عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Jun-2022

دور الحرب الأوكرانية في تفاقم انعدام الأمن الغذائي العالمي

 الغد-جون ب. رويل* – (غلوب تروتر) 24/6/2022

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
إلى جانب ملايين الأوكرانيين الذين سيحتاجون إلى مساعدات غذائية هذا العام، فإن قلة المحاصيل والصراعات الجارية في أجزاء أخرى من العالم تعني أن دولًا مثل اليمن، وبوركينا فاسو، وكينيا، ونيجيريا، والنيجر، والصومال وجنوب السودان هي أيضًا دول معرضة لمخاطر عالية، إضافة إلى البلدان التي تضررت بشدة من زيادة تكاليف الغذاء.
 
* *
مع احتوائها على بعض من الأراضي الأكثر خصوبة في العالم، فإن لقب أوكرانيا كـ”سلة خبز” أوروبا يظل أقل من أن يعبر عن إمكاناتها الزراعية. جنبًا إلى جنب مع روسيا، يمثل البلدان ما يقرب من 14 في المائة من صادرات الذرة العالمية، و22 في المائة من صادرات بذور اللفت/ الكانولا، و27 في المائة من صادرات القمح، و30 في المائة من صادرات الشعير، إضافة إلى ما يقرب من 70 في المائة من صادرات زيت عباد الشمس في العالم. وتعد روسيا أيضًا أكبر مصدر للأسمدة في العالم، وبالتالي يواجه نظام الغذاء العالمي التحديات المتزامنة التي تشكلها العقوبات الغربية على روسيا، والتكاليف الباهظة لكل من زراعة واستيراد المواد الغذائية.
منذ شباط (فبراير)، استولت روسيا على بعض المناطق الزراعية الأكثر حيوية في أوكرانيا في الأجزاء الشرقية والجنوبية الشرقية من البلاد. كما منع الجيش الروسي أوكرانيا من الوصول إلى موانئها على البحر الأسود مؤخرًا، تاركًا البلد معزولاً عن الساحل بشكل أساسي وغير قادر على تصدير منتجاته الغذائية إلى الأسواق الدولية.
ولكن، على الرغم من أن الحرب أدت بالتأكيد إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية، إلا أنها كانت مسبوقة بارتفاعات في أسعار المواد الغذائية في العامين 2007 و2011، إضافة إلى الارتفاع الذي شهدته الأسعار بسبب فيروس كورونا بعد عقود من انخفاض الأسعار الحقيقية للمواد الغذائية. وفي العام 2021، أظهرت بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، (الفاو)، زيادات هائلة في أسعار اللحوم والألبان والحبوب والزيوت النباتية والسكر، والتي تجاوزت الارتفاع السابق الذي شهدته في العامين 2007 و2011.
منذ بداية الحرب الأوكرانية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر وبشكل كبير. وسلط الوضع الضوء على انخفاض مستويات الاكتفاء الذاتي الغذائي في جميع أنحاء العالم، الذي تعرِّفه منظمة الأغذية والزراعة بأنه “مدى قدرة بلد ما على تلبية احتياجاته الغذائية من إنتاجه المحلي”. وكان الاكتفاء الذاتي من الغذاء قد انخفض على مستوى العالم منذ الستينيات، لا سيما في إفريقيا -ولكن أيضًا في دول مثل اليابان.
استنادًا إلى الاتجاهات الحالية، من المتوقع أن تكون نسبة 14 في المائة فقط من البلدان مكتفية ذاتيًا من الغذاء بحلول نهاية القرن، وفقًا لمقال نُشر في مجلة “رسائل الأبحاث البيئية” Environmental Research Letters. ولذلك، ستصبح الواردات أكثر أهمية بشكل مطرد للعدد المتزايد من البلدان غير القادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية من خلال الإنتاج المحلي. لكن التقلبات المتزايدة في أسعار المواد الغذائية منذ العام 2007 اختبرت كفاءة هذا النظام وقدرته على تحمل التكاليف.
كما انخفض الأمن الغذائي، والقدرة على تلبية الطلب على الغذاء من خلال الإنتاج المحلي والواردات، في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة. وفي حين أن البلدان الأكثر ثراءً التي أصبحت أقل اكتفاءً ذاتيًا في إنتاج الغذاء كانت قادرة على تحمل التكاليف المتزايدة للواردات من قبل، فإن نقص الغذاء أصبح يؤثر عليها الآن أيضًا.
