عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Nov-2022

سياسة الكتب المدرسية الفلسطينية‏

 الغد-جوليا بيتنر*‏ – (تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط) 7/11/2022

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
ليست قضية الكتب المدرسية الفلسطينية جديدة، كما يشير عنوان هذا المقال، الذي أُخذ من مقال أكاديمي كتبه فؤاد مغربي في العام 2001. والآن، بعد مرور 21 عامًا وإجراء 14 دراسة للمناهج الدراسية، ما تزال قضية الكتب المدرسية الفلسطينية سياسية كما كان حالها على الدوام. وتدعي إسرائيل مرة أخرى أن العنف الفلسطيني ناجم عما يتم تدريسه في المدارس، ويحذو الكونغرس الأميركي حذوها أيضاً، مطالبًا بإجراء مراجعة أخرى إضافية للمناهج الدراسية.‏
في العام 2019، اتخذ الاتحاد الأوروبي المسار نفسه من خلال التكليف بإجراء دراسة حول التحريض في الكتب المدرسية الفلسطينية، والتي اكتملت العام الماضي فقط، بعد ادعاءات من “مركز رصد السلام ‏‏والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي” IMPACT-se، وهو هيئة رقابية مقرها القدس، بأن المناهج الدراسية الفلسطينية للفترة 2018-2019 كانت “أكثر راديكالية من تلك التي اعتمدت سابقًا”.(1)‏
في أيار (مايو) 2019، أكد متحدث باسم الاتحاد الأوروبي لموقع “يورو نيوز” أنها “كانت هناك ادعاءات بأن بعض العناصر في الكتب المدرسية الفلسطينية لا تتماشى مع المعايير الدولية للتثقيف والتعليم في مجال السلام. وقد اعترضت مصادر متعددة على هذه الادعاءات. لذلك، يخطط الاتحاد الأوروبي لتمويل دراسة، سيقوم بإجرائها معهد أبحاث مستقل ومعترف به دوليًا”. وجمّد الاتحاد الأوروبي الأموال التي تُمنح للسلطة الفلسطينية إلى أن أكمل الدراسة “معهد جورج إيكرت” الشهير لبحوث الكتب المدرسية الدولية. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أفرج عن الأموال المخصصة للسلطة الفلسطينية في العام 2021، إلا أن استنتاجات تقرير “معهد جورج إيكرت” 2019-2021 ووجهت بالانتقاد على الفور، و”اعترضت عليها مصادر متعددة”.‏
كان هذا هو مصير جميع الدراسات السابقة من هذا النوع منذ الدراسة الأولى التي أجرتها ونشرتها في العام 1998 وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بناء على طلب من وزارة الخارجية الأميركية، والتي جاءت ردًا على مزاعم بوجود تصريحات معادية للسامية في كتبها المدرسية من “مركز مراقبة تأثير السلام، CMIP (الذي أصبح يسمى الآن “مركز رصد السلام ‏‏والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي” IMPACT-se)‏.
ليس الجدل الدائر حول مناهج الكتب المدرسية جديدًا ولا تنفرد به الحالة الفلسطينية. إنه يحدث حتى داخل الولايات المتحدة نفسها في الوقت الحالي، كما هو حاله في بلدان أخرى. وكما يوضح مايكل أبل، المنظر التربوي المتخصص في المناهج والبحوث، في أعماله، فإن الكتب المدرسية تأتي نتيجة لعلاقات القوة المعقدة والصراعات بين الطبقات والمجموعات الجندرية/ الجنسية، والجماعات الدينية التي يمكن تحديدها. وقد أكد مغربي ذلك في مقاله المنشور في العام 2001 عندما كتب أنه من خلال “التركيز على ما هو مدرج وما هو مستبعد في الكتب المدرسية، فإن هذه الخلافات تخدم لتكون بديلًا عن أسئلة أوسع نطاقًا عن علاقات القوة في المجتمع”. وفي السياق الفلسطيني، تتفاقم هذه الصراعات وعلاقات القوة بسبب الوضع السياسي المستمر، وتخضع لمطالب بإعادة النظر في المناهج الدراسية الفلسطينية فقط فيما يتعلق بالتحريض. وهكذا يتم تطهير التاريخ والثقافة والسياق، واستخدام النتائج، ليس لتحسين المعايير التعليمية، وإنما كسلاح لتعميق نزع الشرعية عن الرواية الفلسطينية والتجربة الفلسطينية المعاشة.‏
