عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Apr-2020

ما بعد “كورونا”.. هل تعود العلاقات الإنسانية لسابق عهدها أم يتغير شكلها؟

 

مجد جابر
 
عمان-الغد-  لم يكن مصطلح “التباعد الاجتماعي” الذي فرضه “كورونا” منذ انتشاره في شتى أنحاء العالم “عابرا”؛ بجمعه “القسوة والنجاة” معا، فالأولى تلزم بحظر التجول والتزام البيوت، والابتعاد الكلي عن المحيط المليء بالأقارب والأصدقاء وزملاء العمل “كضرورة” في تحقيق الآخر.
“التباعد الاجتماعي” الذي أصبح حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكر وجوده، أو يتناسى طبيعته أو تأثيره بشكل من الأشكال، يطرح سؤالا مهما يتردد على ألسنة العديدين، وهو: هل العلاقات الإنسانية سيتغير شكلها بعد حقبة كورونا؟!
ربما يرى البعض أن العلاقات الإنسانية ستعود أفضل مما كانت عليه في السابق، وأن الانتظار والأمل يكمنان باختفاء هذا الفيروس الشرس، لتعود الحياة الطبيعية، ويستعيد الشخص تفاصيل يومياته المعتادة.
في حين أن فئة أخرى غير متفائلة تعتقد أن هذا التباعد الذي عاشه أكثر من نصف سكان العالم، لن يمر مرور الكرام، إنما سيترك أثره الكبير والخطير، كما يصنفه خبراء.
هل سيستطيع الأفراد ممارسة حياتهم كما كانت عليه الحياة في السابق؟، أم سيكون هنالك خوف من “تقارب اجتماعي وإنساني” لا تحمد عقباه بتسببه للإصابة بالمرض الخطير، حتى وإن اختفت كورونا من هذا العالم؟.. هي أسئلة منطقية يطرحها الكثيرون لخوف يحمله مستقبل محفوف بالمخاطر من تبدل العلاقات، واختلافها، وميل الناس للعزلة أكثر من الاندماج بالمحيط.
وثمة فارق بين العزل الذاتي والتباعد الاجتماعي، فالعزل الذاتي والحجر الصحي هما إجراءان يهدفان لمنع الأشخاص المصابين أو الذين خالطوا أشخاصا مصابين بالفيروس من نشر العدوى، لكننا ربما نحتاج للالتزام بالتباعد الاجتماعي لبعض الوقت؛ إذ حذر بحث حديث أجرته جامعة هارفارد باستخدام نماذج المحاكاة بالحاسوب، من أن تدابير التباعد الاجتماعي قد تفرض من وقت لآخر حتى العام 2022 في الولايات المتحدة، ما لم يتوصل العلماء لوسائل أخرى فعالة مثل، اللقاحات أو الأدوية لكبح انتشار الفيروس، وقد تطبق تدابير صارمة للحجر الصحي.
واعتبرت الدراسة أن هناك أسبابا عديدة أدت إلى تبني سياسية التباعد الاجتماعي بوصفها من أفضل السبل للحد من انتشار وباء كورونا المستجد؛ إذ يعتقد العلماء أن كل شخص مصاب بفيروس كورونا المستجد قد ينقله إلى شخصين أو ثلاثة أشخاص في المراحل الأولى لتفشي الفيروس.
خبراء بعلم النفس اعتبروا أن الإنسان بطبيعته السيكولوجية مرن، فهو قادر على التأقلم، ومن السهل أن يعود إلى سابق عهده فور عودة الحياة لطبيعتها، في حين اعتبر آخرون، أنه مهما كانت الظروف، إلا أن تلك السلوكيات الجديدة ستترك أثرها على الناس خصوصا الجيل الصغير، الذي ما يزال في طور النمو.
وفي ذلك، يقول الاختصاصي النفسي الدكتور يوسف مسلم لـ”الغد”: “إن سيكولوجية الإنسان عموما تتميز بالمرونة، فالإنسان بطبيعته سهل جدا، ويعود لطبيعة الروتين الذي اعتاد عليه”، مبينا أن الروتين الذي اعتاد عليه الناس في هذه الأزمة سيخلق اختلافات، ولكن ستكون متباينة من فرد لآخر، وعلى حسب طبيعة التجربة، فلا شك أنها ستترك أثرا، لكن ليس بالضرورة أن يستمر مع الشخص.