بصرف النظر عن الحرب في أوكرانيا وتعطيل سلاسل التوريد العالمية أثناء جائحة “كوفيد 19″، أدت عوامل أخرى أيضًا إلى تفاقم هذه الضغوط. في العام 2000، بلغ عدد سكان العالم حوالي 6.1 مليار نسمة، بينما يبلغ اليوم 7.9 مليار. كما تغيرت العادات الغذائية العالمية، حيث زاد استهلاك الفرد من اللحوم بشكل كبير خلال الأعوام العشرين الماضية. وأصبحت معدلات السمنة المرتفعة، التي كانت تقتصر في السابق على أوروبا وأميركا الشمالية، منتشرة الآن في جميع أنحاء العالم.
ومع وجود المزيد من الأفواه التي يجب إطعامها، أصبح الأمن الغذائي العالمي مهددًا أيضًا بفقدان الأراضي الصالحة للزراعة بسبب عوامل التعرية، والتلوث، وتغير المناخ وزيادة نقص المياه على مدى العقود القليلة الماضية. وتم تعويض هذه القضايا جزئيًا من خلال زيادة الكفاءة في إنتاج الغذاء والعولمة، مما سمح للبلدان ببيع المنتجات الغذائية الزائدة في سوق تنافسية.
لكن الحرب في أوكرانيا أدت إلى تفاقم هذه المشاكل. فإضافة إلى خنق قدرة أوكرانيا على التصدير، خفضت روسيا بشكل كبير صادراتها الغذائية والزراعية إلى “البلدان غير الصديقة” في أعقاب العقوبات التي فُرضت عليها، وقطعت إمدادات معظم المنتجات الغذائية التي تصدرها إلى العالم الغربي، وكذلك إلى اليابان وكوريا الجنوبية.
ولكن، حتى المصدرين الصافين مثل روسيا أصبحوا يواجهون مشكلة، حيث أعلن الكرملين في شهر آذار (مارس) أنه “سيعلق صادرات القمح والميسلين والجاودار والشعير والذرة إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” (EAEU) -الكتلة الاقتصادية التي تقودها روسيا نفسها- حتى 31 آب (أغسطس) من أجل تأمين الإمدادات الغذائية المحلية الخاصة بها.
حرضت أزمة الغذاء البلدان الأخرى على بذل جهود أكبر لتعزيز مواقعها لتأمين أنظمة الإمدادات الغذائية. وقد استوردت الولايات المتحدة ما قيمته أكثر من مليار دولار من الأسمدة من روسيا في العام 2021. وفي محاولة لتعويض اعتماد الزراعة الأميركية على روسيا، تعهد الرئيس جو بايدن بتخصيص مبلغ 2.1 مليار دولار في الأول من حزيران (يونيو) لتعزيز نظام الغذاء في البلاد.
وفي آذار (مارس)، التزم الاتحاد الأوروبي بتخصيص ما يصل إلى 1.5 مليار يورو للمساعدة على دعم القطاعات الزراعية في الكتلة، كما خفف أيضًا من اللوائح الخاصة بـ”الاتفاقية الخضراء الأوروبية”، بما في ذلك القيود المفروضة على الأراضي المتاحة للزراعة. وقد أكد تهميش “الاتفاقية الخضراء”، التي طُرحت في العام 2019 للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والقضاء عليها- على خطورة وحدّة الوضع الراهن.
مع بدء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسرعة في العام 2021، اتهمت الصين بتخزين إمدادات الحبوب. وبحلول كانون الأول (ديسمبر)، كان ذلك البلد يمتلك أكثر من نصف إمدادات الحبوب العالمية. ووفقًا للبيانات التي قدمتها وزارة الزراعة الأميركية، خلال النصف الأول من العام 2022، كان من المتوقع أن يكون لدى الصين نصف إمدادات القمح العالمية، و60 في المائة من إمدادات الأرز، وحوالي 70 في المائة من إمدادات الذرة.
الآن، حظرت أكثر من اثنتي عشرة دولة صادرات غذائية معينة -أو صادراتها الغذائية كلها- حتى نهاية هذا العام أو حتى العام المقبل، ومن غير المرجح أن تكون هذه الإجراءات هي الأخيرة. وجاءت أحدث قفزة في أسعار القمح، التي ارتفعت بأكثر من 40 في المائة منذ كانون الثاني (يناير)، في أعقاب إعلان الهند أنها ستحظر صادراتها منه في أعقاب موجة الحر التي دمرت المحاصيل في البلاد. وباعتبارها ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، أضاف قرار الهند ضربة أخرى إلى انعدام الأمن المحيط بأسواق الغذاء العالمية.
