عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Jan-2021

ترامب رئيس بولاية واحدة شهدت فوضى وغضبا وانقسامات بالمجتمع الأميركي

 واشنطن – كان دونالد ترامب يحلم ” بأربع سنوات إضافية في البيت الأبيض” إلا انه يغادره معزولا بعدما تخلى عنه جزء كبير من معسكره إثر إجراءات عزل ثانية في حقه مرتبطة باقتحام الكونغرس، ووسط فوضى وغضب وانقسامات غير مسبوقة.

ويترك ترامب الذي أبرز حكمه انقسامات المجتمع الأميركي وزاد من حدتها، بلدا مجروحا يعتريه الشك والغضب.
وقد تلطخت صورة هذا البلد بشكل مستدام في العالم جراء ما حصل في الكونغرس.
وكتب دونالد ترامب (74 عاما) من خلال الاستفزازات والإهانات والتغريدات الساخرة، فصلا استثنائيا بالكامل من تاريخ الولايات المتحدة.
على مدى أربعة أعوام شهد الأميركيون بحماسة أو ذهول أو خوف أحيانا، عرضا غير مسبوق لرئيس وصل الى السلطة بطريقة مدوية ولم يضع لنفسه أي رادع.
لكن للمفارقة سيبقى الرجل المهووس بالأرقام والذي يصنف الناس على أنهم “فاشلون و”راجحون”، خلافا لأسلافه الثلاثة المباشرين (باراك أوباما وجورج دبليو بوش وبيل كلينتون) رئيسا لولاية واحدة.
وأبرزت ولايته هذه هشاشة الديمقراطية الأميركية، فضلا عن صلابتها أمام رئيس يرفض الإقرار بنتيجة صناديق الاقتراع ويلوح بفرضيات المؤامرة على أنها حجج قانونية.
فمشاهد مناصريه وهم يهاجمون عرين الديمقراطية الأميركية ملوحين بأعلام ترامب وأعلام الولايات الكونفدرالية وتاركين على الجدران رسوم غرافيتي تدعو إلى قتل الصحفيين، ستبقى بصمة لا تمحى لمروره في البيت الأبيض.
وقال البرلماني الديمقراطي خواكين كاسترو خلال مناقشات في مجلس النواب لتوجيه الاتهام إلى الرئيس المنتهية ولايته “دونالد ترامب هو أخطر رجل دخل المكتب البيضوي”.
وحاول ترامب إعادة رسم حدود الديمقراطية الأميركية ما دفع البعض إلى الحديث عن محاولة انقلاب فعلية.
وتحدثت الدبلوماسية فيونا هيل التي كانت لفترة ضمن فريقه للأمن القومي عن “محاولة انقلاب ذاتية” شنت “ببطء” و”بوضح النهار”.
واضطلع الجيش والشرطة والمسؤولون المنتخبون المحليون ووسائل الإعلام بدورهم وشكلوا رادعا لذلك. وتؤكد هيل “النبأ السار هو أن هذا الانقلاب الذاتي فشل، أما النبأ غير السار فهو أن انصاره ما يزالون يؤكدون الكذبة الكبيرة بأنه فاز بالانتخابات”.
وفجر ترامب أكبر مفاجأة في التاريخ السياسي الحديث وعرف كيف يتوجه الى أميركيين شعروا بأنهم “منسيون” لكنه رفض على الدوام اداء دور شخص يوّحد الشعب الأميركي.
وقد ركزت جائحة كوفيد19 التي أسفرت عن نحو 400 ألف وفاة في الولايات المتحدة أكثر من أي مرحلة أخرى، الضوء على هذا الموقف.
فقد سخر دونالد ترامب من وضع الكمامة وانتقد ذلك مرات عدة وسخر من وضع الكمامات، كما هاجم الطبيب انطوني فاوتشي مدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية والذي عمل مع خمسة رؤساء سابقين ويعتبر عموما صوت الضمير العلمي في البلاد.
