عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Feb-2019

الشمع لا یذوب مرتین" و"صرخة مونش" للرحبي: حكایات الصحافة.. وھموم الإنسان المعاصر"

 

ّعمان-الغد- لا یمكن للإنسان أن یعبر من النھر مرتین، ھي المقولة التي ربما أوحت للكاتب العماني محمد بن سیف الرحبي بعنوان الكتاب ”الشمع لا یذوب مرتین“ الصادر عن الآن ناشرون وموزعون بعمان.
والشمع إذ یستعیره الكاتب بدلالتین متضادتین، فھو یشیر للزمان والأثر في آن معا، فالشمع یتلاشى في احتراقھ، لكن ھذا الاحتراق ھو مصدر النور والتنویر.
في عتبة الكتاب ھو العنوان یلخص ما أراد أن یقول في العنوان الفرعي للكتاب ”تجربتي في الصحافة“ التي تنطوي على احتراق حقیقي للأعصاب، ولكنھ -دون ارتدادات نفسیة للمفردة- یمثل احتراقا لذیذا بما یرى من وھج الحروف والكلمات وھي تشع على الورق في مقالة أو تحقیق أو حوار أو قصة إخباریة أو ما یتصل بفنون الصحافة.
وبعد مشوار طال أم قصر، یقف الإنسان/ الكاتب أمام مرآة الذات لیسترجع ما مضى وما راكم، لیتلمس أثر الحبر على یدیھ مما ترك السمع من سناء، أو مما تركت الفراشة من أثر بحسب محمود درویش.
كأني بالكاتب محمد بن سیف الرحبي یردد معھ الصدى ما قال الشاعر وھو یسترجع الصور التي تمر كالخیال لدار جریدة عمان، وعملیات المونتاج ورائحة (الربر) ولدانتھ وھي تمسك بالكلام، ثم انتقالھا إلى الصنادیق الغامضة في (علب) الحواسیب، ومرورھا إلى سرادق المطابع
وخروجھا كسمك یفیض على الشاطئ، وخلال ذلك یستذكر التحولات التشریعیة للصحافة وارتداداتھا الاجتماعیة كشاھد على حقبة من الزمان، وھذه ھي أھمیة الكتاب الذي لا یمثل سیرة
ذاتیة، بل شھادة على حقبة للمكان والزمان وارتداداتھ الاجتماعیة.
ویستعید الكاتب بحنین متسائلا، كیف انفرط عقد السنوات، ولم نقبض على ما یكفي من حیاة،
وھو یقصد أن ھذه المھنة التي تُسمى مجازا السلطة الرابعة تأخذ الكائن وتحولّھ إلى ماكنة تركض وتركض وراء أحداث ووقائع، ربما لا تخصھ، ولكنھا تأكل عمره.
ُ ویقول قبل ثلاثین عاما اتخذت القرار البسیط والعادي أن اختار السیر نحو الصحافة، فغرق فیھا، ویقول ما حببني في الصحافة، أنك تنتظر كل یوم حكایة، ھي ھدیة كما یسمیھا، وھي حكایة الكاتب مع ما یتنفسھ من حبر الطباعة والزمن الذي یضبط عقاربھ مع صوت المطبعة الذي یھدر بأصوات الفرح والحزن والصور.
ومھنة الصحافة، یعني أن تمشي على حبل مشدود بین أن تكون ضد أو مع الحكومة، مستدركا ُّ جئنا في الزمن الصعب، من طفولة محرومة، وسرنا في زمن متباین الاتجاھات والتوجھات.
ویقول الكاتب: دخلت عالم الصحافة من حیث لا أحد حریص على أن یعلّم أحدا شیئا، وما تستطیع تعلّمھ علیك الفوز بھ باجتھادك، ھو نبت من الصخر أو مقارعة للجدران التي تنبني في المؤسسات الصحفیة، وفي مواقع الخبر والظلال التي تحكم سیر الخبر ولأي سبیل یسیر.
ھي حكایة شخصیة مع الحبر وھدیر الماكنات، ولكن الكاتب یراھن على العبور بھا نحو العام في ما لا تخون الذاكرة، ویكتب عن القریة والدراسة وبدایة العمل، ثم دخولھ ”بلاط صاحبة الجلالة“.
