عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Aug-2025

الأسرار بين الأزواج.. شروخ تتسع بمرور الوقت تؤذي الطرفين

 الغد-ربى الرياحي

في العلاقات الزوجية لا يقاس الاستقرار فقط بعدد السنوات أو حجم الذكريات المشتركة، إنما بمدى الشفافية والقدرة على كشف ما في الداخل. فالعلاقة التي تبنى على الصراحة تشبه بيتا جدرانه من زجاج يدخل إليه الضوء من كل الجهات، بينما العلاقة التي تظللها الأسرار تتحول ببطء إلى غرفة مغلقة لا يعرف لها طريق.
 
 
 إخفاء الأسرار بين الزوجين هو شرخ دقيق قد يتسع بمرور الوقت حتى يضرب بجذور العلاقة. السر هنا ليس معلومة مخفية بل رسالة ضمنية للطرف الآخر، "لا أثق بك كفاية أو لا أريد أن أشاركك ما قد يغير نظرتك لي". هذه الرسائل غير المعلنة تزرع في اللاوعي ومع تراكمها تتحول الثقة إلى شك والطمأنينة إلى حذر دائم. 
 
سعد (35 عاما) يرى أن إخفاء الأسرار تصرف يتم اللجوء إليه بقصد الحماية أو لتجنب الخلاف، لكنه مع مرور الوقت يتسبب في إحداث شروخ بين الزوجين من شأنها أن تهدد صرح العلاقة من الداخل، وهذا تماما ما بدأ يفهمه مؤخرا.
 يقول في فترة من الفترات إنه كان مضطرا لأن يخفي عن زوجته ظرفه المادي الصعب الذي وصل إليه بعد تراكم الديون بسبب استثمارات فاشلة، هو في ذلك الوقت كان يظن أنه يحميها من القلق، لكن كلما كانت تمر الأيام وتتعقد المشكلات المالية أكثر، وكان الضغط النفسي يزداد لديه، كما أصبح عصبيا جدا، إضافة إلى غيابه الطويل عن المنزل بحجة العمل الإضافي.
 كل تلك التصرفات كانت كافية لتثير الشكوك في قلب زوجته التي تأكدت أن هناك أمرا كبيرا يحدث لا تعلمه،  فما كان أمامه حل سوى أن يصارحها ويخبرها بكل شيء، فاكتشاف زوجته للموضوع لم يمر مرور الكرام، بل أشعرها بالخيانة والخذلان، إذ لم يكن المال هو المشكلة بقدر ما أن كتمان الأمر وكسر الثقة يؤلمان بالنسبة لها. 
مايا عبدالرحمن أيضا وجدت في الإخفاء غطاءً يحميها، تقول لم يكن قصدها أن تلغي زوجها أو تبعده عن القرارات المهمة في حياتها، بل كانت تعتقد أن التكتم على أمور تخصها وترتبط بها وبعائلتها يمنحها المساحة للتصرف بحرية أكثر.
إن الشفافية بين الزوجين لا تعني كشف كل تفاصيل الحياة الماضية أو الحاضر بلا فلترة، بل تعني بناء بيئة يستطيع كل طرف فيها أن يشارك ما يؤثر على العلاقة من دون خوف من الإدانة أو العقاب.
من منظور نفسي، إخفاء السر ليس مجرد فعل صامت بل هو رسالة غير مباشرة بأن هناك مساحة غير مسموح للطرف الآخر بدخولها. هذه المساحة إذا اتسعت تزرع فيها بذور الشكوك والتأويلات، وقد تدفع الشريك الآخر إلى البحث عن الحقيقة بطرق قد تزيد الوضع تعقيدا والمفارقة أن نية الحماية أو تجنب المواجهة غالبا ما تنقلب إلى نتائج عكسية فتزيد المسافة العاطفية وتقلل من الأمان النفسي بين الزوجين. 
