عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Dec-2019

بحكاياتها وتفاصيلها الواقعية.. مسلسلات قديمة تشعل الحنين بقلب المشاهد

 

ديمة محبوبة
 
عمان–الغد-  “بدون حواجز تسللت لأذنيّ كلمات وألحان أغنية جميلة.. عدت بذاكرتي إلى مسلسل سوري قديم أحببته كثيرا عنوانه (أهل الغرام)”، بهذه الكلمات بدأت تسنيم حديثها، عندما كانت تنتظر دورها في عيادة أحد الأطباء.
تذكرت تسنيم شارة العمل “ألا حبذا حبذا حبذا حبيــــبٌ تحمــلت منه الاذى، بنفسيَ منْ اشتكي حبــَّه ومنْ إن شكى الحبَّ لم يكذبِ ومن لا أبالي رضى غيرهُ إذا هو سرَّ ولم يغضبِ ألا حبذا حبذا حبذا حبيــــبٌ تحمــلت منه الأذى.”
انتظرت عودتها إلى المنزل بفارغ الصبر، وسارعت للبحث عن حلقات الموسم الأول لمسلسل “أهل الغرام”، وبدأت بمشاهدة الحلقات تباعا، من حلقة “كل القصايد” للأخرى، إلى أن التفتت لنفسها لتجد نفسها تتابع الحلقة رقم “10”، والتي تحمل اسم “وين مسافر” لنضال نجم ونسرين طافش.
تقول “عدت بذاكرتي عندما كنت أدرس في المرحلة الثانوية، وأتابع قصص الحب العاصفة وذات النهايات المحزنة، وكأنها تحدث معي، فلعل مراهقتي كانت مرتبطة بتلك الأحداث”.
اختصاصيون أكدوا أن “النوستالجيا”؛ أي الحنين إلى الماضي بكل ما فيه، بات يجذب العديد من الأفراد تحديدا بما ارتبط بذاكرتهم قبل سنوات، لذلك أصبحت الأعمال الحالية التي تعرض على شاشات التلفاز لا تجذبهم، وبعيدة كل البعد عن الواقع المعاش، ولا تشبه تلك الأعمال السابقة بقصصها الواقعية، والتي تعالج قضايا مجتمعية مهمة.
لذلك، يعود المشاهد للماضي بمسلسلات مرتبطة بذاكرته، وكان يتابعها، وينتقل لتفاصيل وضحكات، وحياة شبيهة بالحياة الحقيقية التي كانت تعيشها معظم المجتمعات العربية.
عائلة أم عدي تجد أن الخيار الأمثل لسهرة جميلة، هو مشاهدة أحد المسلسلات القديمة عبر محطة تهتم بإعادة بث هذه المسلسلات، خصوصا أنها تجذب الكبار والصغار معا، وتطرح قيما اجتماعية متعددة.
وتبين أم عدي أن المسلسلات التي تعرض اليوم على غالبية المحطات الفضائية، ورغم التكلفة الكبيرة لإنتاجها، وما يتخللها من إضاءة لافتة وديكور ومكياج وملابس وغيرها من الإضافات، إلا أن مضمونها بعيد عن الواقع، وعن الحياة الاجتماعية، وحتى عن الأخلاق والعادات والتقاليد، كما هو الحال في العديد من المسلسلات الجديدة.
وتؤكد أن السبب في مشاهدة المسلسلات القديمة، رغم حفظ تفاصيلها وإعادة مشاهدتها مرات كثيرة، هو الحنين لتلك الأيام التي كانت تجتمع عائلتها من صغيرها حتى كبيرها لمشاهدة المسلسل في موعد محدد، يناقشون أثره على العائلة، وعلى حياتهم، بحسب المشهد الذي يعرض أمامهم.
وهذا ما لا تجده هي وعائلتها في المسلسلات الحديثة، والتي تتحدث عن حياة صاخبة ورفاهية عالية وتصرفات من شباب وفتيات لا يمكن تعميمها على مجتمع بأكمله.
وتصف أم عدي، الأيام التي جمعتها بابنتيها لمشاهدة المسلسلات السورية والمصرية بأنها “أجمل الأوقات”؛ إذ كانت الابنتان تنجزان واجباتهما المدرسية، وتستعدان مع والدتهما لمتابعة الأحداث في الحلقة الجديدة؛ إذ يجهزن “إبريق الشاي” وبعض المكسرات والمقرمشات للاستمتاع بالجلسة.