ویتوقف عند تحولات الصحافة وفضلھا علیھ وعلى المجتمع الذي یصفھا حیاة في الحیاة، ملتفتا
إلى ما یدور في كوالیس الصحافة ودھالیزھا، مستدركا في ”ما بعد الحكایة“ وكصحفي محترف،
فقد بقي حریصا في ما یكتب أن یتیح المجال فیما قال للتأویل الذي یمكن أن یفھم خطأ، فبقیت
حساسیة المحرر تمثل ضابطا للرقابة الذاتیة التي ”تفلتر“ الجمل والمفردات والفقرات التي یعي
معھا أن ”مدیر التحریر“ یفرض علاقات ملتبسة ومرتبكة وشائكة مع كثیرین، في الصحیفة وخارجھا.
ُ الكتاب الذي زین بلوحة للفنان العراقي علاء بشیر یقع في 130 صفحة من القطع الوسط مرفقا
بصور توضیحیة تبین تحولات الطباعة الصحفیة في سلطنة عمان.
ھي كما یقول الكاتب الرحبي، حكایة بسیطة لإنسان بسیط جاء من قریتھ ولیس في جیبھ حتى
الأحلام، كي یدعي أنھ جاء لیحققھا، لم یعرف سوى أن یمضي، وكما یقول: وعشنا وعشنا وعشنا..
عمل في الصحافة لأكثر من ثلاثة عقود، شغل منصب مدیر تحریر، وخبیر إعلامي بمكتب وزیر دیوان البلاط السلطاني، ومدیر عام لمؤسسة بیت الغشام ورئیس تحریر لمجلة التكوین.
أسس ملحق شرفات الثقافي، وتولى رئاسة تحریر مجلة الثقافیة الصادرة عن مركز السلطان قابوس للثقافة والفنون.
ّوقدم تجارب روائیة وقصصیة ومسرحیة وسردیة في 27 كتابا، وكتب عمودا یومیا بجریدة ُ الشبیبة وقدم برنامجا تلفزیونیا على قناة عمان الثقافیة بعنوان أسئلة.
ّ صدر لھ مجموعة من الروایات منھا: ”رحلة أبو زید العماني“، ”الخشت“، ”السید مر من ھنا“، ”الشویرة“، ”اسمھا ھند“، ”حیتان شریفة“، وست مجموعات قصصیة، في المسرح وأدب الرحلات والمكان
فاز بجائزة الشارقة للإبداع العربي، وعدد من الجوائز المحلیة في السلطنة.
وفي كتابھ الثاني ”صرخة مونش“، یستعیر الرحبي عنوان مجموعتھ الصادرة، أیضا، عن الآن ّ ناشرون بعمان من اللوحة الشھیرة التي رسمھا الفنان النرویجي إدفارت مونش.
وكانت لوحة مونش ضمن سلسلة رسمھا الفنان التعبیري تناولت قضایا الحیاة التي تتصل بالمشاعر الإنسانیة، ومنھا القلق و الخوف والحب والفرح والكآبة والموت والسأم.
وتتجلى استعارة الصرخة/ الصراخ في غالبیة قصص المجموعة بالصراخ أو العواء أو ما یشبھ ذلك، ولكنھا في قصتھ الأولى التي حملت المجموعة عنوانھا یعید الكاتب صورة اللوحة التي رسمھا الفنان نھایة القرن التاسع عشر من خلال حكایة تجمعھ مع أخیھ لالتقاط صورة تكون عبارة عن صرخة لا تنتھي.
یلتقط القاص الرحبي في مجموعتھ التي تقع في 84 صفحة من القطع المتوسط مواضیعُ قصصھ من البیئة المحلیة الع ّ مانیة التي تكثر فیھا أسماء المناطق، وینوع في أسلوبھ بین الواقعي
بما ھو ممكن التحقق، ولیس ما جرى.
كما یمیل أحیانا في كتاباتھ إلى المتخیل الرمزي، وھو ما یغلب على غالبیة القصص في مرامیھا، ویذھب فیھا إلى فضاءات السوریالیة والفنتازیا.
