عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Feb-2019

الشجار بین الأبناء.. هل یحمل جوانب إیجابیة؟
ربى الریاحي
عمان–الغد-  الخوف والقلق من أن یتطور الشجار إلى شكل من أشكال العنف یدفع الأربعیني سامر إبراھیم، وھو أب لأربعة أبناء، إلى التدخل السریع وفض الخلاف عند وقوعھ.
یقول ”یزعجني جدا رؤیة أطفالي یتشاجرون أثناء اللعب؛ لھذا السبب أتعمد دائما ترھیبھم وإشعارھم بأن ھناك عقوبات صارمة من شأنھا أن تطبق على المسيء، ویرفض تماما الوقوف متفرجا حتى النھایة“.
ویؤكد الأب أنھ وضع حدا من البدایة لأطفالھ حتى یبقیھم تحت سیطرتھ، ویجنبھ ذلك الضجیج الذي تحدثھ خلافاتھم العابرة، لكنھ بدأ یلحظ أن طریقتھ ھذه خاطئة منفرة تتسبب في قمع الطفل وإلغاء شخصیتھ، بالإضافة إلى أنھا تمنعھ من الدفاع عن نفسھ حتى لو بالنقاش، وتفقده القدرة على التفاعل مع الغرباء بثقة.
ویبین أن تغییره الأسلوب الذي یتبعھ في تربیة أطفالھ أمر لا بد منھ؛ إذ إن ذلك یجعلھم أقدر على إبراز شخصیاتھم، وخاصة أن بعض ردود الأفعال الصادرة منھم تنم عن ذكاء وسرعة بدیھة وحسن تصرف، مؤكدا أن تقدیر الأھل لاندفاع أبنائھم أثناء اللعب وتفاعلھم مع بعضھم بعضا لھ دور كبیر في توجیھھم إیجابیا من خلال إعطائھم الحریة الكافیة لیطوروا مھاراتھم ویبدوا آراءھم بصراحة وبعیدا عن الخوف والتدخل المقید لمشاعرھم.
خلافات ومناوشات ورغبة كبیرة بفرض السیطرة تلك اللحظات التي تزعج الآباء من أبنائھم وتضایقھم وتدفعھم للتدخل وقمع انفعالات طبیعیة ناتجة عن الحماس وإثبات الذات ھي في الحقیقة حالة إیجابیة یجھل أھمیتھا الكثیرون ویعتبرونھا مصدر قلق یزید من ضغوطاتھم الیومیة.
في حین أن ھذه المشاجرات الحاصلة بین الأبناء ھي فرصة للكشف عن شخصیة الطفل وطریقتھ في الدفاع عن نفسھ في حال أحس بالظلم من قبل إخوتھ، لذا فإن التدخل السریع للآباء
للحد من الخلافات یقید مھارات الأبناء ویقتل روح المنافسة فیھم، ویمنعھم من التعبیر عن مشاعرھم بحریة وضمن حدود الأدب.
أما صفاء حسن التي تلحظ استبداد ابنھا الأكبر على إخوتھ الصغار، فتقول إن الخلافات بین أبنائھا تشعرھا دائما بالخوف علیھم، وخاصة أن ابنھا الأكبر لدیھ حب السیطرة والتفرد بكل شيء. وتضیف أن قدرتھا على الموازنة بین مشاعرھا كأم وبین دورھا كمربیة تدفعھا لأن تقیم الأمور جیدا، وتراقب تصرفاتھم أثناء الشجار، مبینة أن تدخل الأھل في كل كبیرة وصغیرة یجعل الابن اتكالیا مھزوزا لا یقوى على حل مشاكلھ، الأمر الذي یتسبب في خوفھ من المواجھة والدفاع عن نفسھ.
وتتابع أنھا كأم تھتم بأبنائھا كثیرا وتحرص على أن یكونوا دائما الأفضل، لھذا السبب تركز على غرس القیم الإیجابیة فیھم باستمرار، وتعلیمھم تلك السلوكیات التي تنفعھم كأن ترسخ فیھم حب التعاون والإیثار واحترام مقتنیات الآخر. مؤكدة أن تلك الانفعالات المرافقة لمشاجرات الأبناء مثمرة وإیجابیة إذا بقیت في إطار الأدب باعتبارھا تعزز ثقتھم بأنفسھم وتسھم في تنمیة عقولھم وتطویر مھاراتھم الفردیة، بالإضافة إلى تعلمھم مبادئ اللعب بشكل جماعي.