وكانت من قائمة المسلسلات المفضلة لهن؛ “الفصول الأربعة”، “يوميات مدير عام”، “ورود في تربة مالحة”، “أبناء القهر”، والمسلسل المصري “سارة”، وهو مسلسل اجتماعي تدور أحداثه حول فتاة توقف نموها الذهني في الطفولة، وعادت إلى المرحلة الجنينية. وما تزال شارة البداية عالقة بذاكرة أم عدي، وأحيانا كثيرة تعود لتسمعها عبر مقاطع منفصلة على موقع “يوتيوب”، مؤكدة أن أحداث هذه المسلسلات محفورة في ذاكرتها بتفاصيلها.
الناقد الفني ناجح حسن، يبين أن ما يحدث اليوم في عالم المسلسلات وحب المشاهد لبعض الأعمال، خصوصا في المسلسلات الأجنبية، كما يسمى “ريتنغ” هو المحدد الأساسي لبقاء هذ العمل أو لا، حتى أنه يحدد موعد العرض له.
وبالرغم من هذا التطور التكنولوجي والتفاعل بين الجمهور والعمل، إلا أن الكثيرين ما يزالون يعودون لـ20 عاما مضت، بحثا عن المشاهد البريئة، والحياة الشبيهة بالحقيقية التي تعيشها معظم المجتمعات العربية.
ويؤكد أنه ليس الجميع يمتلك تلك السيارات الفارهة، والبيوت الخيالية، وحفلات الزفاف المرفهة، حتى أن الكثير من العائلات الحديثة وذات الغنى لا تبدأ حياتها بعاملتين للمنزل أحدهما مسؤولة عن الطعام، وأخرى عن تنظيف المنزل، وعند مجيء الطفل تكون له مربية خاصة.
ويؤكد أن الأعمال التي تقام في الفترة الأخيرة، ما هي إلا أنسب للسينما، مبينا أن الشخص يذهب للسينما مخيرا ومدركا لما سيشاهده هناك، أما أعمال التلفزيون فكانت قديما أكثر حرصا ورقابة، فهي أعمال تدخل للبيوت يشاهدها الجميع، وتجتمع العائلة لمشاهدتها، لذلك يوجد عائلات تلجأ للأعمال القديمة الخالية من مقاطع خادشة للحياء، وتلك التي تصلح لكل أفراد العائلة.
ويرجح اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، أن ما يحدث مع من يتابع هذه المسلسلات القديمة اليوم، لوجود جانبين؛ الأول مرتبط بالشخص ذاته وهو المشاهد، والثاني هو الحنين للماضي والهروب من الحاضر. ويوضح “فالواقع الذي يعشيه المواطن اليوم صعب سياسيا واجتماعيا وماديا، وما يوجد على الشاشات الفضائية اليوم لا يشبه الحياة بشكل كبير، لذلك يعود المشاهد للماضي بمسلسلاته هروبا من الأحداث في الحاضر”.
ويضيف “فالماضي معروف لهم وينقلهم من أحداث الحاضر لذاكرة الماضي بتفاصيله وضحكاته وآلامه التي ذهبت وعرفت نهايتها، بعيدا عن الخوف من المجهول حتى بمسلسلاته، وهذا ما يسمى بحالة “النوستاليجا””.
ويؤكد أن الأعمال الفنية في السابق كان لها قيمة ثقافية اجتماعية ودينية وتاريخية تساعد على بناء شخصية تستطيع أن تعيش الواقع.
أما اليوم فما يتم إنتاجه يتجنب الأهالي متابعته أمام الأطفال أو الأبناء، بما يتضمنه من مقاطع لا تتناسب مع عادات الأسر، والإيحاءات الجنسية الجريئة، وغير ذلك من نقل صورة بعيدة عن مجتمعاتنا.
ويبين اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة أن الحالات العاطفية التي يعيشها المرء تثير دائما لديه العودة للماضي، حتى عند الشعور بالحزن أو الفرح، فيقول “آه على أيام زمان”، وهذا يعني أن ذلك الزمن أفضل من الحالي. ويلفت إلى أن الإنسان عادة ينجذب أكثر إلى الأشياء المألوفة التي يعرفها ويحبها وخاضها من قبل بكل ما فيها، لهذا يعود لمشاهدة شيء متابع من قبل، حتى أنه يعيش تفاصيله من جديد كـ”رد فعل” طبيعي للبحث عن الأمان.