یلتقط القاص في قصصھ متاعب الإنسان المعاصر الذي لا یجد متنفسا سوى الصراخ بأعلى صوت كاحتجاج على مشاعر القلق والخوف التي تحیط بحیاتھ التي تعرضت للتغییر الفاجعي كما في قصة ”فراغ بین أخوین“.
ینسج القاص نصوصھ باحتراف یقترب من العفویة التي تبسط الأشیاء حد الدھشة، ومن المؤكد
أن تلك المھارة لا تتوفر إلا لكاتب فذ أمسك بناصیة الكلام الذي تشبع بھ من الحكایات التي سمعھا من خابیة التراث، ویتمثلھا في عدد من الأنماط الحكائیة، ومنھا ”بطن الذھب“ و“الحجل العرب“، و“ھجیر مات“ التي یؤسس فیھا لأسطرة المكان واجتراح محكیة لأصل الأشیاء في الثقافة الشعبیة.
یحكي القصة كأنھ یستعید ذكریات من الماضي بروح الراوي الشفاھي، یسردھا بلغة بسیطة، فیشعر المتلقي وكأنھ یسیر مع المتكلم في تلافیف الحكایة ویقابل شخوصھا، أو كأنھ یعرفھم، ویستفز المتلقي بفعل نمطي تراثي، مثل: ”یحكى أنت“ أو ”أشیع“ أو بكلمات صادمة ”ھجیر مات“، وكأنھ یبدأ من النھایة للعودة إلى متن الحكایة التي صارت إلیھا النھایة.
وكما ترمز اللوحة إلى ذروة القلق والذھول والیأس، فإن قصص الرحبي لا تخلو من حالةّ الانفعال التي یریدھا الكاتب، وخفة ظل تصنعھا المفارقة بین الأزمان أو الأماكن التي نقلتھا الحیاة المعاصرة من البساطة والھدوء والسكینة إلى السأم والملل والقلق.
تشتمل المجموعة على ثماني عشرة قصة تختلف في حجومھا بین القصیرة والمتوسطة، كما تختلف في موضوعاتھا بین ما یراه في الشارع، وما یستعیده من ذاكرة الماضي، وما یعیشھ.
ومن تلك القصص: ”صرخة مونش“، ”غناء النخیل“، ”سدول اللیل“، ”ولیمة في بیت حسن“، ”غریب“، ”حكایة النھایة“، ”أبي المراوغ البخیل“، ”ھل لأني أشعر بالسأم“.
كتب د. حسن مدن: ”في قصص محمود الرحبي نشاط غریب مقلق، فھي تنطلق من الواقع المألوف، ومن خلالھ تسیر بك إلى لقاء الغرابة واللامعقول في ذواتنا ودواخلنا“.
ویقول القاص الأردني محمود الریماوي إن قصص الرحبي ”تمثل ضربا من تجدید الواقعیة وإغنائھا، والوفاء لھا، وشحذ أدواتھا على صعید المضمون والموضعات، وكذلك على صعید الشكل من حیث استلھام أسالیب القص القدیم وروحیتھ التعبیریة“.
أما الناقد العراقي د. ضیاء خضیر فیقول: ”إن ما یرسمھ القاص في لوحتھ/ نصھ السردي ، ھو مشاھد طبیعیة : مخلوقات ، طیور وحیوانات وقمر وبشر وأشیاء یراھا الجمیع، یمرون بھا ، ولكنھم لا یتأملونھا كما یفعل محمود الرحبي“.
یشار إلى أن القاص العماني محمود الرحبي موالید العام 1969 م، حاصل على إجازة في الأدب العربي من جامعة الملك محمد الخامس بالمغرب.
أصدر عددا من المجموعات قصصیة وروایتین. فازت مجموعتھ القصصیة ”لماذا لا تمزح معي“ بجائزة أفضل إصدار قصصي في معرض مسقط للكتاب للعام 2008 ونالت مجموعتھ ”أرجوحة فوق زمنین“ بالمركز الأول في جائزة دبي الثقافیة العام 2009.