ويضيف “أن الأسهل للإنسان أن يرجع للروتين الذي اعتاد عليه منذ سنوات، فضلا عن اتباع منهج جديد، وهذه حقيقة وقاعدة سيكولوجية موجودة لدى الجميع”، مبينا أن عودة الانتظام إلى الروتين القديم، ستجعل الشخص ينسى ما اعتاد عليه في الفترة البسيطة من حياته خلال مدة الأزمة.
لكن التغيرات التي قد تحدث حقيقية، وعلى رأسها السلوك الاستهلاكي، وفق مسلم؛ إذ إن هذه التجربة علمت الناس شيئا مهما في السلوك الاستهلاكي خاصة بالتوجه العام في هذه الأزمة لضرورة التفكير بالأساسيات، والتغاضي عن الكماليات.
ويضيف “هذه أول مرة يضطر بها الأفراد الاستغناء عن الأمور الثانوية، وهو ما نقلنا إلى وضع مختلف في الانتباه إلى الكماليات، فمن الناحية السيكولوجية اختلف السلوك الاستهلاكي، خصوصا أن الأفراد سيميلون أكثر لأن يكون معهم وفرة مالية، بسبب طبيعة الظرف”.
إلى جانب أن تواجد الأفراد في البيت هذه الفترة جعلهم يلتفتون لأمور واحتياجات وتفاصيل معينة، وفق مسلم، ومن أهمها التفاعل، تحديدا من كان لديهم ضعف في العلاقات والمهارات والإمكانيات والتواصل، لافتا إلى أن هناك مشكلة فعلية لدى بعض الأسر، بعدم قدرتها على التواصل فيما بينها، وبالتالي، هذه الأزمة ستخلق تغيرات في تنظيم الأسر واهتمامها.
ويعتبر مسلم، أن هذا الكلام كله مبني على دراسات من فريق كامل ومتكامل، قام بدراسة كل هذه المتغيرات خلال الأزمة، مبينا أن هناك كثيرا من الأسر لمست المشكلات الحقيقية لديها، من خلال البناء عليها وتطويرها.
ويضيف “أن الهم العام واحد بالأزمة الحالية، ما زاد من تعاطف الناس فيما بينهم، وأصبح من يخالف ذلك “منفرا” للناس، وأنه شخص يهدد الأمن ويعرضهم للخطر، وعليه، ستبدأ صور من التراحم والتماسك في الظهور بالمجتمع، وهو ما بدأ يظهر الآن، وبعد ذلك، عبر حملات اجتماعية كبيرة للتعاون بعد ظهور المتضررين من الأزمة، وهو أمر إيجابي جدا”.
ومن وجهة نظر أخرى، يرى الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، أن حقيقة السلوك الإنساني هي عبارة عن تكرار الشيء في فترة زمنية ما، ليصبح نمطا اجتماعيا وسلوكيا، بالتالي، بدأ الأفراد الاعتياد على أمور تغيب، مثل، “السلام والعناق مع التباعد الاجتماعي”، وعليه، إذا استمر الأمر كذلك، فهناك الكثير من أنماط الناس ستتغير.
ويضيف مطارنة “أن زمن كورونا ولد ثقافة اجتماعية مختلفة، قد تتحول لثقافة مجتمع كاملة، خصوصا فيما يخص التعاملات الإنسانية”، مبينا أن نمط التفكير عند الناس قد يتغير وبعض المعتقدات، وبالتالي، فإن ما بعد كورونا ليس كما قبلها.
كذلك، إن لم يؤثر هذا السلوك على الجيل الكبير، والذي تأصلت لديه هذه العادات الاجتماعية، وفق مطارنة، فإنه سيؤثر بجيل الصغار، ومن ما يزالون في طور النمو، لرؤيتهم جميع هذه السلوكيات والتعاملات المختلفة والأخذ بها.
ويرى أن زمن “كورونا” خلق ثقافته الخاصة وعاداته الاجتماعية الجديدة، التي سيكون لها تأثير على السلوك الإنساني الذي يعد نمطيا ويلتقطه الصغار أكثر من الكبار، وينعكس بتغيرات كبيرة على ثقافة مجتمع كامل، وأنماط سلوكية جديدة.