وقلل من شأن التهديد الصحي مقدما نفسه على أنه بطل خارق مثل “سوبرمان”. وحتى بعد إصابته بالوباء، فوت الفرصة التي أتيحت له لابداء بعض التعاطف.
ولم تشهد البلاد الانهيار الاقتصادي الذي توقعه البعض في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 يوم انتخابه المفاجئ لا بل بقيت مؤشرات عدة وفي مقدمها مؤشر العمل عند مستويات مشرقة قبل آثار الجائحة المدمرة.
لكن في رئاسة شهدت عدة فضائح وتتناقض تماما مع رئاسة باراك أوباما، ألحق ترامب المعروف بأنه يعشق مخالفة القواعد والاستفزاز، الضرر بهذا المنصب وهاجم قضاة ومسؤولين منتخبين وموظفين رسميين وغذى التوتر العرقي.
وفي الخارج عامل حلفاء الولايات المتحدة بخشونة وأبدى إعجابه بقادة سلطويين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وأوقف بشكل مفاجئ جهود مكافحة التغير المناخي.
وترامب المتبجح والمتلاعب والذي يستخدم بحسب تعبير الكاتب فيليب روث “مجموعة مفردات لا تتجاوز 77 كلمة”، أفقد معجبيه ومنتقديه على حد سواء الشعور بمعنى الأمور.
ونجح الملياردير الأميركي الذي يتميز بأداء قوي على منصات الحملات الانتخابية، في تنصيب نفسه ناطقا باسم الأميركيين “المنسيين” او “الجديرين بالشفقة” بحسب تعبير منافسته الديمقراطية العام 2016 هيلاري كلينتون.
عرف ترامب كيف يلعب على وتر مخاوف أميركيين، غالبيتهم من البيض والمتقدمين في السن عموما، كانوا يشعرون بأنهم “محتقرون” من قبل “النخب” على ساحل الولايات المتحدة الشرقي ونجوم هوليوود على الساحل الغربي.
وبسبب استخفافه بالعلم وتصريحاته غير المطابقة للواقع، اضطر فريق تقصي الحقائق من صحيفة “واشنطن بوست” الى استحداث فئة جديدة للتثبت من المعلومات الخاطئة التي تتكرر على لسانة.
ومن جناحه الشهير في البيت الابيض “ويست وينغ”، عمد رجل الأعمال السابق الى توسيع الهوة بين المجتمع الأميركي المنقسم بين الجمهوريين والديمقراطيين.
وبدلا من إطلاق دعوات جامعة على غرار أسلافه، لعب ترامب على خوف الأميركيين.
ولوح عند إعلان ترشحه في 2015، بشبح المهاجرين غير الشرعيين واصفا إياهم “بالمغتصبين”، ونصب نفسه في حملة 2020 الضامن الوحيد “للقانون والأمن” في مواجهة تهديد “اليسار الراديكالي”.
وفي بلد يعشق اللحظات المؤثرة التي تعبر عن الوحدة الوطنية، لم يعتمد ترامب الا نادرا لهجة تبلسم الجراح، حتى بعد حدوث كارثة طبيعية أو عمليات إطلاق نار دامية.
واستخدم هجماته العنيفة على وسائل الإعلام التي يصفها بأنها “كاذبة” و”فاسدة” و”عدوة الشعب”، لكي يؤلب قسما من الشعب ضد قسم آخر.
لكن ترامب يبقى الرئيس الوحيد في التاريخ الذي لم تصل شعبيته الى نسبة 50 % خلال توليه مهامه.
يتفق مؤيدوه ومعارضوه على نقطة واحدة وهي أن ترامب وفى بجزء من وعوده الانتخابية، فكما أعلن سابقا، انسحب من معاهدات أو اتفاقات تم التفاوض بشأنها طويلا، في مقدمها اتفاق باريس حول المناخ الذي وقعت عليه معظم دول العالم للحد من الاحترار المناخي.