إن الادعاء الإسرائيلي بأن المناهج الدراسية في المدارس هي التي تسبب العنف الفلسطيني المستمر هو ادعاء مخادع وماكر في أحسن الأحوال، ويتجاهل عمدًا السياق السياسي والتاريخي. قبل العام 1994، لم تكن لدى الفلسطينيين أي سيطرة على ما كان يدرَّس في مدارسهم. وتعلم المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل المناهج الدراسية المعتمدة من إسرائيل، ومع ذلك كانت هناك احتجاجات واشتباكات داخل إسرائيل، يحتفل بها الفلسطينيون ويحيون ذكراها كل عام في “يوم الأرض”. وبعد العام 1967، عندما سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وغزة، استخدم الفلسطينيون هناك كتبًا مدرسية خاضعة لرقابة إسرائيلية شديدة، قادمة من الأردن ومصر، على التوالي. ومرة أخرى، جرت احتجاجات واشتباكات مستمرة، كان أشهرها “‏‏الانتفاضة‏‏ الأولى”، التي استمرت حتى ظهور عملية مدريد للسلام.‏
على الرغم من أن تاريخ الشرق الأوسط ليس مسألة قوية بين المشرعين الأميركيين، إلا أن هذا عام انتخابات أيضًا، ولذلك قفزت “لجنة الشؤون الخارجية” في مجلس النواب مرة أخرى إلى خضم الجدل الدائر حول الكتب المدرسية الفلسطينية بتمريرها في أيلول (سبتمبر) مشروع قانون “السلام والتسامح في قانون التعليم الفلسطيني”. وقد ظل مشروع القانون خاملا لأكثر من عام في “اللجنة الفرعية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” التابعة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، فقط ليتم نفض الغبار عنه قبل فترة وجيزة من ترك رئيس اللجنة، النائب تيد دويتش (ديمقراطي من فلوريدا) منصبه في الكونغرس ليصبح الرئيس الجديد لـ”اللجنة اليهودية الأميركية”.‏
وقد استفاد الراعي الأصلي لمشروع القانون، النائب براد شيرمان (ديمقراطي من كاليفورنيا) وجميع الرعاة الـ47 الآخرين -باستثناء ثلاثة- من دعم قدمته لهم الحملة المؤيدة لإسرائيل، في حين أنه من بين 20 عضوًا في “لجنة الشؤون الخارجية” في مجلس النواب، كان هناك أربعة أعضاء فقط من اللجنة -إلهان عمر (ديمقراطية من ولاية مينيسوتا)، وألبيو سيريس (ديمقراطي من نيوجيرسي)، وجيرالد كونولي (ديمقراطي من ولاية فرجينيا)، ويونغ كيم (جمهوري من كاليفورنيا)- لم يتلقوا أي دعم لحملاتهم من الجماعات المؤيدة لإسرائيل.‏
في حال تحول مشروع القانون المذكور إلى قانون، فإنه سيتطلب مرة أخرى من وزارة الخارجية تقديم تقرير عن المناهج الدراسية المستخدمة في مدارس المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وفي غزة (أي المدارس التي تشرف عليها “الأونروا” والمدارس التي تديرها ‏‏حماس‏)، حول ما إذا كانت المواد المستخدمة تشجع على العنف أو التعصب تجاه الدول أو الجماعات العرقية الأخرى، وتوثيق الخطوات التي تتخذها السلطة الفلسطينية لإصلاح هذه المواد، وما إذا كانت المساعدات الخارجية الأميركية تستخدم لتمويل نشر المواد المخالفة. ومع ذلك، وعلى عكس الدراسات السابقة، أضاف النائب أوغست فلوغر (جمهوري من تكساس)، وهو أيضًا متلق للدعم من الجماعات المؤيدة لإسرائيل، بندين إضافيين يجب البحث عنهما لدى مراجعة هذه المناهج -انتقاد إسرائيل، واستخدام كلمة أبارتايد، أو “الفصل العنصري” لوصف الحكم الإسرائيلي الذي يخضع له الفلسطينيون. وبالنظر إلى الشهية التي يبدو أنها لدى ولايته، إلى جانب العديد من الولايات الأخرى، لحظر الكتب و”نظرية العرق النقدية” المعروفة أيضًا باسم التاريخ الشامل، فإن تجاهل تاريخ الفلسطينيين وتجاربهم المعيشية يبدو مناسبًا لهذا النهج.‏
في النهاية، لا يستلهم الصراع محتوى الكتب المدرسية، وإنما يستلهم محتوى سياسات الصراع. وقبل تصويت مجلس النواب الأميركي بكامل هيئته على مشروع القانون هذا، سيكون من المفيد للأعضاء أن يقوموا بمراجعة تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وإسرائيل بشأن الأسباب الجذرية للصراع الدائر هناك. إنها، ببساطة، الجراح اليومية التي يُلحقها الاحتلال. أوه، حسنًا، إنهم يقاتلون حاليًا لإلغاء تمويل هذه اللجنة، لأنها “متحيزة”.‏
*جوليا بيتنر Julia Pitner: محررة مساهمة في‏‏ تقرير واشنطن. ‏‏تعيش في واشنطن العاصمة.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Politics of Palestinian Textbooks