عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Mar-2023

أمثال شعبية متوارثة.. ما بين عفوية الكلام والاتهام بـ”التنمر”!

 الغد-تغريد السعايدة

 منذ عقود طويلة وفي مختلف الثقافات المجتمعية، كانت الأمثال وما تزال طريقة للتعبير عن موقف ومشاعر معينة، وقد تصيب تلك الأمثال أو تخطئ في وصف الحالة، إلا أنها مستساغة ومتداولة على الألسنة وتتوارث جيلا بعد آخر.
بيد أن هناك جزءا من تلك الأمثال تشجع على التنمر في سياق الكلام، وأحياناً يكون المثل هو حالة من التنمر بحد ذاته، وكل شخص قادر على استعادة سريعة لمحتوى بعض الأمثال التي سمعها في حياته، فإنه يستنتج أن جزءا منها يعد نوعا من التنمر غير المقصود، ويرى كثيرون أنها من المصطلحات التي عززت سلوك التنمر في المجتمع.
مثل سمعته هنادي في أحد المسلسلات العربية، تقول فيه إحدى السيدات منتقدةً غيرها “كل فوله مسوسة إلها كيال أعور”، وتقول هنادي إن هذا المثل رغم طرافته إلا أنه مليء بعبارات التنمر الموجهة للآخرين، واستخدام كلمات لحالات مرضية معينة.
وتبين هنادي أن كثيرا من المصطلحات نسمعها في الأمثال بشكل يومي سواء في حياتنا اليومية أو من خلال تلك البرامج التي نشاهدها في التلفاز، والتي بالفعل يمكن أن تكون من أسباب “استساغة التنمر على الآخرين من خلال كلمات فيها نعت لحالات خاصة”.
وعلى الرغم من ارتباط تلك الأمثال بالموروث الشعبي، ووجود الكثير منها مما لا يمكن ذكره لوصف بعض الأشخاص بطريقة “متنمرة بامتياز”، إلا أنها تتكرر بشكل دائم بين حوارات وتشبيهات الأشخاص للآخرين، بيد أن الخبير بالموروث الأردني والشعبي نايف النوايسة، يرى أن التنمر مصطلح حديث بمعناه الذي يفضي إلى الاستقواء والسخرية والاستهزاء.
ولكن، وفق النوايسة، علينا أن نربط بين المصطلح الحديث “للتنمر” ومفهومه القديم لدى الأجداء والأبناء والمجتمعات القديمة التي لم يكن للتنمر اللفظي بالمصطلحات أي وجود، ومن ذلك ما قدمه النوايسة من أمثلة على ذلك، كما في قول “فتلة العويلة طويلة، كلب الشيخ شيخ مثله، قريع عند ذياب، بيدر غوارنة، حيرتنا يا أقرع من وين نبوسك”.
كما قدم النوايسة مجموعة من الأمثال التي يعتبرها التربويون أو المختصون في الوقت الحالي نوعا من التنمر، مثل ما يقال قديماً “حراث بل (بعارين)، حراث حمار وثور (كناية)، ومثل آخر يقول تتباهى في قرون خالتها، صلاة الغولة مش مقبولة، الطول طول نخلة والعقل عقل سخلة”.
كل تلك الأمثلة ما تزال تتردد حتى وقتنا الحالي مع اختلاف اللهجات التي يتحدث بها الناس، بل إن نسبة كبيرة منها تستخدم في الدول العربية والغربية كذلك، ولكن بطريقة أخرى، ولكنها تحمل المضمون ذاته، حيث يرى النوايسة أنها تأتي فقط من باب السخرية الموجودة عند الناس منذ القدم لأن الفروقات في المستويات العقلية والأخلاقية تنتقل من جيل إلى آخر.
