عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-May-2019

الهوية الإخوانية.. تشكيلها وتفكيكها - ابراهيم عرب
تتصف معظم الأبحاث عن جماعة الإخوان المسلمين بأنها تلامس السطح ولم تسبر أغوار الحركة من الداخل. فالحركة وفق بنيتها ونظامها لديها قدر من السرية والتحفظ مما يجعل مهمة الباحثين صعبة وتكتفي بعملية رصد وملاحظة خارجية. في كتاب "داخل الإخوان المسلمين: الدين والهوية والسياسة" يفكك الأستاذ الجامعي والباحث خليل العناني الهوية الإخوانية من الداخل راصداً كيفية تشكلها منذ تأسيس الجماعة والعوامل المساهمة في ذلك والأسباب الدافعة للتخلي عنها ومنافع هذه الهوية وسلبياتها.
 
البحث الذي نشرته دار جامعة أكسفورد هو رسالة دكتوراه للعناني وفق المنهج الكيفي عبر تحليل الخطاب والمقابلات المعمقة مع عشرات من أعضاء وقيادات الإخوان المسلمين الحاليين والسابقين بلغة إنكليزية غير مقعرة ومفهومة وغير متحاملة ولا مجاملة بل تعالج الظواهر وتناقش الفرضيات وتختتم بتوصيات أحوج ما تكون إليها جماعة الإخوان. يرصد الباحث تشكيل الهوية الإخوانية نظرياً من خلال أدبيات الإخوان وعلى رأسهم مؤلفات وكتابات حسن البنا، وعملياً منذ بدء عملية "صيد الفريسة" أي استقطاب الفرد وصولاً إلى تقديمه البيعة وتدرجه في المناصب أو مغادرة التنظيم في بعض الحالات إضافة إلى تكوين ودور "المجتمع الإخواني" في ذلك.
 
يفكك الباحث من خلال نظريات علم النفس حالة التماهي بين الفرد وانتمائه للجماعة لتتشكل بذلك الهوية الجماعية ضمن مجتمع مواز بحيث يدرس الفرد ويتزوج ويحصل على عمل وينجب أطفالاً ضمن مجتمع متجانس عقائدياً ومتماسك اجتماعياً. وهذا بحسب الباحث يجعل فكرة القضاء عليه غير قابلة للتنفيذ. يستعرض الباحث أدوات جذب الإخوان للأفراد وآليات ضمهم للتنظيم وشروط ودرجات العضوية والهيكلية التنظيمية من "الأسرة" إلى مكتب الإرشاد والمرشد، بالإضافة إلى الوسائل مثل الكتائب والمعسكرات والندوات والرحلات وغيرها ومدى تأثير كل ذلك في ترسيخ الهوية الجماعية الإخوانية تحت مظلة الدين.
 
يستخلص البحث أن الهوية الإخوانية الجماعية أو "نموذج الجماعة" عززتها قواعد "البيعة، الطاعة، الثقة، الالتزام، الانتماء" وكانت الهوية طوق النجاة الذي أنقذ وجود الإخوان خلال حملات القمع خصوصاً زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس السابق محمد حسني مبارك وربما يتكرر ذلك اليوم في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقد عبرت عن ذلك بشكل واسع أدبيات "المحنة". لذلك فإن حملات قمع الإخوان لها سلبيات وإيجابيات. من جهة استحوذت على دعم من العامة وعززت التماسك الداخلي. ومن جهة أخرى استبعدت التغييرات الداخلية وهو ما استفاد منه تيار المحافظين أو العمل التنظيمي في إقصاء تيار الإصلاحيين أو العمل العام، أي صراع الصقور والحمائم الذي يهدد الجماعة داخلياً.
 
تشكل الصراعات الداخلية الإخوانية خطراً أكبر على الجماعة من حملات القمع وهو ما ظهر من انشقاقات مثل "شباب محمد" وصولاً إلى تشكيل حزب الوسط واستيلاء تيار خيرت الشاطر ومحمود عزت على مجلس الشورى ومكتب الإرشاد مما نتج عنه انسحابات واستقالات، عدا عن الاستقالات الفردية لأسباب أخرى.
 
يكشف الباحث من خلال مقابلاته مع أعضاء وقيادات حاليين وسابقين في جماعة الإخوان عن مشكلات في البنية الهيكلية الإخوانية مثل تضارب الصلاحيات بين مكتب الإرشاد ومجلس الشورى، وكذلك الخلافات بشأن المصالح والامتيازات والتأثير وهو ما فجر الانقسام بين الحرس القديم والشباب في الرؤية والاستراتيجية السياسية والعقائدية والعلاقة مع النظام. أما العلاقة بين المرشد العام ومؤسسات الإخوان غير متوازنة وتميل لكفة المرشد الذي يفترض أن يكون خاضعاً لمكتب الإرشاد وثقة مجلس الشورى. والجمود في البنية التنظيمية والهيكلية الهرمية كان على حساب الحيوية الداخلية وهو ما ظهر من خلال غياب الشفافية في الترقيات بسبب الولاءات الشخصية.
 
تعاني الحالة التنظيمية في الإخوان من هيمنة ذكورية وغياب تمثيل المرأة، وفق البحث، رغم وجود قسم الأخوات. وينقل الباحث عن أكاديميين انتقادهم لهيكلية الإخوان الشمولية والتي تفتقد للديمقراطية الداخلية حيث تحضر الولاءات الشخصية والمصالح العائلية وقاعدة الطاعة العمياء مقابل الترقية. يختتم البحث بجملة توصيات هامة جداً التي أحوج ما تكون إليها الجماعة في ظروفها الحالية وخصوصاً في ظل تجربتها الفاشلة في السلطة رغم وجود دولة عميقة وثورة مضادة وغير ذلك. إذ أن الجماعة الآن على مفترق طرق وأول ما يجب فعله هو ترميم صورتها واستعاد ثقة الجماعات السياسية الأخرى وشبابها.
 
الجزيرة