عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Mar-2023

المساواة المتساوية والمساواة المتناسبة*حسني عايش

 الراي 

المساواة كالحرية قضية، اجتماعية سياسية. ولكنهما منفصلتان حسب الفيلسوف الألماني إيمانويل كنط (1724–1804) وهما القضيتان الرئيسيتان الاجتماعيتان السياسيتان في نظر فلاسفة آخرين، وأنهما تكونان في أحسن حالاتهما عندما تلتقيان.
 
لقد حددت الفلسفة الكلاسيكية الليبرالية الأوروبية المساواة بالمساواة أمام القانون، يهدف التمييز بين حكم القانون وحكم الأشخاص، فحكم القانون يطبق قواعد اللعبة على جميع اللاعبين.
 
لكن جوهر الفلسفة يقوم على اختلاف الناس في القدرات والإمكانات والحاجات... ومن ثم فإنها تدعوهم إلى التمييز بين معاملة الناس بالتساوي أمام القانون، وبين جعلهم في الواقع متساوين، إن جعل الناس متساوين يعني قيام إدارة ما – سلطة ما- بمحو الاختلافات أو الفروق بين الناس.
 
إن معنى ذلك معاملتهم بصورة غير متساوية وهو عكس المطلوب. إن معنى ذلك أن التقيد بقيمة واحدة بصورة مطلقة، أو تطبيقها حرفياً سواء أكانت الحرية، أو العدل، أو المساواة، أو الخلط بينها يؤدي إلى عكس الهدف المنشود من كل منها.
 
وقد انتبه الفيلسوف البريطاني المعروف أ. برلين في مقالاته الأربعة عن الحرية إلى هذا الخلط أو الفوضى القيمية السائدة بين الناس عندما قال: إننا لا نكسب شيئاً من فوضى المصطلحات وكمثال على ذلك يقول: فإنني لكي أتجنب عدم المساواة الواسعة بين الناس، أو انتشار التعاسة بينهم، مستعد للتضحية بجزء من حريتي أو بكاملها. وقد أفعل ذلك بإرادتي ومطلق حريتي. غير أنني اتخلى في هذه الحالة عن الحرية من أجل العدل والمساواة، أو من أجل محبة أبناء وطني، أو يجب أن أشعر بالذنب بالفعل إذا لم أكن مستعداً – في بعض الظروف – لهذه التضحية. ?لكن التضحية لا تزيد من المُضحى به هنا وهو الحرية، مهما كانت الحاجة الأخلاقية ماسة إليها، والتعويض عنها كبيراً. إذاً فكل شيء هو ما هو، فالحرية هي الحرية وليست المساواة، أو الإنصاف، أو العدل، أو السعادة، أو راحة الضمير وإن كانت حريتي أو حرية طبقتي أو أمتي تقوم على شقاء الآخرين، فإن النظام الذي يؤدي إلى ذلك غير عادل وغير أخلاقي»، وكما هو حاصل في الغرب الآن نحو الشعب الفلسطيني.
 
فرّق الفيلسوف الإغريقي أرسطوطاليس (384 ق.م–322 ق.م) أي قبل اربعة وعشرين قرناً –تقريباً–بين المساواة المتساوية (Identical Equality) والمساواة المتناسبة (Proportionate Equality). وعنده أن المساواة تكون متساوية عندما يتساوى شخصان في المركز الاجتماعي، أو يعملان الشيء نفسه بصورة متساوية. ولكن المساواة تكون متناسبة بإخضاع الشخصين لمعيار واحد على الرّغم من اختلاف مركزيهما أو عملهما. لكن اي المساواتين أكثر مساواة من الأخرى، وأيهما تحقق المساواة الأمثل، وما نوع المساواة المطلوبة؟
 
تتوقف إجابتنا على هذه الأسئلة حسب قيمنا، فبموجب قيمنا نحدد متى نعامل الناس معاملة متساوية: «الناس سواسية كأسنان المشط» (حديث شريف) ومتى نعاملهم معاملة متناسبة) (قل هو يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون) (9/39).
 
لحلّ هذا الإشكال لا مناص لنا من التفريق بين المساواة في بداية السباق أو المشوار أو العملية، والمساواة في نهايتها.
 
إن المساواة في بداية عملية التعلّم – مثلاً – هي مساواة في الفرص ابتداءً، ولكنها ليست مساواة انتهاء. لأننا لا نستطيع ضمان المساواة فيها بسبب الظروف الفردية والاجتماعية والاقتصادية....
 
مثال آخر: إن كلاً منا يتمتع بحق متساوٍ مع غيره في التعبير عن رأيه، لكن هل يعني ذلك أن جميع الآراء متساوية في الدقة والصواب؟ هل من العدل والإنصاف معاملة جهود الناس المتفاوتة وآرائهم المتباينة بصورة متساوية؟ هذا ما يعتقد به بعضنا – لأول وهلة – بل وكثير من الذين يرسلون كلمات إلى الصحف للنشر فيها، أو من الذين ينشرون كلماتهم في وسائط التواصل الاجتماعي. لمجرد أنهم كتبوها. «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟"
 
على الرّغم من كل ذلك هناك رغبة شديدة عند فئات في المجتمع في المساواة المتساوية، وبخاصة من المحرومين منها. نعم، إن المساواة المتساوية لازمة في بعض الحالات كالمساواة أمام القانون، والمساواة في الكرامة الإنسانية باعتبارها أساس جميع حقوق الإنسان، ولكن المساواة المتناسبة مطلوبة في مجالات أخرى كتناسب العقاب مع الجريمة، او الراتب أو الأجر مع صعوبة العمل... لكن الموضوع أوسع من ذلك وأكثر تعقيداً.