ویذھب الاستشاري التربوي د. عایش نوایسة، إلى أن شجار الأبناء یعد من أكثر أنواع الإزعاج للأھل، لا بل الأكثر حضوراً وحدیثاً بشكل خاص لدى الأمھات. وفي تفسیر ھذه الظاھرة یرى أنھا ظاھرة طبیعیة وصحیة نتیجة لتقارب الأعمار والاھتمام بین الأبناء بشكل كبیر في الأسرة.
الواحدة، إضافة إلى ارتفاع حدة التنافس بین الأبناء من منھم الأھم والأقوى والأكثر حضوراً إن شجار الأطفال إحدى الوسائل لإثبات الذات والسیطرة، وفق نوایسة، وكلتاھما من الصفات اللازمة لنجاح الإنسان في الحیاة، بل الشجار فرصة یتعلم فیھا الطفل كثیراً من الخبرات، منھا وجوب احترام حقوق الآخرین، والعدل والحق والواجب، ومعنى الصدق والكذب، وأھمیة الأخذ والعطاء بأسلوب یحقق لھ المحافظة على حقوقھ وحقوق الآخرین.
ویوضح ”ھذا ھو الجانب الإیجابي للشجار، أما الجانب السلبي فیظھر عندما یكون الشجار مشحوناً ومرتبطاً بالعنف، ولا یوجد توظیف للذكاء لإدخال الطرف الآخر من الشجار في مواقف قد تكون عنیفة وتؤدي إلى إیذاء جسدي ونفسي“.
ویضیف ”عادة ما یقع الزوجان في أخطاء تغذي الشجار وتعظمھ، ومنھا ضعف الإشراف والرعایة غیر الكافیة للأبناء، وعدم الاستماع الجید لما یقولھ الأبناء، واھتمام الأھل ”غیر العادي“ للأبناء الذي یحرمھم من فرص التعلم من الأخطاء، وقلة الوقت النوعي الذي یقضى مع الأبناء، الجدال والمناقشة أمام الأبناء، وإھمال الأھل لشعورھم الفطري بحاجات الأبناء، ومشاھدة التلفاز بشكل كبیر، وإغراق الأبناء بالمادیات على حساب الوقت النوعي الذي یمكن قضاؤه معھم، ھذا بالإضافة إلى إھمال الشریك الآخر“. ویشدد نوایسة، على الزوجین أن یكونا قاضیین عادلین بین أبنائھما، وطبیبین یعرفان كیف یعظمان السلوكیات الإیجابیة لدیھم.
الأخصائیة النفسیة مرام بني مصطفى، تقول ”إن الشجار بین الأبناء أمر صحي لا بد منھ، لكونھ یسھم في نمو الشخصیة وتطورھا، وذلك من خلال تعزیز قدرة التفاوض لدى الطفل، وقبولھ لمبدأ الربح والخسارة، وأیضا تمكینھ من الدفاع عن حقوقھ بدون أن یتسبب في إلغاء حقوق الآخر وإیذائھ“. وتضیف ”حتى یبقى الشجار إیجابیا وشكلا من أشكال المنافسة، فلا بد بأن تكون بیئة الطفل آمنة، تخلو تماما من الأدوات الحادة“، موضحة أن الدور الرقابي للأھل لا یعني أبدا ذلك التدخل المباشر والسریع الذي یحد من قدرات الطفل ویمنعھ من الانفتاح على مجتمعھ.
وتبین أن ھناك أسباب عدیدة من شأنھا أن تخلق الشجار بین الأبناء كتقارب السن واستخدام أسلوب المقارنة والرغبة الشدیدة في فرض الرأي. مشیرة إلى أن على الأھل في ھذه الحالة ضبط مشاعرھم وعدم الانحیاز لأحد الأبناء دون غیره، كما أن من واجبھم إلقاء الضوء على السلوك الجید والبحث عن اھتمامات مشتركة توطد العلاقة بین الأبناء وتجعلھم أقرب.
وتؤكد أن التدخل ینبغي أن یكون فقط للضرورة وللتركیز على أھم القیم التي تشكل حدودا تنظم العلاقة بین الأبناء وترسي مبادئ الاحترام والمنافسة.