عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Jun-2019

الصمود.. إرادة ومبدأ - كمال زكارنة

 

الدستور - الثبات على المواقف والتمسك بالمبادئ والاصرار والتصميم على الحقوق ورفض التنازل عنها، لا يحتاج الى اموال طائلة وسلاح حديث وفتّاك، وكل ما يتطلبه فقط توفر الارادة والتزام ادبي واخلاقي بالمبادئ، لصناعة صمود متميز وفريد من نوعه، يستطيع ان يدحر الاغنياء والمدججين بأحدث الاسلحة واكثرها تطورا وقوة تدميرية، ويضعهم في حيرة ومتاهة تجعلهم يتناقضون مع انفسهم ومع غيرهم، صمود يختلف تماما عن ممانعة صاغها واشهرها غيرهم من غير التزام بها ولا جدوى لها، انه صمود الاردن وفلسطين، في وجه اعتى قوتين في العالم والشرق الاوسط، اميركا واسرائيل، اللتين حاولتا فرض تسوية تصفوية للقضية الفلسطينية تحت عنوان صفقة القرن، صمود افشل الصفقة وملحقاتها وتوابعها وتفرعاتها.
الخبر الذي انفردت بنشره جريدة «الدستور» امس «الذي تناول نص مشروع قرار امام الكونغرس الامريكي يؤيد حل الدولتين لانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ويحذر من ان ضم اسرائيل للاراضي من الضفة الغربية المحتلة سيقوض السلام، وان حل الدولتين يضمن بقاء اسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية آمنة ويحقق طموحات الفلسطينيين».
مجرد طرح هذا المشروع امام الكونغرس الامريكي لمناقشته وبحثه وربما اقراره وتبنيه لاحقا في هذا الوقت، يعني ان صفقة القرن تم وضعها على الرف، ولم تعد «مشروعا» متداولا للبحث كخيار لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وانما تم استبعاده، وهذا التحول في الموقف والسياسة الامريكية لم يأت من فراغ، وانما جاء نتيجة مواقف صلبة وعنيدة وثابتة للقيادتين الاردنية والفلسطينية، اثمرت رغم كلفتها العالية، الى جانب الجهود الدبلوماسية والسياسية المكثفة التي بذلتها القيادتان الاردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني والفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، على مستوى الولايات المتحدة الامريكية ذاتها، وعلى المستوى الدولي والعربي والاسلامي والاقليمي .
منذ ان بدأ الحديث عن ما يسمى بصفقة القرن كان موقف جلالة الملك عبدالله الثاني واضحا وصريحا وثابتا، لم يتغير ولم يتبدل، عبّر عنه جلالته بكل وضوح وعقلانية وحكمة، وأكد ان حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لا يمكن ان يتحقق الا على اساس مبدأ حل الدولتين، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني، على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لتحقيق سلام دائم وعادل وشامل، وضمان امن وازدهار دول وشعوب المنطقة كافة، كما كان موقف القيادة الفلسطينية صارما جدا برفض الصفقة جملة وتفصيلا، وظهر واضحا عناد الرئيس محمود عباس واصراره على رفضها مهما بلغ الثمن والكلفة، وانهالت الضغوطات السياسية والمالية على الاردن وفلسطين، وتصدى لها الاردن بكل حنكة وذكاء وجهد مقدر وعظيم، ونجح في انقاذ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من موت محقق، وشكّل الموقف والجهد الاردنيين بقيادة وتوجيه جلالة الملك، اسنادا قويا جدا للموقف الفلسطيني، ومنع الاستفراد بالجانب الفلسطيني، وعزز موقف القيادة الفلسطينية وحمى القضية الفلسطينية من مؤامرة تصفوية هي الاخطر في تاريخ القضية الفلسطينية .
الكونغرس الامريكي الذي يحاول الان تدارك مخاطر صفقة القرن، وانقاذ اسرائيل الدولة المحتلة من الزوال المحقق مستقبلا اذا تم فرض صفقة القرن بالقوة، لا شك انه توصل الى نتيجة حتمية بأن مخاطر تطبيق الصفقة على اسرائيل لا تقل عن مخاطرها على القضية الفلسطينية، لانها باختصار تؤجج الصراع وتضاعف حالات العدا والكراهية ضد الكيان المحتل، وتطيل امد الصراع في المنطقة، وتبقي اسرائيل هدفا دائما للضرب والازالة بصفتها قوة احتلال، اي ان المشروع الذي يناقشه الكونغرس ينقذ اسرائيل قبل ان يحقق طموح الفلسطينيين والعرب.