الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كريغ موراي* - (كونسورتيوم نيوز) 15/10/2025
نعرف من تجربة لبنان أنّ الإسرائيليين سينتهكون أي اتفاق في غزة، وأنّ "الضامنين" الأميركيين سيدعمون عنفهم المستمر باعتباره "مكافحة للإرهاب".
في أقل من عام منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، خرقت إسرائيل الاتفاق نحو 4.600 مرة. وقتلت في هذه الخروقات مئات الأشخاص، بينهم أطفال رُضّع، ودمّرت عشرات الآلاف من المنازل، وضمّت خمس مناطق لبنانية جنوبية بينما كان من المفترض أن تنسحب بالكامل من البلد وفق الاتفاق.
يبدو أن هذا الوضع يُعاد إنتاجه بالتفصيل في غزة. بالتحديد، أبرم وقف إطلاق النار في لبنان "بضمانة" الولايات المتحدة وفرنسا وتُشرف عليه لجنة دولية تُعرف باسم "الآلية" The Mechanism.
تعمل "الآلية" برئاسة الولايات المتحدة. وبناءً على ذلك، رفض الضامنان الاعتراف حتى بخرق واحد لوقف إطلاق النار ارتكبته إسرائيل، لأنّ "الآلية" الخاضعة للسيطرة الأميركية تصف تلك الانتهاكات بأنّها "عمليات لمكافحة الإرهاب" تهدف إلى نزع سلاح "حزب الله".
وتتبع الأمم المتحدة موقف "الآلية"، وبالتالي موقف الولايات المتحدة، وهو ما يجعل وجود قوات حفظ السلام الأممية في جنوب لبنان عديم الجدوى.
وفق هذا الترتيب، يخضع لبنان الآن لسيطرة إدارة محلية دمية لأميركا-وإسرائيل يديرها فعليًا المبعوث الأميركي الخاص توم برّاك. وقد صرّح برّاك بأنّ حدود إسرائيل وسورية لا معنى لها، وأنّ:
"إسرائيل ستذهب حيثما تشاء، ومتى تشاء، وتفعل ما تشاء لحماية الإسرائيليين وحدودهم والتأكد من أن ما حدث في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) لن يتكرر أبدًا". ويأتي هذا من "الضامن" لاتفاق وقف إطلاق النار اللبناني.
يصعب أن يكون ثمة شك في أنّ "مجلس السلام" الذي يرأسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في غزة سيتخذ بالضبط الموقف نفسه الذي تتبناه "الآلية" في لبنان. ومن البديهي أن إسرائيل لن تلتزم بأي اتفاق؛ حيث لم تفعل في أي وقت.
لا يقتصر ما نعرفه من لبنان على أنّ الإسرائيليين سيخرقون أيّ اتفاق فحسب، بل نعرف أيضًا أن "الضامنين" الأميركيين سيدعمون استمرار عنف الإسرائيليين باعتباره "مكافحةً للإرهاب". وعلى الرغم من أنّ قوة حفظ السلام في غزة قد لا تكون تابعة للأمم المتحدة أو ترتدي خوذها الزرقاء، فإنّها ستلتزم بقواعد اشتباك ستخضع بشكل شبه مؤكد لـ"مجلس السلام" الذي تترأسه الولايات المتحدة.
في شباط (فبراير) الماضي، كنتُ قد ناقشتُ فشل اتفاق وقف إطلاق النار اللبناني مع المتحدث باسم الأمم المتحدة في لبنان، والدور الذي تلعبه "الآلية" ويهيمن عليه. وسيكون من المفيد لدى النظر إلى مفاوضات اتفاق غزة العودة إلى تلك المقابلة.
كانت "حماس" محقة في دخول مفاوضات وقف إطلاق النار، كما أنّ تبادل الأسرى هو أمر إيجابي. لست مؤيدًا لسياسة "حماس" في أخذ الأسرى -باستثناء أفراد القوات العسكرية- ولا أعتقد أنّها قدمت لقضيتها أي فائدة خلال هذين العامين الماضيين، خصوصًا وأنّ إسرائيل احتجزت عددًا من الرهائن أكبر من الذين أفرجت عنهم في عمليات التبادل.
