عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Nov-2019

في ذكرى مولد رسول الحضارة - د. أحمد ياسين القرالة
 
الغد- اختلفت النظريات في تفسير نشوء الحضارات وتقدمها، حيث يذهب البعض إلى أن الحضارة ثمرة عِرق متميز، ومنهم من ذهب إلى أنها نتيجة معادلة التحدي والاستجابة وغيرها من النظريات.
والناظر في الحضارة الإسلامية يرى أن أياً من تلك النظريات لا تنطبق عليها ولا تفسر سبب نشوئها وظهورها، فالعِرق حتماً ليس هو سبب تحضرها وتقدمها؛ لأن العِرق قبل التحضر هو نفسه قبل التحضر، وليست هي التحديات البيئية أو السياسية؛ لأن التحديات والمثيرات ما قبل الحضارة هي ذاتها بعد الحضارة، وهي ليست الموارد الطبيعية والبشرية فهي في الحالتين ثابتة لم تتغير .
إن الناظر في معادلة الحضارة الإسلامية يجد أن المتغير الوحيد الذي دخل عليها وأدى إلى هذا التغيير السريع والمذهل هو نزول القرآن الكريم، وما عدا ذلك فعناصر المعادلة هي هي ثابتة لم تتغير.
فنزول القرآن الكريم هو المتغير الوحيد وهو القيمة المضافة الوحيدة التي أدت إلى هذه الانطلاقة المحيرة، التي نقلت العرب من صحراء الجزيرة إلى فضاء العالم ومن التابعية لفارس والروم وشن الحروب وكالةً عنهما إلى هزيمتهما والتفوق عليهما، وهو ما اعتبره وليام ديورانت من الظواهر الكبرى في التاريخ.
فإذا كان القرآن الكريم هو سبب تقدم الأمة الإسلامية وصناعة حضارتها فمن المستحيل عقلاً أن يكون سبب تخلفها وتقهقرها، لسبب منطقي بسيط هو أن العلة الواحدة لا تنتج معلولين متضادين، وإلا لما كانت علةً وهو خلاف المفروض.
وهذا لا يعني بحال أن فعل القرآن كان فعلاً سحرياً، أو هو مجرد تمائم ورقى أدت إلى تقدم الأمة وتحضرها ذاتياً، لا فالأمر ليس كذلك ولا بهذه البساطة، ولا ينبغي أن يفهم على هذا النحو، وإنما كان التقدم نتيجة تفاعل المسلم الكامل مع النص وانفعاله الدائم به؛ لذلك إذا ما أراد المسلمون التقدم والتحضر وأن يكون لهم مقام بين الأمم، فعليهم العودة إلى روح القرآن واستلهام قيمه وتطبيق مبادئه والسير على نهجه، وهذا يقتضي منهم قراءته قراءة جديدة تتكيف مع مقاصده وتتناسب مع روح العصر، كما قرأه السابقون بما يتناسب مع ظروف حياتهم ومقتضيات زمانهم، ووظفوه توظيفاً عملياً حيث كان رائدَهم في العلم ومعيارَ تعاملهم وقاعدتهم في التسامح وقائدَهم نحو الفضيلة، استجابةً لأمر الله تعالى وامتثالاً لإرادته، فكانت الإنسانية غايةَ سعيهم وعنوانَ حضارتهم وعمارةُ الكون همَّهم ودليلَ ثقافتهم وأمارةَ مدنيتهم.