عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2023

في أحداث غزة.. "اختلاف الرأي يفسد كل الود للقضية"

 الغد-تغريد السعايدة

 انقلبت موازين كثيرة بعد الحرب الشرسة على قطاع غزة، فلم يعد هناك مجال للمجاملات والتزلف في النقاش والطرح، بل تعالت أصوات الإنسانية على جميع الآراء التي تتعلق بتبعات الحرب، حتى بات الاختلاف بالرأي في القضية يفسد الود كله، حينما يجور الباطل على الحق.
 
 
هذا الأمر أصبح ينعكس بشكل واضح على الساحة الفنية في مختلف الدول العربية، وخاصة في بعض التصريحات والمناورات الحادة بين فناني الوطن العربي، والتي أثارت الكثير من تبادل الاتهامات فيما بينهم، حتى تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى فريقين: فريق داعم مؤيد، وفريق مهاجم لمن يجدون أنفسهم خارج دائرة التعاطف أو اتخاذ إجراء "عملي" تجاه ما يحدث في غزة.
 
استمرار الحفلات والعروض الفنية خلال هذه الفترة، ورفض بعض الفنانين التوقف عنها، وخاصة العروض الكوميدية منها، أثار انتقادات واسعة من قبل زملائهم والجمهور العربي، الذي يرى أن الوقت الحالي لا يسمح بـ"الكوميديا والهزل والحفلات الفنية الصاخبة"، في ظل ما يحدث من جرائم بشعة تطال "أرواح أشقائنا وأطفالنا ونسائنا" في غزة.
ومن المنشورات التي كان لها صدى كبير في العالم العربي لما يحدث من "تناسي" بعض الفنانين العرب لما يحدث في غزة، والاستمرار في الحملات الفنية الخاصة بهم، "خاصة في الوسط الفني"، ما كتبه الفنان الاردني منذر رياحنة، بعد ان نشر صورة له، وأرفقها بعبارة "اختلافك معي في قضية فلسطين يفسد الود كله"، على أنغام أغنية موطني.
وتابع الرياحنة القول "عن رأي الإنسانية والمنطق، فهو اختلاف معه بشكل شخصي، ويكشف عن عدو جديد مختلف، نعم سيدي، يفسد الود، ويفسد العشرة، ويفسد..."، وأعاد العديد من الفنانين ذات العبارة، للتأكيد على موقفهم الثابت من قضية غزة، وإلزامية ان يكون هناك موقف واضح وصريح بالوقوف بجانب غزة، ومحاولة تأجيل أو إلغاء بعض الأعمال الفنية الغنائية، على سبيل المثال.
الفنانة المصرية فيدرا كذلك، قالت خلال منشور خاص بها "اختلافك معي في قضية فلسطين يفسد الود كله"، حيث كانت كانت فيدرا ومن بداية الأحداث على غزة، من ضمن الفنانين الحريصين على دعم غزة وإظهار كل التعاطف والدعم لها، ولو بالكلمة، ونقل الإعلام عن جمهورها بقولهم إنها "من أكثر الفنانات حبا ودعما للقضية من خلال عدد كبير من المنشورات عبر حساباتها المختلفة".
وكانت قد ظهرت العديد من المواقف والقضايا التي استحوذت على اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي، كما في قضية الفنان أحمد سلام، الذي امتنع وانسحب عن المشاركة في عروض مسرحية كوميدية  في أحد المهرجانات العربية، وكان أحد ابطالها، مبرراً ذلك بقوله " أنا بعتذر عن المشاركة في المسرحية، هي مسرحية استعراضية وأنا مش هقدر أرقص وأغني وإخواتي في غزة بيتقتلوا ويتدبحوا أنا تأخرت لحد آخر لحظة على أمل أن يتم اتخاذ قرار تأجيل الموسم، أو إلغاء العرض، وللأسف هذا لم يحدث".
بعد ذلك تعرض سلام من قِبل أحد زملائه للانتقاد ووصفه بطريقة غير لائقة بعد نهاية العرض المسرحي في الرياض، الأمر الذي أدى إلى انقسام فني في الساحة المصرية والعربية، وانتفاض العديد من الفنانين لدعم سلام، الذي خسر الكثير "مادياً فقط"، ولكنه كسب احترام جمهوره، بل وانهالت عليه عروض فنية جديدة بعد أن سحبت شركات أخرى عقوده الفنية، بحجة الانتقاد والانسحاب غير المبرر.