لقد شوّهت رواية "الرهائن" -على ما فيها من تحريف وظلم- الصورة وعكرت المياه، وأضرت بالفلسطينيين. ولذلك سأكون سعيدًا بمشاهدة انتهاء هذه المرحلة، وأرحّب بطبيعة الحال بالإفراج عن السجناء الفلسطينيين.
ومع ذلك، ستواصل إسرائيل احتجاز أكثر من تسعة آلاف رهينة فلسطيني حتى بعد عمليات الإفراج، وربما أكثر من ذلك بكثير.
لن أخوض في النقاط العشرين التي يتضمّنها الاتفاق، التي لم تكن كلها أكثر من مجرد عناوين تفتقر إلى المضمون. لكنّ الانسحاب العسكري الإسرائيلي من غزة يبقى بطبيعة الحال أساسيًا، وغامضًا بالكامل من حيث التوقيت والتطبيق الكامل. ما تزال "المرحلة الأولى" تُبقي الجيش الإسرائيلي في أكثر من 60 في المائة من مساحة غزة.
لقد أوضح نتنياهو للرأي العام الإسرائيلي أنّه لا ينوي سحب الجيش من غزة، ولا القبول بقيام دولة فلسطينية. وحقيقة أن هذا الاتفاق زائف ليست خافية على الإطلاق -ولا تتكلف إسرائيل حتى عناء التظاهر بنيّتها احترامه.
ولكن إذا نجحت العملية في إدخال ثلاثة أمور إلى غزة -الغذاء، والصحفيين، وقوات حفظ السلام- فسيكون ذلك تحسنًا كبيرًا.
لا أعتقد أنه ينبغي الاستهانة بالتأثير على الرأي العام العالمي بمجرد أن يتمكن الصحفيون من الدخول فعليًا إلى غزة، ورؤية الدمار وإجراء مقابلات مع السكان. ليس ثمة من هو أكثر تشاؤمًا مني بشأن الإعلام السائد، لكنه لن يتمكن من منع الحقيقة من أن تتسرّب إلى تغطياته.
سوف يحتاج الانتصار الفلسطيني إلى بضع سنوات. لقد أصبحت إسرائيل الآن دولة منبوذة في نظر غالبية سكان العالم، وسوف يتسارع هذا الاتجاه فحسب. صحيح أنّ "حماس" تفاوض من موقع ضعف، ويبدو أنّنا سنشهد عودةً رسميةً للاستعمار في غزة لبعض الوقت، وأنّ مزيدًا من الألم ما يزال في الطريق والذي ينبغي تحمله. لكنّ ميزان القوى آخذ في التبدّل.
لديّ عبارتان لكم، واحدة من الغرب والأخرى من الشرق:
"مطاحن الله تطحن ببطء، لكنها تطحن حتى أصغر ذرة".
و"يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين".
*كريغ موراي Craig Murray: دبلوماسي وكاتب وناشط بريطاني في مجال حقوق الإنسان، عُرف بانتقاداته الشديدة للسياسات الغربية، ولا سيما سياسات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. شغل منصب سفير بريطانيا لدى أوزبكستان بين العامين 2002 و2004، قبل أن يُقال من منصبه بعد كشفه استخدام الحكومة الأوزبكية للتعذيب وتورط أجهزة الاستخبارات الغربية في الاستفادة من المعلومات المنتزعة تحت التعذيب. كان رئيسًا لجامعة دندي من العام 2007 إلى العام 2010. وهو صوت معارض بارز في قضايا العدالة الدولية وحرية التعبير، وله مؤلفات ومقالات عديدة تتناول قضايا الاستعمار الحديث، والحروب الإمبريالية، وانتهاكات حقوق الإنسان.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: A Warning from Lebanon