بدورها تبين الاستشارية النفسية الأسرية والتربوية حنين البطوش أن العلاقة الزوجية تبنى على الثقة والمصارحة، لكن هذه الثقة قد تتعرض لاختبارات حقيقية حين يدخل "إخفاء الأسرار" إلى المعادلة، فبين ما يُعد حقًا في الاحتفاظ بالخصوصية، وما يتحول إلى حجب مؤذٍ للحقيقة، تمضي بعض العلاقات على حافة رفيعة، أن إخفاء السر قد يكون أحيانًا بدافع الحب أو الحماية، لكنه أحيانًا أخرى يصبح بوابة لانهيار التواصل، وتصدّع الأمان العاطفي بين الشريكين.
إخفاء الأسرار في الحياة الزوجية وفق البطوش؛ هو حالة يتعمد فيها أحد الطرفين حجب معلومات أو تفاصيل ذات قيمة عن شريكه، سواء ارتبطت بالمشاعر، القرارات، التجارب السابقة، أو حتى أحداث الحاضر، وقد يكون هذا الإخفاء جزئيًا أو كليًا، بوعي كامل أو تحت ضغط الخوف والحرج، حيث تتنوع هذه الأسرار بين مالية كإخفاء ديون أو استثمارات، وعاطفية مثل مشاعر تجاه شخص آخر أو علاقات ماضية، وشخصية كالماضي الحساس أو المشاكل الصحية والنفسية، وحتى تفاصيل يومية بسيطة تُخفى لتجنب الجدل.
 ورغم أن الأسرار الصغيرة غالبًا ما تُحل بسهولة إذا واجهها الطرفان بصدق، فإن الأسرار الكبيرة، خاصة تلك التي تمس الثقة والقيم المشتركة، قد تترك جروحًا عاطفية عميقة تحتاج وقتًا طويلًا للشفاء، وإخفاء الأسرار ليس دائمًا سلبيًا؛ فقد يكون أحيانًا بدافع حماية المشاعر أو احترام خصوصية الآخرين، لكن خطورته تبدأ حين يتحول إلى نمط متكرر أو يتضمن ما يمسّ الحقوق والقرارات المصيرية للطرف الآخر.
وتنوه البطوش؛ هنا يظهر الرابط القوي بين ضعف الثقة وإخفاء الأسرار؛ فكلما قلّ شعور أحدهما بتفهّم الآخر واحترام مشاعره، زاد ميله للإخفاء، مما يؤدي إلى تراكم الأسرار وانهيار الثقة في حلقة مفرغة، ومع مرور الوقت تتحول هذه الأسرار إلى جدران غير مرئية تعزل الزوجين عاطفيًا، وتجعل الحوارات بينهما سطحية، فتتآكل مساحة الانفتاح والدفء، ويشعر كل طرف بالوحدة حتى وهو في قلب العلاقة.
يؤدي المجتمع والثقافة دورًا محوريًا في تشكيل نظرة الأزواج إلى مسألة إخفاء الأسرار، ففي بعض البيئات، يُشجع الكتمان باعتباره وسيلة "لحماية البيت" أو "تجنب الفضائح"، ويُنظر إلى الصمت على أنه فضيلة تحفظ السمعة، بينما في ثقافات أخرى، تُغرس قيم الشفافية والمصارحة منذ الصغر، فيُصبح الإفصاح علامة قوة لا ضعف.
كما تؤثر الصور النمطية حول أدوار الرجل والمرأة على ما يعده الأفراد مقبولًا أو مرفوضًا في الكشف عن الحقائق؛ إذ قد يُتوقع من المرأة الصبر والكتمان، أو من الرجل التحفظ وعدم البوح بمشاعره، وزاد الأمر تعقيدًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تقدم الصور المثالية للعلاقات سببًا إضافيًا لإخفاء المشاكل الحقيقية خوفًا من المقارنة أو الأحكام.