ثمة آثار أكثر خطورة يمكن الشعور بها في سريلانكا. في العام 2021، أصدر رئيس البلاد، غوتابايا راجاباكسا، حظراً على استيراد الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب بهدف تحويل القطاع الزراعي في البلاد إلى قطاع عضوي بالكامل بحلول العام 2030. ووسط مزاعم بأن هذا الحظر كان مجرد محاولة لتقليل الواردات والحفاظ على احتياطيات سريلانكا من العملات الأجنبية، أهلكت هذه الخطوة في نهاية المطاف إنتاج الغذاء المحلي.
وبعد أن عانت من أزمة اقتصادية في العام 2019، والوباء، وارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة نتيجة للحرب في أوكرانيا، تخلفت سريلانكا عن سداد ديونها لأول مرة في التاريخ في أيار (مايو). وهناك دول أخرى غير مستقرة اقتصاديًا أصبحت تحت خطر مواجهة مصير مماثل، حيث تشهد سريلانكا أيضًا احتجاجات عنيفة.
كانت العواقب الفوضوية لارتفاع تكلفة الغذاء واضحة للعيان منذ أكثر من عقد من الزمان. فكان عدم القدرة على تحمل تكاليف الغذاء عاملاً رئيسياً أسهم في اندلاع ثورات “الربيع العربي” في العام 2010، الذي شهد احتجاجات وأطاح بحكومات وأدى إلى حروب أهلية. وتتلقى المنطقة العربية عادة ما بين 40 و50 في المائة من وارداتها الغذائية من أوكرانيا وروسيا، مما يشير إلى أن المنطقة معرضة بشكل خاص لانعدام الأمن الغذائي.
وحتى قبل غزو أوكرانيا، كان عدد متزايد من الناس حول العالم يعانون من نقص التغذية. وسجل العام الماضي رقماً قياسياً بلغ ما يقرب من 193 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد في 53 دولة وإقليم، وفقاً للتقرير العالمي حول الأزمات الغذائية GRFC.
إلى جانب ملايين الأوكرانيين الذين سيحتاجون إلى مساعدات غذائية هذا العام، فإن قلة المحاصيل والصراعات الجارية في أجزاء أخرى من العالم تعني أن دولًا مثل اليمن، وبوركينا فاسو، وكينيا، ونيجيريا، والنيجر، والصومال وجنوب السودان هي أيضًا دول معرضة لمخاطر عالية، إضافة إلى البلدان التي تضررت بشدة من زيادة تكاليف الغذاء.
على الرغم من أن أزمة الغذاء دفعت الحكومات إلى تبني سياسات قومية لحماية نفسها، كانت هناك بعض الأمثلة على التعاون الدولي. وقد قدمت الهند لسريلانكا قروضاً بمليارات الدولارات منذ أن بدأت أزمتها الاقتصادية، فضلاً عن تزويدها بالمساعدات الغذائية الطارئة.
في غضون ذلك، تحاول الدول الأوروبية تطوير طرق عبور بديلة للمنتجات الغذائية الأوكرانية بعيدًا عن موانئ البحر الأسود التي تسيطر عليها روسيا، في حين زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تركيا في 8 حزيران (يونيو) لإجراء مناقشات شملت إنشاء ممر على البحر الأسود للسماح للحبوب الأوكرانية بالوصول إلى الأسواق العالمية.
ولكن كان الطعام أيضًا، مثل الطاقة، بمثابة سلاح للسياسة الخارجية. بناء على حقيقة أن انعدام الأمن الغذائي هو أحد المصادر الرئيسية للضغط الذي يمارسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الغرب، فإن من المتوقع أن يضاعف جهوده لضمان استمرار أزمة الغذاء الحالية. وكان الرئيس الروسي السابق، ديميتري ميدفيديف، قد صرح في الأول من نيسان (أبريل) أن صادرات المواد الغذائية سيكون سلاحًا “هادئًا، لكنه ينذر بالسوء” تنوي روسيا استخدامه.
كما حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي من زيادة الهجمات الإلكترونية والتخريب المحتمل للمصانع الزراعية والغذائية في الولايات المتحدة. ومع اقتراب أزمة الغذاء العالمية من دخول مرحلة جديدة، ستكون زيادة الصادرات الأوكرانية، وتشجيع التعاون الدولي، وتطوير مبادرات زراعية إضافية، أمورًا ضرورية للتغلب عليها.
*جون ب. رويل John P. Ruehl: صحفي أسترالي أميركي يعيش في واشنطن العاصمة، وهو محرر مساهم في “ستراتيجيك بوليسي” ومساهم في العديد من منشورات الشؤون الخارجية الأخرى. وهو الآن بصدد إنهاء كتاب عن روسيا سينشر في العام 2022.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Ukraine War’s Role in Exacerbating Global Food Insecurity