لكن هذا الوفاء بتعهداته ووعوده الانتخابية جاء عبر عمليات اعتبرت هدامة.
وتبدو حصيلة مبادراته هذه هزيلة نسبيا. ويبدو ذلك جليا على صعيد الملف النووي الإيراني، فهو مزق الاتفاق الذي تفاوض عليه سلفه لفترة طويلة وزاد الضغوط على ايران وصولا الى تصفية الجنرال النافذ قاسم سليماني لكن بدون تقديم استراتيجية فعلية.
أما خطته الكبرى للسلام في الشرق الاوسط التي أوكلها إلى صهره ومستشاره جاريد كوشنر، فلم تؤد الى نتائج، لكنه يقول إنه تمكن من تحريك الخطوط في المنطقة عبر رعايته اتفاقات تطبيع بين اسرائيل وأربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
ويبقى مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي في تشرين الاول (اكتوبر) 2019 خلال عملية أميركية في سورية، المحطة الأقوى في رئاسته.
لكن تحركه الأكثر جرأة والذي فاجأ فيه العالم وخوله أن يحلم بنيل جائزة نوبل للسلام، لم يأت بالنتائج المرجوة.
فقد انتهت القمتان مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وزيارة ترامب التاريخية للمنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين و”الرسائل الرائعة” بينهما، من دون تحقيق أي نتيجة ملموسة، فالنظام الكوري الشمالي لم يقدم أي تنازل بشأن مسألة نزع الاسلحة النووية.
وفي الأجواء الجيوسياسية المعقدة والمتقلبة للقرن الحادي والعشرين، هاجم ترامب شخصيا رئيس وزراء كندا جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي.
ولم يأت التحذير الأشد من خصومه السياسيين بل من وزير دفاعه جيمس ماتيس. ففي كتاب الاستقالة، ذكر ماتيس الرئيس الأميركي بقاعدة بسيطة في الدبلوماسية تقوم على ضرورة “معاملة الحلفاء باحترام”.
وفي سيناريو سياسي غير مسبوق لم يتوقعه أي محافظ، أقدم دونالد ترامب بقدرته على إشعال مشاعر قاعدته الانتخابية، على ترويض الحزب الجمهوري الذي كان قلل من أهميته في البداية أو حتى تجاهله.
ويعتمد ترامب في الأعمال كما في السياسة، على مبدأ بسيط: معه أو ضده.
وتحدث المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) جيمس كومي الذي أقاله الرئيس فجأة، في مذكراته عن رئيس يخضع أوساطه لمعايير ولاء تذكره بموقف زعماء المافيا عندما بدأ حياته المهنية كمدع عام.
ولد دونالد جاي ترامب في كوينز في نيويورك وتلقى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضم إلى شركة العائلة بعد دراسة الأعمال.
وهو ليس “رجلا عصاميا” خلافا للصورة التي يريد عكسها عن نفسه. فبعد الحرب العالمية الثانية بنى والده فريد ترامب المتحدر من مهاجر ألماني، امبراطورية في مدينة نيويورك من خلال تشييد مبان للطبقة الوسطى في الأحياء الشعبية.
وعندما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في صيف العام 2020 أنه لم يدفع سوى 750 دولارا من الضرائب الفدرالية على الدخل في 2016 وأن العديد من الشركات تكبدت خسائر، تلقت صورته كرجل أعمال ناجح ضربة.
ويباشر دونالد ترامب حياة ما بعد الرئاسة معزولا في مارالاغو في فلوريدا.
إلا أن الرئيس السابق باراك أوباما حذر من أن رئاسة جو بايدن وحدها لن تكون قادرة على بلسمة جراح الشعب الأميركي “أنا أعرف أن انتخابات واحدة لن تكون كافية لحل المشكلة. فانقساماتنا عميقة”. – (أ ف ب)