إخفاء الحقائق داخل الحياة الزوجية قد يبدو في البداية محاولة لحماية العلاقة أو تجنّب الخلاف، لكنه غالبًا ما يترك آثارًا عميقة وباهظة الثمن على المدى البعيد، فالثقة تعد العمود الفقري لأي زواج، حيث قد تتصدع تدريجيًا حتى تنهار تمامًا، يرافق ذلك فتور عاطفي وجسدي يطفئ شغف العلاقة ويحوّلها إلى علاقة شكلية بلا روح، كما ترتفع احتمالات الخيانة أو الانفصال، وتتشوّه صورة العلاقة أمام الأبناء، مما يغرس لديهم مفاهيم مضطربة عن الصدق والأمان الأسري.
وترى البطوش أن إخفاء الأسرار لا يؤثر فقط على العلاقة ككل، بل يمتد أثره النفسي على الطرف الذي يخفي السر نفسه، حيث يزداد شعوره بالذنب وتأنيب الضمير مع مرور الوقت، ويصاحبه قلق وتوتر مستمرين، ما قد يؤدي إلى صعوبة في اتخاذ قرارات مهمة بسبب الخوف من انكشاف الحقيقة. 
أما الطرف الآخر، فيتعرض لأثر نفسي واجتماعي بالغ؛ ففقدان الإحساس بالأمان والثقة يخلق حالة دائمة من الشك وعدم الاطمئنان، وقد تدفعه هذه الحالة لتبني سلوكيات دفاعية مثل الانسحاب العاطفي أو التهجم كرد فعل على ما يشعر به، حيث يمتد هذا التوتر ليؤثر على جودة العلاقة الجنسية والعاطفية، حيث يختفي شغف العاطفة وتنخفض الحميمية، بينما يشعر الطرف الآخر بالعزلة حتى في اللحظات الحميمة، مما يضع العلاقة في دائرة من الفتور والابتعاد التدريجي.
الأسرار والخلافات غير المعلنة بين الزوجين لا تؤثران فقط على العلاقة بينهما، بل تمتد آثارها إلى الأبناء والمراهقين، حيث ينشأون على صورة مشوهة عن الثقة والصراحة، وقد يشعرون بعدم الأمان العاطفي داخل الأسرة، كما أن ملاحظة سلوك الكتمان المتكرر لدى الوالدين قد تدفعهم لتقليده في حياتهم المستقبلية، سواء في علاقاتهم الشخصية أو المهنية، ما يعزز دائرة الانغلاق وعدم الصراحة ويؤثر على قدرتهم على بناء علاقات صحية قائمة على الثقة، ومن المهم التمييز بين الخصوصية، وهي الاحتفاظ بمساحة شخصية لا تضر بالعلاقة، والكذب الذي يشمل تقديم معلومات مضللة أو مزيفة، المشكلة أن الإخفاء المتكرر قد يتطور إلى كذب مبرمج يضر بالعلاقة أكثر من الصراحة مهما كانت صعبة.
وترى البطوش أنه عند اكتشاف سر بعد فترة طويلة من الإخفاء، فإن التريث قبل المواجهة يساعد على تجنب القرارات الانفعالية، كما أن طرح الأسئلة لفهم الدوافع وتقييم أثر السر على العلاقة يتيح التعامل معه بوعي بدلًا من ردود الفعل العاطفية البحتة.
لتجنب الأضرار الناجمة عن إخفاء الأسرار، يمكن اتباع إستراتيجيات وقائية فعّالة تبدأ منذ فترة الخطوبة، حيث يفضّل وضع قواعد واضحة للخصوصية والمصارحة تضمن احترام مساحة كل طرف ومشاركة ما يمسّ الحياة المشتركة، كما يمكن الاستفادة من إشراك طرف ثالث مختص، مثل مستشار أسري، عند تراكم الأسرار أو وجود مشكلات عميقة، لضمان معالجة الأمور بشكل حيادي وفعّال، ويساهم تعزيز الثقافة الزوجية حول الصراحة والشفافية منذ البداية في ترسيخ أسس الثقة المتبادلة، وتقليل الميل إلى الكتمان أو التهرب من مواجهة الحقائق، ما يضع العلاقة على مسار صحي ومستقر منذ اللحظة الأولى.
