عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Nov-2025

لبنان.. هدنة شكلية مع الاحتلال لم ينفك يخرقها وشكوك تلف تهديداته بحرب واسعة

 الغد

بيروت- بين هدنة متآكلة وواقع ميداني آخذ في التشكل، يشهد جنوب لبنان تبدلا في قواعد الاشتباك، بعدما تحول اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701 من مظلة تهدئة دولية إلى أداة ضغط تدار وفق رؤية الاحتلال الإسرائيلي التي تتعامل معه كإطار مرن يسمح بإعادة هندسة البيئة الجنوبية وتغيير موازين القوة على الأرض، دون الحاجة إلى حرب مفتوحة.
 
 
وبدأت خروقات الاحتلال الإسرائيلي، عقب انتهاء الحرب الأخيرة، بشكل محدود قبل أن تتسع تدريجيا لتتخذ طابعا ممنهجا، تُطوّع نص اتفاق وقف إطلاق النار لصالح ما تسميه دولة الاحتلال "حرية الحركة" مستندة إلى تفسير أحادي موسع لمفهوم تهديد أمنها.
وبمرور الوقت، تجاوزت دولة الاحتلال سياسة الردع التقليدية إلى إستراتيجية ميدانية بفرض وقائع جديدة على الأرض، عبر توسيع نطاق استهدافاتها ليشمل القرى الجنوبية ومحيطها وحتى مناطق في البقاع، واستهداف مواقع تصنفها بوصفها "مصادر تهديد محتملة".
محاولات احتواء
وبموازاة التصعيد الميداني، يلوح الاحتلال بالعودة لعمليات عسكرية واسعة، ما لم تنفذ عملية نزع سلاح حزب الله وفقا لشروطها ومعاييرها الخاصة.
ورغم ذلك يشكك محللون بجدية تهديدات الاحتلال بالعودة لحرب واسعة، لما قد تلحقه بأضرار عالية الكلفة بعد حرب طويلة في غزة تخللها كذلك حرب مع حزب انتهى بهدنه طلبها الاحتلال انذاك
ومع غياب رد عسكري مقابل، تراكمت الخروقات وتحوّلت إلى واقع فعلي يعيد رسم الحدود والتوازنات على الأرض، في ظل عجز داخلي لبناني وانكفاء دولي عن فرض الالتزام بالاتفاق، بينما لا تزال دولة الاحتلال تحتفظ بـ5 تلال لبنانية ومناطق أخرى منذ عقود.
ومع اشتداد التوتر، أعلن رئيس الجمهورية جوزيف عون استعداد لبنان للدخول في مفاوضات مع الاحتلال بهدف تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار ووقف الضربات، لكن المبادرة لم تلقَ تجاوبا من دولة الاحتلال، لا سيما بعد القرار الحكومي في آب (أغسطس) القاضي بالشروع في خطة من 5 مراحل لنزع سلاح حزب الله، وهي خطوة رفضها الحزب بشدة واعتبرها "خطأ جسيما" يمس جوهر المعادلة الداخلية.
وفي السياق، دعا الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الحكومة اللبنانية إلى وقف ما وصفه بـ"التنازلات المجانية" مؤكدا أن كل المبادرات ومنها خطة الجيش لحصر السلاح، والاستعداد للتفاوض، ومبادئ الورقة الأميركية، لم تُقابل بضمانات إسرائيلية أو أميركية، مؤكدا أن ما يجري "عدوان ممنهج يستهدف عناصر قوة لبنان عسكريا واقتصاديا وسياسيا، ولا يستثني أحدا، لا الدولة ولا الجيش ولا حتى قوات اليونيفيل".
وأمام هذا الواقع، يبقى اتفاق وقف إطلاق النار قائما شكليا لكنه مهدد جوهريا، في انتظار لحظة حاسمة: إما تثبيته بضمانات دولية واضحة، وإما تجاوزه نحو قواعد اشتباك جديدة تُكتب بالنار لا بالنصوص.