وفي المقابل، يشير النوايسة إلى أن هناك كنايات وأمثالا تدل على المستوى الأخلاقي العالي مثل “أبو عين كريمة (كناية عن الأعور)، بيت الكريم ما بخلى من العظام للدلالة على الكرم، فلانة أخت رجال (كناية عن المرأة الشجاعة الكريمة النخوية)، نفسه عزيزة (كناية عن الترفع وعدم الدناءة) أو لاقيني ولا تغديني (مثل)”.
لذلك، يؤكد النوايسة أن هذه عبارة عن مقولات وأمثال كانت تُضرب في الوصف، ولا علاقة لها بالتنمر كما يرى البعض، مشدداً على أن المجتمع تغير والثقافات تغيرت، والمجتمع بات أكثر انفتاحاً والمصطلحات تغير معناها اللغوي، أحياناً، خاصة في حال كان يراد بها التشبيه المجازي.
ومن خلال حديثه لـ”الغد”، يبين النوايسة أن الأساليب والأسس التربوية والثقافية التي يتربى عليها الفرد، هي ما تعزز سلوكه في التعامل مع الآخرين، ولا يمكن أن يتم الحكم من خلال مثل عابر على أن الشخص متنمر بشكل عام، بل هي أمثال عفوية لا يقصد منها ذلك، ولا يمكن أن تؤخذ فقط الأمثال السيئة في الوصف، وترك الكثير مما يعد حثا على الخير والكرم والجود والنخوة التي كانت من أساسيات المجتمع الأردني على مر العقود.
ومما لا شك فيه أن الأمثال التي تنتشر في بعض الدول العربية المجاورة، وخاصة في مصر وبلاد الشام، فيها الكثير من الأمثال والعبارات التي يعتبرها البعض “ذات توجه متنمر”، كما أن الإعلام والطرح في المسلسلات والأفلام والتباهي بكثرة الأمثال الشعبية وتناولها بجانب كوميدي طريف، مُضحك للجمهور، يعد أحد أسباب انتشار تلك الأمثال بشكل كبير وفي لهجات متعددة.
كما أن وجود مواقع التواصل الاجتماعي وخاصية البث المباشر أحياناً، يسمح للناس بتبادل الأحاديث ومقاطع الفيديو بشكل واسع، ما يزيد من الاطلاع على الثقافات فيما بينهم، والأمثال تعد من الأقاويل المفضلة للناس للتعبير عن الرأي، في الأحاديث الودية، نوعاً ما، لذلك وفي ظل الحديث الدائم عن التنمر وطرق انتشاره يعتبر البعض أن “الأمثال قد تكون سبباً في تبادل ونقل وتوارث التنمر”.
الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة، يرى أن أكثر ما يزيد من حجم التنمر في المجتمع هو ماهية الحياة التي يحيا بها الطفل في مجتمعه، والتي تتحكم بها التبعات النفسية والاقتصادية والمجتمعية والنفسية والأسرية في الوقت ذاته، ومنها قد يخرج للمجتمع إنسان متمرد متنمر، أو سوي أو شخص يقع تحت مطرقة الاستقواء من المتنمرين، وبالتالي تصبح جزءا من التقليد غير السوي في المجتمع.
النوايسة تحدث كذلك في الكثير من المحافل عن التنمر بوصفه سلوكا بشريا ينشأ عليه الإنسان حتى بات ظاهرة نتحدث عنها بشكل دائم، وتجتاح مختلف الفئات، سواء الكبار أو الصغار في المدارس والجامعات والشارع.
ولا يمكن ربط أي حديث أو مثل بأنه يمكن أن يكون سببا في نمو ظاهرة التنمر في المجتمع، بل إن النوايسة يرى أن الاستقواء بين أفراد المجتمع له الكثير من الدوافع التربوية والاجتماعية والنفسية على حد سواء، ولا شك أن البيئة التي يعيش فيها الفرد، وبخاصة “الطفل”، قد تكون السبب الأكبر في وجود أشخاص متنمرين وآخرين مُتنمر عليهم.