 أما إعادة بناء الثقة بعد الانكسار، بحسب البطوش، فتحتاج شجاعة الاعتراف بالخطأ بلا تبريرات، والالتزام بالشفافية مستقبلًا، ومنح الشريك الوقت الكافي لمعالجة مشاعره، مع إمكانية اللجوء إلى الإرشاد الأسري للحصول على دعم مختص. 
إخفاء الأسرار في الزواج ليس مجرد فعل لحظي، بل قرار يترك أثرًا طويل المدى على مسار العلاقة، وبين الخصوصية المشروعة والصمت المضر، يحتاج الزوجان إلى وعي، وحوار مستمر، وشجاعة في مواجهة المخاوف، فالثقة التي تُبنى بصدق تُصبح الحصن الذي يحمي العلاقة من التصدّع، والمصارحة ليست فقط حقًا للطرف الآخر، بل هي أيضًا هدية تُهديها العلاقة لنفسها لتبقى حيّة ودافئة.
وتشير خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم إلى أن إخفاء الأسرار في العلاقة الزوجية هو حجب معلومات أو أحداث مهمة عن الشريك ويتم إخفاؤها قصداً.
 وتتنوع الأسرار التي قد يخفيها أحد الزوجين عن الآخر، فقد تكون مالية مثل الديون، أو صحية تتعلق بمشكلات جسدية أو نفسية، أو عاطفية مثل مشاعر تجاه شخص آخر، أو حتى قرارات حياتية مهمة تم اتخاذها دون تشاور.
الأسرار الصغيرة، وفق إبراهيم غالباً ما تسبب توتراً مؤقتاً يمكن تجاوزه إذا وُجه بطريقة صحيحة، أما الأسرار الكبيرة فتترك أثراً عميقاً، إذ قد تهز الثقة وتؤدي إلى فقدان الأمان العاطفي بين الطرفين.
ورغم الصورة السلبية الشائعة، قد يكون إخفاء بعض الأمور مبرراً في حالات محددة، مثل حماية مشاعر الشريك أو تجنب إثارة قلقه بشأن مسألة يمكن حلها دون إشراكه. لكن هذا المبرر يصبح غير مقبول إذا كان الإخفاء يهدد الثقة أو يخفي حقائق مؤثرة في الحياة المشتركة.
والمشاعر الناتجة عن اكتشاف سر يشعر الطرف الآخر بخيبة أمل أو غضب أو جرح عاطفي، وغالباً ما يتولد إحساس بالخيانة وفقدان الثقة، حتى إن كان السر صغيراً في جوهره. ومن أبرز الأسباب لإخفاء الأسرار هو الخوف من رد الفعل السلبي، الشعور بالذنب، الرغبة في تجنب الصراع، ضعف مهارات التواصل، أو حتى طبع الكتمان.
وهناك علاقة بين ضعف الثقة وإخفاء الأسرار، فضعف الثقة يدفع الزوجين لإخفاء الأمور عن بعضهما، لكن هذه الأسرار بدورها تضعف الثقة أكثر.
ومن الحلول لتعزيز الصراحة بين الزوجين؛ تشجيع الحوار المفتوح، وتجنب ردود الفعل القاسية، وتقدير الصراحة بدلاً من العقاب.
وللتعامل مع سر مكتشف بعد فترة طويلة، ينبغي التريث، الاستماع لتفسير الشريك، ثم مناقشة الحلول وإعادة بناء الثقة تدريجياً، بدل الانفعال الفوري الذي قد يغلق باب التفاهم. ويبقى الحوار المنتظم يساعد على تفريغ الضغوط ومنع تراكم الأسرار، ما يجعل المصارحة أمرا طبيعيا في العلاقة.