سيناريوهات مفتوحة
ويرى المحلل السياسي والكاتب الصحفي جورج عاقوري أن وتيرة الاستهدافات ونوعية الأهداف ورقعتها شهدت توسعا ملحوظا خلال الأسابيع الأخيرة، مما يشير إلى أن عامل الوقت لم يعد في صالح لبنان، وأن الأمور تتصاعد نحو حافة الانهيار.
ويؤكد عاقوري "إننا اليوم أمام مرحلة الوقت (القاتل) لا (الضائع)" مشيرا إلى أن المناخ الذي يقلق إسرائيل من ضربات ومناورات إلى مواقف سياسية يعكس وضعا غير مستقر، ويزيد من احتمال الانزلاق نحو حرب واسعة تتجاوز مفهوم الضربات المحدودة التي نعاينها اليوم.
استعداد الحزب
من جانبه، يرى المحلل السياسي قاسم قصير أن الوضع في لبنان يظل مفتوحا على جميع الاحتمالات، ويشير إلى أن حزب الله يعتمد في سياساته على الغموض والصمت، لكنه يستعد بالمقابل لكل السيناريوهات خصوصا حال أقدم الاحتلال على عدوان واسع أو صعّد عملياته العسكرية ضد لبنان.
وشدد قصير على أن جميع الاحتمالات قائمة، لا سيما في ظل غياب أي ردع واضح من الولايات المتحدة أو قبولها بما تقوم به إسرائيل حاليا.
تنويع الأهداف
ومن منظور عسكري، يرى العميد الركن والخبير الإستراتيجي هشام جابر أن الحديث عن "عدوان واسع" على لبنان يحتاج إلى تعريف دقيق، فدولة الاحتلال بتقديره لن تُقدم على اجتياح بري شامل لما يحمله من كلفة ميدانية وبشرية عالية، ولأن خطوة كهذه قد تدفع حزب الله لاستخدام ما تبقّى لديه من قدرات صاروخية ومُسيّرات لاستهداف عمق شمال الكيان المحتل.
ويوضح جابر أن نحو 60 ألف مستوطن نزحوا سابقا من بلدات الجليل الأعلى شمال فلسطين المحتلة عادوا مؤخرا إلى منازلهم، لكن أي هجوم صاروخي جديد لحزب الله على المطلة و"كريات شمونة" والمناطق المحيطة قد يدفعهم للنزوح مجددا، وربما إلى مغادرة نهائية لمستوطناتهم، مما سيُعدّ نكسة كبيرة وفشلا سياسيا وأمنيا لحكومة الاحتلال.
ويضيف أن النقاش داخل المؤسسة العسكرية والسياسية في الكيان المحتل يشهد تباينا واضحا بين تيار يدفع نحو عملية عسكرية واسعة تستمر عدة أيام دون اجتياح بري، وبين اتجاه آخر يفضل توسيع دائرة بنك الأهداف لتشمل مواقع اقتصادية وعسكرية في الشمال والبقاع وحتى الضاحية الجنوبية في بيروت، في إطار ضربات انتقائية محسوبة، بعيدا عن استهداف البنى التحتية اللبنانية الرسمية كالمطارات والجسور ومحطات الكهرباء.
ويرجح جابر أن تجد دولة الاحتلال نفسها أمام استحقاق اتخاذ قرار عملي، إذ إن التهديدات المتكررة فقدت جزءا من مصداقيتها إذا لم تُترجم ميدانيا، وبناء عليه قد ينفذ الاحتلال عملا عسكريا محدودا يعيد تثبيت قوة الردع دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة كتلك التي لوّحت بها على مدى الأشهر الماضية.
وضمن هذا السياق بدأ الاحتلال الإسرائيلي عصر أمس شن غارات على أهداف منتقاة قال إنها معاقل لحزب الله في الجنوب، وفيما يبدو أنه اختار شن غارات مكثفة بعيدا عن عملية واسعة، قد تجر عليه تبعات لا يتحمل
 كلفتها.-(وكالات)