الراي
دخل مفهوم الديمقراطية للسياسة من باب الإدارة، بوصفها شكلا للإدارة السياسية ونظاما لتداول السلطة، وضمانا للمشاركة عبر اختيار ممثلي الشعب. وما يشير إلى انتماء مصطلح الديمقراطية لسلالة الأنطمة الإدارية، أنه لا يمثل نزعة فلسفية إنسانية، بل ينطوي على خيار «لإدارة الدولة»، وهو بهذا يأخذ صفة «المحلية»، التي تمثل خيارا إجرائيا لا يتعدى في أبعاده السياسية وممارسته حدود الدولة.
وفي الزمن القديم الذي نشأت فيه الديمقراطية الإغريقية أول مرة، لم يكن مسعى «النخبة» تحقيق العدالة في تمثيل حكم الشعب، وإنما ترتيب بيت السلطة بتحديد مشاركة الفئة الارستقراطية في الانتخاب، وفي القرن التاسع عشر، وبسبب تغول السلطة على القوى الاجتماعية الأخرى تطور مفهوم الديمقراطية بالمشاركة التمثيلية لكل قطاعات الشعب، وحددت العلاقة بين السلطات الثلاث.
ورغم تطور مفهوم الديمقراطية، والديمقراطية الليبرالية التي تركز على الفرد والأقليات في توسيع مساحة الحرية واهتمامها بالتنمية ومشاركة الأحزاب، إلا أن العملية الديمقراطية ما تزال تختزل في الحياة البرلمانية التي ينتدب فيها الشعب ممثليه في الرقابة والتشريع والمساءلة، التي وصفها الأكاديمي الكويتي د. عبدالله النفيسي بأنها «ديمقراطية برلمانية» انتدابية/ تملك صلاحيات القرار والاختيار والنطق باسم الشعب، وأثبتت التجارب أن بعض تلك القرارات لم تكن لصالح من منحهم حق تمثيلهم.
ومن خلال التجربة لم تستطع العملية الديمقراطية في العالم، ومنها الغربية بعامة والعربية والأردنية بخاصة تطبيق أبسط متطلبات فلسفة الديمقراطية على صعيد القوى الاجتماعية بالتمثيل النسبي الحقيقي كتعبير عن التنوع والتعدد والاختلاف، ومن أكثر الأمثلة على ذلك أن المرأة التي تمثل 48،5 في المئة من عدد السكان، لا تحظى بأكثر من نسبة 2،2 من المقاعد. وحتى في ظل (الكوتا)، وقوانين الانتخاب التي تشجع الإحزاب على رفد القوائم بالنساء والشباب، إلا أن تمثيل المرأة ما يزال بعيد المنال بسبب الثقافة السائدة.
وبسبب الكلف المالية وارتفاع فاتورة الترشح، ونظام الاقتراع والترشيح وآلياتهما فقد ضاقت الفرص أمام كثير من المؤهلين الراغبين ممن يمتلكون الخبرات، ولكن قصر ذات اليد يخون مساعيهم ورغبتهم، لترك المجال للكتلة الصلبة «الطبقة المالية التي تبحث عن سلطة سياسية».
موضوع الديمقراطية التي وجه لها إفلاطون في كتابه «الجمهورية» نقد لاذعا، عادت الأصوات في أوروبا تدعو للبحث عن شكل آخر لإدارة التمثيل والمشاركة السياسية وتداول السلطة، واختيار ممثلي الشعب، ومن الملاحظات التي ساقها المنتقدون أن «كلف الديمقراطية عالية في مقابل المتوقع من الأداء»، وأنها لم تعد تحوز على اهتمام الجمهور باستثناء المرشحين وعدد من الناخبين، فضلا عن تكريس «طبقة» سياسية مغلقة تحافظ على مصالحها، وتسببت في تفشي الكثير من الأمراض الاجتماعية، وليس أقلها «المال السياسي». ومن المشكلات أن تلك الممارسات الديمقراطية أبرزت عددا من الانساق «المحافظة» التي توصف بأنها ممارسة «برلمانية»، وليست ممارسات «ديمقراطية» تعمق حقوق الإنسان وتسهم في الإصلاح والتغيير والتنمية والتنوير.