عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Feb-2019

صناعة الفتوى - د. أحمد یاسین القرالة
الغد- قد یكون ھناك شيء من الغرابة في العنوان، ولكنھ تعبیر صادق وصحیح عن كیفیة بناء الفتوى وإخراجھا لتكون معبرة عن حكم الشارع ومتوافقة مع مقاصده العامة.
فلیست الفتوى مجرد رأي یقولھ المفتي أو حكم مرتجل ینطق بھ، بل ھي صناعة خطیرة تحتاج
لتأھیل خاص ومھارة متمیزة ودرایة بالواقع ودراسة معمقة لأحوال الناس وظروفھم العامة، حتى لا تؤدي الفتوى إلى مآلات ممنوعة وعواقب وخیمة تناقض مقاصد الشارع وتتعارض مع أھدافھ، تعصف بالمجتمع وتلحق بھ الضرر والأذى.
فالفتوى سلاح ذو حدین یمكنھا أن تحفظ للمجتمع تماسكھ وتعمل على تقدمھ وازدھاره وتؤدي ُحسن صناعتھا وتسویقھا، وفي الوقت ذاتھ قد تؤدي إلى تقھقره وتخلفھ إلى رفعتھ وسموه إذا ما أ
وتعمل على خلخلة نسیجھ الاجتماعي وإضعاف وحدتھ الوطنیة إذا ما أسيء صناعتھا وإخراجھا.
ونظراً لأھمیة الفتوى وخطورتھا على الأفراد والمجتمعات ألف ابن قیم الجوزیة كتابا في أربعةَ مجلدات لبیان ماھیة الفتوى وكیفیة بنائھا، حیث اعتبر المفتي ّ بفتواه یوقع نیابة عن رب العالمین؛ مما یوجب علیھ أن یتحرى الحق ویجتھد في أن تكون فتواه تعبیراً حقیقیاً عن حكم الشرع ومتوافقة تماماً مع مقاصده العامة والخاصة.
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ازدادت خطورة الفتاوى المرتجلة والمتضاربة وأصبح ضررھا مضاعفاً وأضحت سلبیاتھا مركبة وطویلة الأمد، حیث أسھمت تلك الوسائل في سرعة انتشارھا وساعدت على وصولھا إلى عوام الناس على اختلاف مذاھبھم ومشاربھم، فأدى ذلك إلى تأجیج العواطف وإذكاء روح الاختلاف والفرقة وافتعال الصرعات وخلق المشكلات والمعضلات.
لذلك لا یجوز أن یتصدى للفتوى من لیس أھلاً لھا؛ وأن لا یسمح لغیر المختص بممارستھا؛ لأن
ُاعد بطریقة علمیة ُضرره عندئذ یكون أكبر من نفعھ، ولا یكون الشخص مؤھلاً لذلك إلا إذا أمنھجیة وكان یمتلك من المواھب الذاتیة العقلیة ِ والوجدانیة ما یساعده على أداء مھمتھ بشكل سلیم وتبلیغ رسالتھ بطریقة صحیحة.
إن جودة الفتوى وحسن صناعتھا تقتضي من المفتي أن لایصدر فتواه إلا بعد التبصر بعواقبھا
ومآلاتھا ومراعاة فقھ الواقع والمتوقع، ومن الضروري لھ التمییز بین الفتوى الفردیة والفتوى المتعلقة بالشؤون العامة، وعلیھ أن یمیز بین فتواه لنفسھ وفتواه لغیره، فإذا كان من المقبول لھ أن یأخذ بالشدة في حق نفسھ وأن یتحرى الورع ویعتمد الأحوط، فلیس لھ أن یفتي الناس بما یفتي بھ نفسھ ولا أن یحملھم على الأخذ بما یأخذ بھ؛ فما یسع الفرد قد لا یسع العامة، وما یستطیعھ الفرد قد لا یستطیعھ الجمھور، فالمفتي الحصیف ھو الذي یعرف كیف یفتي ومتى یفتي
ولمن یفتي.