحي قرية حولة نحو القوة في منطقة منيرة. هكذا ايضا وصف مسبقا قائد المنطقة الشمالية ولكن لشدة الاسف، لم يعثر الجيش الإسرائيلي على الخلية (التي ينتشر مثلها عدد آخر في المنطقة) كي يبيدها. بدلا من ذلك اختار الجيش الإسرائيلي ردا محسوبا لا يلحق اصابات ولكن ينقل رسالة: لأول مرة منذ تسع سنوات هاجم الجيش الإسرائيلي مواقع لحزب الله في جنوب لبنان.
نصرالله يمكنه ويريد أن يعيش مع المعادلة المتوازنة هذه. وهو لا يعتزم التخلي عن عملية الثأر وفي هذه الاثناء يبقي الجيش الإسرائيلي في الشمال متحفزا أو كما يسمي هذا: “يقف على رجل ونصف”. منذ ستة أسابيع والجيش الإسرائيلي يتصرف في اطار صيغة طوارئ في الشمال: خفف الاستحكامات والقيادات. امتنع عن أعمال الأمن الجاري المكشوف ويعنى بالجمع المكثف للمعلومات. كل ذلك دون خرق الحيل الطبيعية المدنية في الشمال. سيسر حزب الله ان يبقي الجيش الإسرائيلي في وضع متوتر من الآن فصاعدا. وينبغي لهذا أن يكون فرضية عملنا: أن الحدود الشمالية تعود لتكون خط مواجهة.
هذا الاعتراف يقضي بإعادة انتشار جديد تماما للجيش الإسرائيلي على طول الحدود. لقد بني الجدار الحدودي مع لبنان في قسم منه قبل أربعين سنة، في مواجهة المقاومين من فتح، وبعضه الآخر بني قبل عشرين سنة، حين انسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان. وفي مواجهة القدرات الهجومية لحزب الله اليوم، فان إسرائيل ملزمة بان تقيم عائقا يجعل صعبا جدا التسلل إلى أراضيها كما يقلص إمكانيات عمليات القنص ومضادات الدروع – عائقا من سور أو جدار على نمط الجدار الذي يحيط بغزة.
ان كل مفهوم الأمن الجاري لدى الجيش الإسرائيلي على الحدود والذي يستند هو ايضا الى استحكامات ومناورات من السبعينيات، يجب أن يتغير. فلا مجال بعد اليوم لدوريات على الجدار، لاستحكامات أو قيادات تكون عرضة لنار مضادات الدروع. على الجيش الإسرائيلي أن يقيم منظومة حدود تدار عن بعد، مع مواقع اطلاق نار يتم التحكم بها من بعد، حوامات تنفذ الدوريات وجمع معلومات وقوات اعتراض سريعة تخرج من قاعدة غير مكشوفة.
في قيادة المنطقة الشمالية يفهمون هذا جيدا – والسؤال هو هل ستعطى لهم الميزانية لاعادة تنظيم الحدود الشمالية.
عندما دخلنا في حالة التأهب قبل ستة أسابيع، حدد الجيش الإسرائيلي لنفسه ثلاثة أهداف: منع إنجازات لحزب الله في صورة مصابين في قواتنا، منع التدهور الى الحرب والحفاظ على الردع حياله. الهدفان الاولان تحققا حتى الآن بنجاح ودون أن يكون على المجدفين في الجداول ترك ابحارهم.
اما على الهدف الثالث – حفظ الردع – فتحوم علامة استفهام. لا توجد لإسرائيل أي رغبة أو مصلحة للدخول في مواجهة مع حزب الله، ولكن في موازين القوى بين الطرفين – لا يوجد ايضا أي سبب يجعلنا نسمح لنصرالله ان يصيغ معادلات الردع.