لذلك، تصدرت مقولة "اختلافك في الرأي معي في قضية فلسطين وغزة تفسد للود كل القضية"، ولكن هذا الأمر لم يعد يقتصر على الوسط الفني فقط كما نلحظ الآن، بل إن الحوار حول ما يحدث في غزة واختلاف وجهات النظر، اوجد حالة من الجدل العقيم، كما تقول نادين جوابرة التي لاحظت ان حوارات صديقاتها في الجامعة او المحيط العائلي "يفسد للود قضية".
وتقول نادين انها تتعمد احيانا الانسحاب من بعض الحوارات حتى لا تضطر للدخول في مرحلة النقاش الحاد والجاد الذي قد يصل احيانا إلى رفع الصوت وتراشق الاتهامات، وبخاصة ان كان ذلك الامر عبر قنوات التواصل الاجتماعي.
وقد تكون المساحة الفضفاضة التي تمنحها مواقع التواصل الاجتماعي للمتابعين فرصة كبيرة للحوار وطرح الآراء، ولكن قد تزداد احتمالية ان يكون هناك افساد للعلاقات بين الناس اكثر، كون المتحدث قد يعبر عن رأيه ورفض رأي الآخر من خلال المنشورات التي يتم فيها الحديث صراحة او تلميحاً، كما يحدث الآن من مواقف بين الفنانين والمؤثرين في عالم السوشال ميديا.
ويعتقد الشاب عبدالله نويران، أنه بالفعل تأثر بشكل كبير بعد معرفة آراء بعض الفنانين والمؤثرين العرب حول نظرتهم لما يحدث في غزة، خاصة ممن استمروا في انشطتهم الفنية والتفاعلية بعيدا عن الشعور بما يحدث على ارض الواقع، الامر الذي دفعه إلى الغاء متابعته لهم عبر حسابتهم الشخصية، بل وحث أصدقائه على ذلك ويقوم بنشر اسماء كثير منهم ليعلم الناس حقيقة تأثيرهم وعدم متابعتهم بشكل قاطع.
ويؤكد عبد الله ان انعكاس مقولة "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، حيث ان ما يحدث في غزة الآن هي قضية انسانية دولية كبيرة تستحق منا ان نظهر كل الدعم والتعاطف منا وكل ما يمكن ان نقدمه لهم، وان نقاطع كل من يخالفنا الرأي في قضيتها الرئيسية اليوم وهي "غزة".
اختصاصي علم الإجتماع الدكتور حسين خزاعي يرى ان السبب الرئيسي ان هذه المشاهد والدمار والقتل والاعتداء الوحشي على كل الممتلكات كما في اساسيات الحياة وموارد الطاقة وحتى المستشفيات، وما يلحق من ذلك من أضرار للمواطنين في غزة، خاصة الأطفال والنساء والمرضى والإبادة والتهجير القسري؛ لا بد وان يولد المشاعر عند كل شخص يعيش على هذه الأرض، وتدفعهم للتفاعل مع ما يحدث، وبالتالي يتخذون موقفا حازما.
لذا، يعتقد خزاعي ان من يتخذ موقفا مغايرا، ويكون غير متعاطف ومتفاعل مع أهل غزة، لن يكون مقبولا في ظل هذا القتال الهمجي وهذا السفك للدماء، لهذا السبب، في مثل هذه الحالات التي عليها إجماع مجتمعي، لا يجوز ان يكون اختلاف في الرأي حتى وإن كان من فئة قليلة، إذ إن هذه الفئة القليلة عليها ان تحترم رأي الجماعة، خاصة وأن الموضوع يتعلق بالوضع الإنساني غير المقبول في غزة، ويستفز المشاعر الإنسانية لمختلف الخلفيات الدينية والاجتماعية.
ووفق خزاعي، فإن تلك الفئة القليلة، عليها ان تقدر مشاعر الجماعة الأكبر، خاصة في مثل هذه المواقف، ولا يجوز ان يكون هناك اختلاف في الرأي حول قضايا مصيرية انسانية والتي يتفق عليها الجميع بأن هناك من يتعرض للاعتداء الوحشي غير المبرر، ومن هنا قد يكون هناك "نسيان لاختلاف الرأي بأنه لا يفسد للود قضية، بل على العكس هو يفسد الود ويظهر أفكار ومنهجية الآخرين في التعامل مع القضايا القومية الإنسانية بشكلٍ عام.